سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

جائزة مصطفى أمين لتلميذ هيكل

منحت جائزة مصطفى وعلي أمين لأفضل عمود صحافي هذا العام للأستاذ جميل مطر في «الشروق». وعندما تمنح جائزة في أي حقل لأي كان، أول ما يخطر في بال الناس، خصوصاً من أهل المهنة، هل الفائز مستحق؟ وهل إذا كنت عضواً في اللجنة المحكمة، أقترع له؟
اقترعت أكثرية الأفرو - أميركيين للرئيس جون كيندي المؤيد لقضاياهم. وبعد فوزه قال الكوميدي ديك غريغوري، «لو تسنى للأميركي الأسود، لاقترع لكيندي مرتين». ولو كنت عضواً في لجنة الجائزة لاقترعت للزميل جميل مطر عاماً بعد عام. وهو، مثل الجائزة ومؤسسيها، لا يمثل فقط الصحافة المتميزة بالثقافة والاجتهاد والموضوعية فحسب، بل أيضاً، وخصوصاً، الصحافة الجديرة بالاحترام. وما من مرة تساهل جميل مطر في هذا الشرط.
أفاد جميل مطر في عمله المهني من مجموعة محطات. أولاها عمله في الدبلوماسية المصرية ومعرفة شؤون الأمم، وثانيتها عمله مع محمد حسنين هيكل لفترة طويلة رئيساً لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في «الأهرام» حيث كان الساعد الأيمن له، ورفيقه في الداخل وفي السفر.
تعرفت إلى جميل مطر عام 1974 عندما جاء برفقة هيكل إلى بيروت لإصدار كتابه «في الطريق إلى رمضان» عن «دار النهار» الذي توليت ترجمته عن الإنجليزية. ومن بعدها نشأت بين هيكل وبيني صداقة جعلتني ألتقيه مرات عدة على مدار السنة، بينما كان مطر «البروليتاري» الكادح بعيداً عن أجواء الصحافة الاجتماعية، منصرفاً إلى كدها اليومي بكل تواضع. وحتى عندما كان يظهر في المؤتمرات، كان يبقى في الظل مثل محرر ناشئ غير واثق من خطاه الأولى.
لكن جميل مطر معلم في المهنة وله تلامذة ومقتدرون. سواء في الأسلوب الشخصي أو في الطريقة الأكاديمية. وظني أن هيكل الذي كان مولعاً بالحرص الأكاديمي، كان يعتمده كثيراً في طريقة البحث وتكثيف المقال.
يبدو أن ثمة قراراً بإبقاء جوائز مصطفى وعلي أمين ضمن مصر. ولعل السبب الأرجح التكلفة المالية، لأن الإحاطة بالصحافة العربية كلها عمل صعب وكثير الكلفة. لكن أيضاً مصطفى وعلي أمين لم يكونا صحافيين مصريين فقط، بل كانا رائدين في الصحافة العربية وعلمين من أعلامها ومن مؤسسي حداثتها، خصوصاً دور مصطفى الذي كانت له مكانة عند القارئ والمسؤول العربي على السواء. ولا يجوز أن يغفل عنهما هذا الاعتبار في سجل الصحافة العربية. لقد ظلما كأحياء ولحق بهما جور كبير، يتحمل هيكل جزءاً منه، عندما فقد الشجاعة الكافية في الدفاع عن مصطفى أمين. وكانت تلك مرحلة مريرة في حياة صحافة العرب.