يعتبر سجل هيلاري كلينتون أكثر اعتدالا من الناخبين الرئيسيين للحزب الديمقراطي حاليا؛ لذلك كان من المرجح دوما تحركها نحو اليسار مع اقتراب موسم الانتخابات التمهيدية. وبات من الواضح الآن كيف ستتعامل مع الأمر؛ فقد تتحول عما يمكننا تسميته تقدمية رأس المال البشري حيال إعادة التوزيع التقدمية.
خلال سنوات عدة، ظلت جهود الحزب الديمقراطي في الحد من عدم المساواة ورفع أجور الطبقة المتوسطة تستند إلى نظرية مفادها أن مفتاح ذلك يكمن في تحسين مهارات العمال، وتوسيع نطاق التعليم المبكر، وتخفيض تكاليف التعليم الجامعي، والاستثمار في تدريب العمالة، وقبل كل شيء، زيادة إنتاجية العمال حتى يتمكنوا من المنافسة.
والمشكلة الحقيقية تكمن في السلطة السياسية المركزة؛ فالنخبة الحاكمة سيطرت فعليا على اللعبة تماما، فلم يتمكن العمال من الحصول إلا على أقل القليل. ويدفع البعض بأن المشكلة تكمن في الركود، ليس الأمر أن العمال لا يمتلكون المهارات، بل إن الاقتصاد الخاص لا يأتي بوظائف جديدة، أو أن الأمر برمته يدور حول سلطان الشركات، ومن دون الاتحادات العمالية القوية سوف يجني المساهمون كل الأرباح.
يقول أصحاب ذلك المعسكر إن أجور خريجي الجامعات وفقا للتضخم ظلت ضعيفة خلال السنوات الـ14 الماضية. ولم يتمكن التعليم بكل وضوح من المساعدة في زيادة الأجور.
عبر الأشهر القليلة الماضية، تحول تيار من المفكرين والسياسيين الديمقراطيين، ومن بينهم حلفاء طبيعيون للسيدة كلينتون، من التركيز على رأس المال البشري إلى التركيز على إعادة التوزيع. بالنسبة للسيدة كلينتون، فالمسألة واضحة، حيث تسمح لها أجندة إعادة التوزيع باستهداف وول ستريت وكبار المديرين التنفيذيين.. كل الأهداف التي أصبحت ممقوتة بصورة تصاعدية. لكن، فإن تلك النظرية المتنامية تعتبر خاطئة من حيث الجوهر وذات أضرار بالغة من حيث النتائج. صحيح أن أجور خريجي الجامعات ظلت ضعيفة خلال هذا القرن، وذلك من الأمور المثيرة للقلق، ولكن ذلك ليس صحيحا بالنسبة لمن يحملون درجات جامعية في الدراسات العليا، والذين يتلقون أجورا جيدة. علاوة على ذلك، وكما أشار السيد لورانس كاتز من جامعة هارفارد، فإن الدفع بأنه لا طائل من وراء التعليم الجامعي ما هو إلا نتيجة لرؤية ضيقة الأفق. منذ عام 2000، انخفضت الدخول الحقيقية لنسبة الواحد في المائة من المجتمع بصورة طفيفة. فإذا ما قصرت رؤيتك على تلك السنوات فحسب، فسوف تخرج بنتيجة مفادها أنه ما من مشكلة في المساواة داخل المجتمع، وهي نتيجة ليست صحيحة بمنتهى الوضوح.
على المستوى الفردي، من أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها لتحسين أجرك هو الحصول على المزيد من المهارات. إن العوائد الاقتصادية للتعليم حاليا في أعلى مستوياتها التاريخية، حيث يكتسب المواطن الأميركي ذو الشهادة الجامعية لمدة 4 سنوات أجرا في الساعة يزيد بنسبة 98 في المائة على المواطن من دون الشهادة ذاتها. والعامل الحاصل على شهادة التعليم المتوسط يجني نصف مليون دولار أكثر من العامل بشهادة التعليم الثانوي عبر حياته المهنية بعد حساب المصروفات الدراسية الجامعية.
يقول ديفيد أوتور من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «إن الرسالة ذات المعنى الهادم تكمن في أنه إذا فشلت في الوصول إلى نسبة الواحد في المائة الراقية من المجتمع فأنت خارج اللعبة تماما، وهذا غير صحيح بالمرة». إن التركيز على رأس المال البشري ليس من قبيل الصفير في المقابر، كما يقولون، حيث إن إنتاجية العمال هي المضمار الأساسي، فلن يكون لأي من تدابير إعادة التوزيع الأثر طويل الأجل المرجو مثل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ووجود الكليات المجتمعية الجيدة، أو زيادة حصة الرجال القادرين على الانضمام إلى القوى العاملة.
يبدو أن منظري إعادة التوزيع يعتقدون أن الرأسمالية الحديثة قد انهارت بشكل كبير، وأصيب النمو بركود مستمر، وأن الإنتاجية يجب لها أن لا تكون محل التركيز نظرا لأنها لا تؤدي إلى الرخاء المشترك.
لكن وجهة نظرهم يشوبها الانحياز وفقا لأدلة مؤقتة ناجمة عن الركود. والآن، هناك جهود لإيجاد لوظائف جديدة، وتبدو على الأجور أمارات الحياة. والذين يملكون بعض المهارات يكتسبون المزيد من المال. كما تواجه اقتصاد اليوم بعض التحديات، غير أن القواعد التقليدية لا يزال معمولا بها. وزيادة إنتاجية العمال هي الأصل. وزيادة حوافز المخاطرة والاستثمار هي الجوهر. أما تحويل الناس إلى الوظائف الحكومية ذات الإنتاجية المنخفضة فلن يرجع بنتائج تذكر.
من الواضح السبب وراء سعي السيدة كلينتون للحديث حول إعادة توزيع الأجور. ولأسباب سياسية حقيقية، فإن التماس ذلك السبيل سيعود بنتائج مدمرة. وفي الانتخابات العامة، يستجيب الناخبون إلى الترقي والتوحد، وليس إلى القتالية والتشرذم.
* خدمة {نيويورك تايمز}