حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

رياح التشدد غربية خطرة

الفرنسي السبعيني اليميني المتطرف الذي قتل الجمعة الماضي، وبدم عنصري بارد، مجموعة من المواطنين الفرنسيين من أصل كردي أمام مركز ثقافي كردي، يمثل أُذُنَ جَمَلٍ يمينيٍ متوحش أبيض ضخم «باقٍ ويتمدد».
جريمة السبعيني الفرنسي هذه عبارة عن خيط من خيوط عديدة نُسجت من مصدر واحد؛ «اليمين الغربي العنصري» المتشدد الذي تحول إلى خطر داهم على الدول الغربية والعالم كله، من هذه الخيوط ذبح 92 مسالماً معظمهم من الشباب النرويجي عام 2011، والهجوم الإرهابي الدموي الرهيب في كرايستشيرش بنيوزيلندا عام 2019 أدى إلى مقتل 49 من المواطنين النيوزيلنديين المسلمين، وقتل 10 متسوقين وعمال سود في سوبر ماركت بمدينة بافالو الأميركية بواسطة مراهق أبيض في مايو (أيار) من هذا العام (2022)، ناهيك بعشرات، بل مئات الهجمات العنصرية باليد أو باللفظ أو بالإشارة... هذا غير الأفكار العنصرية التي يتقيؤها رموز سياسية ودينية وفكرية غربية من مناصري اليمين العنصري الإرهابي المتشدد، وأعظم هذه الخيوط وأخطرها محاولة الانقلاب في ألمانيا التي قامت بها حركة «رايخسبرغر»، أي «مواطنو الرايخ» المتشددة، وقبل ذلك المحاولة الانقلابية على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جاءت ببايدن للبيت الأبيض وحرمت ترمب، ما جعله يكرر مزاعمه المستمرة بأن انتخابات 2020 قد سُرقت منه.
والبعض ما برح يسخر من حكاية «انقلاب» اليمين الإرهابي المتشدد في أوروبا وأميركا، وأن الدول الغربية ليست جمهوريات موز، وهذا صحيح أن عملية الانقلاب في الدول الغربية لن تكون مثل الانقلابات في تشاد أو كوستاريكا مثلاً، ولكن الانقلابات مثل الفيروسات تتحور حسب الأجواء والأوضاع ودرجة المناعة المجتمعية، ولن تنسى أوروبا مهما تقادم الزمن «المدمرة» هتلر الذي وصل إلى زعامة ألمانيا عن طريق الانتخابات، وكذلك «البلدوزر» الفتاك نابليون الذي تسنم قيادة فرنسا عبر تعيينه من مجلس الشيوخ.
الحقائق على الأرض الغربية تقول إن كرة ثلج اليمين الغربي بشقيه المتشدد والإرهابي تتدحرج وتكبر وبصورة متسارعة، والمهم هنا الإشارة إلى أن خطر اليمين العنصري الديني المتشدد في الدول الغربية لا يشكل خطورة وتهديداً لأوروبا وأميركا فحسب، بل للسلم العالمي، لأن إرهاب وتشدد العالم الثالث لن يتجاوز استخدام أسلحة تقليدية بدائية، وأما اليمين «المجنون» الإرهابي المتشدد فلو سيطر على دولة نووية فسيكون أخطر بمراحل من هيمنة النازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا القرن الماضي.
(رغم أن خطر «الجهاديين» لا يزال قائماً فإن الخطر المتزايد على الدول الغربية يأتي من المتطرفين العنصريين البيض)... هذا التحذير لم يصدر من عربي حاقد على الغرب، ولا من روسي محارب للغرب، ولا من صيني منافس للغرب، بل من كاتب غربي إنجليزي في صحيفة «الغارديان» البريطانية.
تقول توقعات الطقس المتشدد إن رياح التشدد «الشرقية» مثيرة للأتربة وقالعة للأشجار، أما رياح التشدد الغربية فعواصف مدمرة، ما تذر من شيء إلا جعلته كالرميم... وللحديث تتمة.