تبنى مجلس الأمن الجمعة الماضي في 22 ديسمبر (كانون الأول) القرار رقم 2720 بتأييد 13 عضواً، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت حول غزة وإسرائيل الذي يدعو إلى «اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فوراً بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسّع وآمن، ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية».
دون مبالغة يمكن القول إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يعود له الفضل بالمرتبة الأولى في تحريك أزمة غزة بشكل غير مسبوق، وبذلك وضع علاقاته بالولايات المتحدة على المحك. الذي لم تعبر رسمياً عن حجم استيائها من مبادرات وتعليقات الأمين العام بشكل مباشر، وتركت التعبير عن ذلك لإسرائيل التي لم تهاجم دولة «عضو» في المنظمة الدولية بعبارات غير لائقة، مثل مهاجمتها له، ووصل إلى حد مطالبته بالاستقالة، وأنه غير مؤهل لتولي منصبه رئيساً للمنظمة الدولية!
يعتقد عامة الناس أن الأمين العام تقتصر وظيفته ومهامه على أنه «الموظف الإداري الأكبر في الهيئة»، وفق نص المادة 97 من الميثاق، ولكنه كما أظهر أستاذي الجامعي ميشال فيرالي في دراسة مبكرة له في سنة 1958 حول المهام السياسية التي يتمتع بها الأمين العام في المنظمة الدولية، وأساسها الدستوري في الميثاق يستند إلى المادة 99 وبناءً على ذلك قام غوتيريش بتوجيه رسالة بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي في 6 ديسمبر، قائلاً إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة «قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين». مشيراً بهذا الشأن إلى المعاناة الإنسانية المروعة، والدمار المادي بسبب القتال المتواصل وإلى الخطر الجسيم في انهيار المنظومة الإنسانية... وحث أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية، مجدداً مناشدته للإعلان عن وقف إطلاق النار «لدواعٍ إنسانية». وهنا أظهر الأمين العام تأكيده على الدور السياسي المنوط به وفق المادة 99 وأن دوره لا يقتصر على المسؤولية الإدارية البحتة. فهو بموجب المادة 7 من الميثاق واحد من الهيئات الرئيسية للمنظمة الدولية مثله كمثل الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي وبقية مجالس المنظمة الدولية.
بعد أكثر من أسبوع من المفاوضات الدبلوماسية للحيلولة دون استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) صدر قرار مجلس الأمن رقم 2720 الذي تفاوتت ردود الفعل حوله، لأنه لم يقر بوقف العمليات الحربية الإسرائيلية في غزة ضد المدنيين، التي تجاوز عدد ضحاياها العشرين ألف شهيد، ناهيك عن استمرار القصف والتدمير شبه الكامل لمدينة غزة. واقتصر ما اتفق عليه في القرار إلى «اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن، ومن دون عوائق، وأيضاً لتهيئة الظروف لوقف مستدامٍ للأعمال العدائية». وطلب القرار من الأمين العام تعيين «كبير لمنسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار يكون مسؤولاً في غزة، عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى غزة، والواردة من الدول التي ليست أطرافاً في النزاع، والتحقّق من طابعها الإنساني». كما طلب القرار من المنسق الجديد أن يقوم على وجه السرعة بإنشاء «آلية للأمم المتحدة من أجل التعجيل بتوفير شحنات الإغاثة الإنسانية لغزة»، عن طريق هذه الدول، بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية، وبغية تسريع وتيسير وتعجيل عملية توفير المساعدات مع الاستمرار في المساعدة على ضمان وصول المعونة إلى وجهتها المدنية. بالإضافة إلى ذلك، طالب إقرار أطراف النزاع بأن تتعاون مع المنسّق للوفاء بولايته «دون تأخير أو عوائق». كان من المهم بمكان أن نورد نشر هذه المقاطع دون اجتزاء، وفق ما نشرته أخبار الأمم المتحدة ليستقيم التحليل من مصدره الرسمي الأممي.
ماذا يعني ذلك النص؟ وما أبعاده وتداعياته؟ للرد باختصار شديد نورد هنا تعليق بريت جوناثان ميلر، نائب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، ورد فعله على القرار بقوله: «إن أي تعزيز لمراقبة المساعدات من قبل الأمم المتحدة لا يمكن أن يتم على حساب عمليات التفتيش الأمنية الإسرائيلية»، مضيفاً أنه ليس لإسرائيل الحق فحسب، بل عليها واجب بضمان أمنها، «لهذا السبب فإن مهمتنا المتمثلة في القضاء على قدرات (حماس) لم تتغير. ولهذا السبب لن تتغير عمليات التفتيش الأمني للمساعدات».
وحول القرار شرحت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد مندوبة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية (وفق نشرة وزارة الخارجية الأميركية) قولها: «إن هذه هي المرة الأولى، التي يستخدم فيها هذا المجلس هذه العبارات، وهي عبارات نعدُّها ضرورية لزيادة المساعدات، والتأكيد على الخطوات الصعبة المقبلة، فيما نعمل معاً لتحقيق سلام دائم». وأوضحت السفيرة الجهود التي بذلتها لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية من خلال الدبلوماسية الرئاسية المباشرة... ويضع مجلس الأمن بفضل هذا القرار ثقله لدعم هذه الجهود... من خلال الدعوة إلى تعيين مسؤول أممي كبير يعمل على تسريع إيصال المساعدات... ونتطلع أن يعمل المسؤول الجديد مع الجهات الفاعلة الإنسانية والأطراف ذات الصلة، بما في ذلك إسرائيل. وواضح هنا اختلاف بين الموقف الأميركي عن الإسرائيلي، والكرة الآن في ملعب غوتيريش والأمم المتحدة في اختيار شخصية كبير منسقي شؤون الإنسانية، وقدرته في سرعة إنشاء آلية الأمم المتحدة، من أجل التعجيل بتوفير شحنات الإغاثة الإنسانية وضرورة تعاون أطراف النزاع مع المنسق للوفاء بولايته دون تأخير أو عوائق. وبالإمكان الثقة بأن غوتيريش سيحذو حذو داغ همرشولد في مواقفه الشجاعة أمام من يحاول تقييد سلطاته وإفشال مهامه.