يحرص كثير من الآباء على تعليم أولادهم الصغار قبل بدء دخولهم الحضانة، بعض المعلومات البسيطة، سواء تعليمهم بعض الحروف الأبجدية أو معرفة الأرقام وحاصل جمعها بشكل مبسط. وعلى الرغم من أن الآباء يقومون بهذا التصرف بشكل فطري، فإن دراسة أميركية حديثة طولية استمرت لعدة سنوات كشفت أن الأطفال الذين يدخلون الحضانة ولديهم قدر أكبر من التعلم سواء المفردات اللغوية أو حل بعض المسائل الحسابية البسيطة، لديهم فرص أفضل من أقرانهم للإنجاز الأكاديمي مستقبلا، بل إن فرص التحاقهم بالجامعة في المستقبل تتفوق على أقرانهم الآخرين بداية من عمر الثانية. وأشارت الدراسة إلى أن الأطفال الذين يحسنون الأداء في الحضانة أيضا يتمتعون بحياة اجتماعية أفضل.
* تعلم قبل الحضانة
كانت الدراسة التي قام بها باحثون من عدة جامعات أميركية مثل كاليفورنيا وكولومبيا وبقيادة فريق بحثي من جامعة بنسلفانيا Pennsylvania State University في شهر أغسطس (آب) الحالي ونشرت في مجلة «تنمية الطفل» journal Child Development، قد أشارت إلى أن الأطفال الذين لديهم قدر بسيط من التعليم حتى السماعي قبل دخول الحضانة (ما قبل المدرسة بشكل نظامي) لديهم فرصة أفضل من غيرهم للتعلم والالتحاق بالكليات؛ بل ولديهم فرص أفضل في الارتباط بحياة زوجية ناجحة وعلاقات اجتماعية متعددة، وفى الأغلب يكون دخلهم المادي أعلى من أقرانهم ويتمتعون بحياة ناجحة على كل المستويات.
وأوضحت الدراسة أن بداية نمو وتطور اللغة الذي في الأغلب يكون بحلول عامين لدى الأطفال الذين لديهم حصيلة لغوية أكبر من أقرانهم، يجعلهم مستعدين أكاديميا واجتماعيا أكثر للإنجاز في التعلم البسيط في الحضانة ومن ثم المدرسة. وحذرت الدراسة من أن هذه النتائج يجب أن تستدعي التركيز على نمو الطفل وتنمية ملكاته الذهنية واللغوية في عمر مبكر جدا لا يتعدى العامين.
وكان الباحثون قد قاموا بتجميع بيانات عن 8650 طفلا في الحضانات بداية من عمر عامين، وقاموا بسؤال الآباء عن عدد المفردات التي يعرفها أولادهم، وعما إذا كانوا قد قاموا بتعليمهم أشياء بسيطة قبل التحاقهم بالحضانة من عدمه، وراجعوا سجلهم الأكاديمي ومدى معرفتهم بالقراءة والمسائل الحسابية البسيطة، وقاموا أيضا بسؤال المدرسين والمشرفين على دور الحضانة عن سلوك الأطفال داخل الحضانة ومع أقرانهم ومدى التزامهم بالنظام والقواعد المختلفة.
* اكتساب المفردات اللغوية
وتم الوضع في الاعتبار أيضا الفروق المختلفة بين الأطفال سواء البيئة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي أو العوامل النفسية مثل قسوة الآباء أو سوء معاملة الطفل أو بعض المشكلات النفسية الأخرى مثل الخجل أو غيره، حتى يمكن الحكم على مدى الإنجاز الأكاديمي فقط في حالة تفوق المفردات والمعلومات القليلة، حيث كانت هناك فروق كبيرة في مستوى المفردات اللغوية oral vocabulary عند عمر عامين بين مجموعتين من الأطفال؛ الأولى الذين انحدروا من أصول غنية ذات بيئة اجتماعية واقتصادية أفضل وأيضا حياة عائلية مستقرة وسعيدة، فكانوا يتمتعون بأعلى قدر من المفردات اللغوية أكثر من الآخرين، بينما الأطفال الذين انحدروا من أصول اقتصادية أو اجتماعية أقل أو عانوا من عدم الاستقرار الأسري وسوء المعاملة، كانت المفردات اللغوية لديهم أقل من أقرانهم الآخرين.
وبعد ذلك قام الباحثون بدراسة هؤلاء الأطفال بعد مرور 3 سنوات، وكانت النتائج نفسها كما هي، بمعنى أن هؤلاء الأطفال كانوا ما زالوا يتمتعون بقدر أفضل من أقرانهم في إجادة القراءة وحل المسائل الحسابية وأيضا الالتزام بالسلوك الجيد داخل الفصول، والالتزام بالنظام بشكل عام، كما كانت لديهم صداقات أقوى من غيرهم من الطلاب. وبالطبع هناك عوامل كثيرة تتحكم في مدى التمتع بقدر من المفردات اللغوية مثل البيئة الاجتماعية والاقتصادية،وإمكانية توفير وسائط متعددة لنمو اللغة مثل أجهزة الكومبيوتر أو الأجهزة الذكية.. وما إلى ذلك.
* محاذير التلقين الزائد
وأشار الباحثون إلى أن هذه الدراسة تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أهمية زيادة القدرات اللغوية للطفل والالتفات إلى ذلك في عمر مبكر لجعله مؤهلا أكثر للتعلم، وقد يكون هذا العامل هو ما يجعل الأطفال متحدثي اللغتين أو أكثر أذكى من أقرانهم الآخرين، سواء الذين ينحدر كل من أبويهم من لغة مختلفة، أو الأطفال الذين يعيشون في بلاد أخرى غير البلد الذي ينتمي له الأبوان، وهو ما يجعل الأطفال أكثر انفتاحا على العالم والآخرين لتعدد روافد معرفتهم وتنمية قدراتهم المعرفية.
فى المقابل حذر الباحثون من محاولة الضغط على الأطفال الصغار من أجل التعلم؛ بمعنى إصرار الوالدين على ضرورة تلقين الطفل معلومات لا يستوعبها عقله، أو الإلحاح في تعلم لغة معينة وإجادتها في سن مبكرة، أو دفعه للتنافس الأكاديمي بما لا يناسب عمر الطفل؛ حيث إن الهدف الأساسي من الحضانة يجب أن يكون الترفيه عن الطفل وتأهيله لتلقي العلم بعد ذلك في المدرسة؛ حيث إن زيادة الضغوط النفسية على الطفل في الحضانة يمكن أن تجعل من المدرسة مكانا مكروها بالنسبة للطفل نتيجة لمعاناته النفسية، وتؤدي إلى نتيجة عكسية.
وأشارت الدراسة أيضا إلى الدور الإيجابي البارز الذي يمكن أن يلعبه الآباء في حياة أبنائهم بمحاولة التقارب الأسري والبعد عن الاختلافات أمام الأطفال، وخلق حالة من الاستقرار في حياة الطفل، وضرورة وجود تواصل اجتماعي مع الآخرين، والذهاب إلى أماكن لتجمعات مختلفة مثل النوادي أو الحفلات العائلية.
* استشاري طب الأطفال