دور البنيان الأسري في الحماية من العنف لدى المراهقين

العوائل المتماسكة تقلل خطر انحراف سلوكهم

دور البنيان الأسري في الحماية من العنف لدى المراهقين
TT

دور البنيان الأسري في الحماية من العنف لدى المراهقين

دور البنيان الأسري في الحماية من العنف لدى المراهقين

كشفت أحدث دراسة سويدية لعلماء من جامعة مالمو (Malmö University) عن الدور الكبير للعائلة في الحماية من العنف وأعمال الإجرام لدى المراهقين.
وتناولت الدراسة ما يمكن أن يطلق عليه «البنيان العائلي» (Family Structure)، وأثره في الحفاظ على الصحة النفسية للطفل والمراهق وحمايته من الانحراف أو الانخراط في أعمال ضد القانون مثل السرقات أو تحطيم الممتلكات العامة. وأوضحت أن وجود المراهق مع الأب والأم معاً أفضل من وجوده مع طرف بمفرده حتى لو كان هذا الطرف مرتبطاً بشريك آخر (زوجة الأب أو زوج الأم). ونشرت هذه النتائج في منتصف شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في النسخة الإلكترونية من مجلة «بلوس ون» (PLOS ONE) الطبية.

- البنيان العائلي
قام الباحثون بتحليل بيانات 3800 مراهق سويدي تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاماً. وجمعت هذه البيانات من مسح سابق أجري على المراهقين الذين تمت إدانتهم قبل ذلك في أي أعمال إجرامية ضد النظام العام، بداية من تشويه الجدران بالكتابة عليها، أو سرقة المتاجر حتى لو كانت أشياء بسيطة مثل الحلوى أو السجائر، ونهاية بممارسة العنف البدني والعدوانية ضد الآخرين. وقام الباحثون باستخدام مقياس يسمى نسبة معدل الحوادث (incident rate ratio) أو «IRR» اختصاراً لمقارنة المجموعات المختلفة من الجرائم وعددها.
أشارت الدراسة إلى ضرورة استخدام تصنيفات أكثر تفصيلاً لتفسير العلاقة بين البنيان الأسري ومعدل الانحراف، ويجب الوضع في الحسبان المراهقين الذين ينتقلون باستمرار بين الأبوين، خصوصاً مع إمكانية وجود اختلاف الظروف المعيشية بشكل كامل لكل طرف عن الآخر، بما في ذلك الظروف المادية والمستويان الاجتماعي والثقافي، وكذلك مدى التفاهم لكل طرف مع الشريك الآخر، فضلاً عن التعامل النفسي مع المراهق، وتقديم الدعم المعنوي من عدمه، وأثر ذلك على سلوكه بشكل عام.
ووجد الباحثون أنه تبعاً لمعدل الحوادث، وبالمقارنة بالأبناء الذين يعيشون في منزل واحد مع الأب والأم معاً، كان السلوك المنحرف أكثر شيوعاً بين الذين يعيشون مع الأب بمفرده. وكان معدل الحوادث 1898 بينما كان 1661 مع الذين يعيشون مع الأم بمفردها (single mother). وبالنسبة للذين يعيشون مع الأب وزوجته كان 1.606، وبالنسبة للأم وزوجها كانت النسبة 2.044.

- خطورة الانحراف
أوضحت الدراسة أن النتائج لا تعني بالضرورة أن كل الأبناء الذين يعيشون مع أحد الآباء فقط معرضون للانحراف أو كسر القانون، ولكن معدلات الخطورة تزيد بمعدل الضعف في حالة الأسر غير المستقرة نتيجة لعدم وجود أحد الآباء. كما وجدت الدراسة أن عوامل الخطورة تزيد كلما كانت علاقة الشريك مع أحد الآباء (زوجة الأب أو زوج الأم) حديثة العهد على المراهق.
ولكن عوامل الخطورة يمكن أن تقل حينما يكون هناك تعاون واحترام بين الأبوين، مع وجود آلية لمراقبة سلوك المراهق حتى في حالة عدم إقامتهم في المنزل نفسه أو الإقامة مع شريك آخر.
كانت دراسة أميركية سابقة أشارت إلى أن تزايد معدلات الجرائم وانتشار العنف في المجتمعات في الخمسين عاماً الأخيرة كانا نتيجة للتفكك الأسري.
ولذلك تتميز الأحياء التي ترتفع فيها معدلات الجريمة بتجمعات كبيرة من العائلات التي هجرها الآباء، وعلى وجه التقريب فإن كل زيادة بنسبة 10 في المائة للأطفال الذين يعيشون في منازل مع أحد الوالدين فقط تؤدي إلى زيادة بنسبة 17 في المائة في جرائم الأحداث، وتظهر آثار بداية اعتياد اللجوء إلى العنف في هؤلاء الأطفال في عمر مبكر جداً حوالي الخامسة أو السادسة من العمر مع بداية الصف الدراسي، ويتميزون بالعدوانية مع الأقران، وعدم القدرة على تكوين صداقات، حيث إن هؤلاء الأطفال لا يشعرون بالانتماء لمجتمعهم.
في المقابل، تبين أن الأحياء التي تقطنها مجموعات تتميز بالتدين وتمارس طقوساً روحية يندر فيها انتشار الجرائم، حتى في المناطق أو الولايات التي تتميز بارتفاع معدلات الجريمة. وأوضحت الدراسة أن السبب في ذلك يرجع إلى التمسك بالحياة الأسرية في هذه المجتمعات، كما تبين أن نسبة كبيرة من المجرمين بالفعل يبتعدون عن الجريمة بعد الزواج، وكلما كان الزواج مستقراً كلما ابتعد المجرم عن كسر القانون أو اللجوء إلى العنف.
ويعد وجود أسرة داعمة عاملاً مهماً من عوامل النمو (development) على المستوى النفسي في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة والمراهقة، ومع غياب أحد الوالدين وعدم قدرة الآخر على توفير الأمان النفسي يحدث خلل في نمو المشاعر النفسية الإيجابية مثل التعاطف مع الآخرين، وعدم إيذائهم، وأيضاً يفتقد الأبناء إحساس الانتماء بالمكان، خصوصاً إذا كان أحد الآباء يقيم بمنزل الشريك.
وحذرت الدراسة من أن الأسر المفككة تهيئ الأطفال للأنشطة الإجرامية، لأنها إما غير قادرة أو غير راغبة في التعامل بحب مع الأطفال، بجانب عدم وجود الوقت الكافي للإشراف عليهم، وتهذيب سلوكهم، سواء للانشغال خارج المنزل معظم الوقت في حالة أحد الوالدين بمفرده (single parent)، أو الاهتمام بالشريك الآخر على حساب الطفل. وأيضاً في الأغلب يتم معاملة هؤلاء الأطفال بشكل سلبي من الآخرين، ويتعرضون للرفض من الأقران أو ممارسة التنمر ضدهم لظروفهم الاجتماعية مما يؤدي إلى عزلتهم، وممارستهم للعنف كنوع من الحماية من الآخرين مما يجعل منهم أشخاصاً يمكن أن يرتكبوا جريمة لاحقاً.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية قد يساعد مرضى الشلل على المشي (رويترز)

أقطاب كهربائية بالدماغ تمكّن مصابين بالشلل من المشي مسافات قصيرة

خلصت دراسة وشهادة، نُشرتا أمس (الاثنين)، إلى أن التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية يمكن أن يساعد بعض المصابين بالشلل على المشي.

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك يرصد البحث أن ارتفاع مستويات الدهون الحشوية يرتبط بانكماش مركز الذاكرة في الدماغ (رويترز)

دهون البطن مرتبطة بألزهايمر قبل 20 عاماً من ظهور أعراضه

أفاد بحث جديد بأن نمو حجم البطن يؤدي إلى انكماش مركز الذاكرة في الدماغ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الخضراوات الورقية تعدّ من الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (رويترز)

مفتاح النوم ومحارب القلق... إليكم أفضل 10 أطعمة لتعزيز مستويات المغنيسيوم

إنه مفتاح النوم الأفضل والعظام الأكثر صحة والتغلب على القلق، ولكن انخفاض مستويات المغنيسيوم أمر شائع. إليك كيفية تعزيز تناولك للمغنيسيوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ استدعت شركة «صن فيد بروديوس» الخيار المعبأ في حاويات من الورق المقوى بكميات كبيرة (إدارة الغذاء والدواء الأميركية)

سحب شحنات من الخيار بعد تفشي السالمونيلا في ولايات أميركية

تحقق السلطات الأميركية في تفشي عدوى السالمونيلا التيفيموريوم المرتبطة بتناول الخيار في ولايات عدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل
TT

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

كشفت أحدث دراسة هولندية تناولت التغذية الصحية للحوامل عن الآثار الإيجابية الكبيرة لنوعية الغذاء أثناء الحمل على صحة الأم والأطفال، ليس فقط على المدى القصير (أي فترة الحمل) لضمان ولادة رضيع سليم مكتمل النمو من دون مشاكل طبية، ولكن لدورها المهم لاحقاً في نمو المخ وزيادة معدلات ذكاء الأطفال، حينما تتراوح سنهم بين 10 و14 عاماً.

ونُشرت هذه الدراسة في «المجلة الأميركية للتغذية السريرية» (The American Journal of Clinical Nutrition) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

التغذية في أول 1000 يوم

من المعروف أن مخ الجنين ينمو بسرعة كبيرة أثناء شهور الحمل والمراحل المبكرة من الطفولة، ما يتطلب ضرورة التغذية الصحية الكافية لإمداده بالطاقة الكبيرة التي يحتاجها. ولذلك تُعد التغذية السليمة خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل أمراً بالغ الأهمية للتطور الإدراكي، وفي المقابل يمكن أن يؤدي سوء التغذية أثناء الحمل إلى الإضرار بالنمو العصبي والتطور المعرفي وحدوث تغييرات دائمة في خلايا المخ.

بيانات غذائية للحوامل والأمهات

أجرى الباحثون الهولنديون دراسة كبيرة على مجموعة من النساء الحوامل اللاتي ولدن في الفترة بين أبريل (نيسان) 2002 ويناير (كانون الثاني) 2006، وشملت الدراسة البيانات الغذائية الكاملة لما يزيد على 6 آلاف سيدة. وأيضاً وزَّعوا استبياناً على الأمهات يتعلق بنوعية النظام الغذائي لكل منهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لمعرفة القيمة الغذائية لجميع الأطعمة التي يتناولنها.

وقام العلماء بتثبيت كل العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة، مثل: سن الأم، وعرقها، ودخلها المادي، ومستوى التعليم، وحالتها النفسية، وأيضاً مدة الرضاعة الطبيعية.

وشمل الاستبيان جميع العناصر الغذائية تقريباً، وقام العلماء بإعطاء درجات لتقييم جودة النظام الغذائي، بداية من الصفر وحتى 15 درجة، تبعاً للمقاييس الغذائية في هولندا؛ حيث تشير الدرجات الأعلى إلى أنظمة غذائية تحتوي على طعام صحي، بينما تشير الدرجات الأقل إلى تدني القيمة الغذائية للطعام.

عناصر مفيدة لمخ الأطفال

ولاحظ الباحثون أن الدرجات الأعلى ارتبطت بتناول العناصر المفيدة، مثل الألياف والخضراوات والفاكهة، وفي المقابل ارتبطت الدرجات الأقل بالمكونات الضارة، مثل الدهون المشبعة والسكريات المخلقة.

كذلك قام العلماء بعمل أشعات رنين مغناطيسي على المخ (MRI) للمواليد؛ حيث تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: الأولى أُجري الرنين لهم حينما كانوا في سن العاشرة، وعددهم 2223، والمجموعة الثانية كانوا في سن الرابعة عشرة وعددهم 1582، والمجموعة الأخيرة تم عمل أشعة الرنين لهم في سن 10 و14 عاماً معاً، وبلغ عددهم 872 طفلاً. وتضمنت الأشعة قياس حجم المخ لكل طفل، ومقارنته بالنسب العالمية، بما في ذلك المادة البيضاء والمادة الرمادية white matter and gray matter (الأنسجة المكونة لخلايا المخ). كما خضع الأطفال لأربعة اختبارات لقياس معدل الذكاء بناءً على سرعة التفكير والذاكرة والمنطق والفهم.

جودة غذاء الأم ومعدل الذكاء

وجد الباحثون أن جودة النظام الغذائي للأم أثناء الحمل انعكست بالإيجاب على مخ الأطفال، بداية من المراحل الأولى للحمل؛ حيث كان حجم مخ الجنين أكبر وأكثر تعقيداً. وبعد الولادة في سن الثامنة كان معدل الذكاء نحو 102 (أعلى من المتوسط) وذلك في وجود نظام غذائي متوسط. وكان حجم المخ أكبر من المقاييس العالمية، ونفس الأمر تكرر في سن العاشرة والرابعة عشرة، وتطورت القدرات الإدراكية والمعرفية.

وتُعد هذه الدراسة هي الأولى التي تظهر ارتباطاً طويل الأمد بين نوعية النظام الغذائي قبل الولادة، وشكل morphology المخ حتى بداية مرحلة المراهقة، وتوضح الأهمية الكبيرة للغذاء الصحي للأم أثناء فترة الحمل على المخ والجهاز العصبي من الناحية العضوية والوظيفية.