شاشة الناقد

مشهد من الفيلم التسجيلي «بعيداً عن النيل»
مشهد من الفيلم التسجيلي «بعيداً عن النيل»
TT

شاشة الناقد

مشهد من الفيلم التسجيلي «بعيداً عن النيل»
مشهد من الفيلم التسجيلي «بعيداً عن النيل»

بعيداً عن النيل
إخراج‪:‬ أشرف الطقشة‬
مصر، الولايات المتحدة (تسجيلي) - 2022
★★★
يدور هذا الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة، حول موسيقيين من مصر والسودان وكينيا والصومال وإثيوبيا يلتقون، في مطلع الفيلم، في مدينة أسوان طارحين إمكانية العمل معاً لتقديم وصلات موسيقية متنوّعة في الولايات المتحدة.
يتبع ذلك رحلتهم إلى نيويورك، حيث تطالعهم طينة حياة مختلفة رغم معرفتهم المسبقة بالفوارق المتعددة بين بلدانهم ومجتمعاتهم وبين ما تنضح به مدينة أميركية كبيرة، مثل نيويورك، من مفاجآت. يوظف المخرج هذا التفاوت جيداً وبنبرة ساخرة، لكنه يمتنع عن تطويع الفيلم ليكون نقداً من أي نوع.
الموسيقيون المختارون لتقديم فنهم الموسيقي الأفريقي ليسوا شخصيات متآلفة، مما ينتج عنه عنصر الاهتمام لمعظم الوقت. التوتر الذي يسود بين بعضهم بعضاً، وذلك الذي يهيمن على علاقة بعضهم بالمخرج (يشترك في الظهور) تهدد اللُحمة التي سعى المخرج لتأليفها بينهم.
في الوقت ذاته، لا يستمر هذا الاهتمام بما يحدث بينهم طويلاً، أو هو يظهر هنا ويختفي هناك ثم يعود. ما يحدث نتيجة ذلك أن الفيلم يبقى بدوره حيناً مثيراً وحيناً آخر أضعف من أن يأتي بما يلزم لإضفاء الحرارة وطرد الفتور.
أسلوب المخرج تقليدي، لا توجد لمعات فنية غير متوقعة لكن الموضوع يؤول تدريجياً إلى تلك الدقائق الثمينة التي يتّحد فيها الجميع في بوتقة الفن الموسيقي الأفريقي في النهاية.

Attica
إخراج‪:‬ ترايسي كوري، ستانلي نلسون‬
الولايات المتحدة (تسجيلي)
★★★
في التاسع من سبتمبر (أيلول) من عام 1971 تمرّد سجناء «أتيكا» (نحو 2000 سجين 70 في المائة منهم من الأفرو - أميركيين) الواقع في بلدة أتيكا في ولاية نيويورك، واحتجزوا 39 ضابطاً. السبب هو سوء الحياة داخل السجن وسوء المعاملة. مطالباتهم كانت محقّة وفي مقدّمتها معاملة السجناء كآدميين وليس كحيوانات والتوقف عن الضرب والعنف المسلط وتحسين الخدمات وحرية العبادة للمسلمين.
حاكم ولاية نيويورك نلسون روكفيلر، وبعد 5 أيام من الاضطرابات، رفض المطالب ثم وافق على معظمها لكن مقتل أحد الحرّاس الذين أصيبوا في مطلع الانتفاضة وموافقة الرئيس ريتشارد نيكسون أدّيا إلى قيام قوات الأمن والحرس الوطني بالهجوم على السجناء العزل من السلاح. 29 قتيلاً من السجناء و10 من الحرس المعتقلين قضوا بالقنص. كل القتلى من السجناء كانوا من السود، وعلى عكس ما أشاعه المسؤولون فإن القتلى من الحرس قضوا برصاص زملائهم، معتقدين أنهم من السجناء وليس بسبب قيام السجناء بذبحهم. بعد القتل الكبير تم إجبار السجناء على التعري كاملاً ثم تم تعذيب العديد منهم وأجبروا عديدين على السير فوق الزجاج المحطم.
كل هذا نراه في وثائق مصوّرة متداخلة مع مقابلات مع السجناء الذين قضوا مدّة عقوبتهم وخبروا تلك الأحداث، ومع معلقين وإعلاميين تابعوا العملية. المشاهد صادمة بعنف ما حدث ومفزعة من حيث إلى أي مدى يذهب القانون في تحدي المنطق والحقيقة واستخدام القوّة المفرطة. ثم إلى أي مدى يتشبّث السياسيون بمواقفهم متلاعبين بأرواح الناس رغبة في تحقيق مكاسب ذاتية (منّى حاكم الولاية بدخول انتخابات الرئاسة لاحقاً). الشهادات المصوّرة والمروية لا تترك مجالاً للشك بأن السجناء إنما كانوا لا يطلبون أكثر من معاملة إنسانية. يتبنى الفيلم القضية موفراً الحقائق التي لا خلاف عليها. الفيلم تحقيق جيد التنفيذ في خاناته المختلفة

Ascersion
إخراج‪:‬ جسيكا كينغدون‬
الولايات المتحدة (تسجيلي)
★★★
في أحد المشاهد الأولى من هذا الفيلم الأول لمخرجته، صورة لإعلان يقول: «تعمل بجد تحقق ما تريد». هذا هو الشعار - الوعد الذي يترتّب عليه اعتقاد البعض بأنه إذا ما عمل بجدية واشتغل طويلاً فلا بد له أن يحقق تلك الأحلام التي تراوده.
لا يختلف هذا الفيلم كثيراً عن أفلام أخرى في طرح وهم الحلم الكبير وتحقيق الذات والجاه. لكنه الحلم الذي سيتحول صاحبه إلى جزء من الآلة الضخمة التي تعمل بكد مقابل أجر قد لا يحقق حلم شهر واحد. على أن «صعود» يدور حول الصين الجديدة (وليس عن الحلم الأميركي الكبير) التي ما زالت دولة شيوعية النظام مع رأسمالية المناهج الاقتصادية.
يسرد الفيلم في نحو ساعة ونصف العمل في مصانع مختلفة، من مصانع تعليب لحوم إلى مصانع بلاستيك إلى أخرى تتعامل والتطريز ومنها إلى تعبئة المياه «المعدنية» وسواها. كل ذلك بإيقاع يتعرّض للرتابة في بعض فقرات الفيلم، لكنه يبقى مثيراً للاهتمام عموماً كونه يؤكد أن لا شيء مجاني في تلك المصانع الزاخرة بالجهد والعمل الآلي يمتزج فيه الإنسان بالآلة ويصبحان كائناً واحداً. هذا يقع في كل مكان على الأرض (بحجم متفاوت) لكن عندما يطالعك شعار آخر يقول: «كن حالم نهار، هذا أمر ليس سيئاً» (Ba a Daydreamer‪، ‬ This is not bad) فإنك تدرك السخرية المبطّنة التي تلجأ إليها، بنجاح، المخرجة جسيكا كينغدون. كما تكشف المخرجة ماهية الحلم الصيني وثمنه. هو ذاته ثمن كل الأحلام الوردية في كل مكان آخر.‬

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
جيد جدا ★★★★ ممتاز ★★★★★


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.