د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

لبنان وعبث ميليشيا «حزب الله»

ميليشيا «حزب الله» تُشعِل حرباً بالصواريخ مع إسرائيل بالوكالة، نيابة عن إيران، عشية نقاش مجلس الأمن اعتداءات إيران على أمن السفن التجارية في الخليج العربي، والاعتداء على السفينة الإسرائيلية.
فالتصعيد الذي تقوم به ميليشيا «حزب الله» هدفه الأساسي تخفيف الضغط الدولي على النظام الإيراني المأزوم، الذي يواجه أزمات داخلية وخارجية، بينما ميليشيا «حزب الله» تُسهِم بشكل فعال في انهيار لبنان لإنقاذ إيران، ولو بإشعال حروب فرعية للابتزاز السياسي لاحقاً لصالح النظام الإيراني، من خلال اللعب بالمعادلة الاستراتيجية مع الجيش الإسرائيلي، رغم معرفة «حزب الله» بضعف قوته، حتى وإن خاض حرب عصابات طبعاً؛ فلا حرب مواجهة يستطيع «حزب الله» خوضها.
استغل «حزب الله» السلطة اللبنانية المعطّلة بصراع وتشظٍّ سياسي؛ فلبنان الجريح منشغل بلملمة جراحه في مرفأ بيروت، وجائحة «كورونا»، وأزمة الغلاء، ومتلازمة الفقر والجوع والمرض، وشح الموارد، ومواجهة أزمة هوية وانتماء مع حزب مسلح يدفعه نحو التمكين لإيران في لبنان، وتيار يتبنى أفكاراً بعيدة عن منبت عروبته وامتداده الجغرافي الإقليمي، وتيار آخر يربطه بماضي مستعمِر.
فالأزمة في لبنان يصنعها ويغذيها ويتبناها «حزب الله»، ويحاول فرضها، بالتبعية لإيران، فـ«حزب الله» ما هو إلا ميليشيا حزب متمرد على الدولة وفوق سلطة الحكومة والقانون، فهو ظاهرة ليست لبنانية خالصة، وشأن لبناني بحت؛ فعقيدة الحزب وتوجهه وسلوكه خارج حدود لبنان جعلت منه ظاهرة إقليمية، بل وشبه عالمية، تسبَّبت في العديد من الأزمات والمشكلات حول العالم، بسبب تحوله إلى ذراع إيرانية في المنطقة، وتجاوزه دور الحزب السياسي المدني، وممارسة التداول السلمي، وتحوّله إلى ميليشيا مسلحة داخل الدولة وخارج سيطرتها، وهذا هو واقع «حزب الله».
لعل المتابع للشأن اللبناني لاحظ تسلّط ميليشيا «حزب الله»، التي تستقوي بالخارج على الدولة، وعملها كدولة داخل الدولة، للحفاظ على لبنان مضطرباً، وعلى حافة حرب أهلية بين الحين والآخر، وهي غاية استغلّت مشكلات لبنان المتعددة؛ من أزمة رغيف الخبز وغلاء الأسعار، إلى «الديمقراطية» المبنية على محاصصة طائفية.
لبنان يسوده تشظٍّ سياسي وحزبي وطائفي، ولكنّ طرفاً سياسياً واحداً يملك السلاح، هو «حزب الله»، ما خلق حالة من الاختلال في توازن القوى الفاعلة، في ظل اصطفاف الجنرال عون، الرئيس اللبناني الحالي، مع «حزب الله»، يُعتبر مخالفة صريحة لـ«اتفاق الطائف»، بعد حرب أهلية ثانية لم يطفئ لهيبها سوى «اتفاق الطائف».
على الجنرال ميشال عون التحرُّر من عباءة «حزب الله»، الذي يسعى لحكم لبنان بروح إيرانية؛ فلبنان اليوم في ظل بروز جيل جديد لم يكن شريكاً في صناعة المحاصصة الطائفية، ولا كان مولوداً زمن الاقتتال الطائفي، سيكون من السهل عليه نبذ الطائفية، خاصة وهو لا يريد العيش في جلبابها.
ميليشيا «حزب الله» التي استخدمت القتل في التوظيف السياسي، وستبقى مسؤوليتها قائمة عن أي تدهور للأوضاع، وإشعال حرب مع إسرائيل في الجبهة الجنوبية، بعد أن اصبحت هذه الميليشيا بندقية مستأجَرة للحروب بالوكالة من لبنان إلى اليمن وسوريا والعراق، وبعد أن خرقت اتفاق «بعبدا» للحياد المعترف به دولياً.
نبذ الطائفية والعيش المشترك في لبنان مطلب الغالبية من اللبنانيين، باستثناء ميليشيا «حزب الله»، الذي لا يزال يراهن على الاستقواء بالخارج، واستخدام لبنان ساحة لحروب إيران مع إسرائيل.