فاي فلام
TT

لا داعي للقلق من مخاطر «كوفيد»

أعلنت وزارة الزراعة الأميركية الآن أنه «لا يوجد دليل موثوق به» على أن الناس يمكن أن يصابوا بفيروس «كوفيد - 19» جراء لمس العبوات في متجر البقالة. للوهلة الأولى، يبدو ذلك وكأنه اكتشاف، لكن الواقع يقول إنه ما من دليل على ذلك ظهر في ربيع عام 2020 أيضاً.
فطوال فترة الوباء، كان هناك ميل للتكهنات بشأن مخاطر محتملة واحتمالات غير يقينية تتعلق بانتشار الفيروس.
فلطالما كان خطر الإصابة بـ«كوفيد - 19» من محلات البقالة أو رسائل البريد أو أرجوحات الأطفال في المتنزهات مجرد تخمين. نعم، كانت هناك تجربة معملية لافتة للنظر في الربيع الماضي أظهرت وجود أجزاء من «الحمض النووي الريبي الفيروسي» - ولكن ليس بالضرورة الفيروس الحي - يمكن أن تستمر لبضعة أيام على بعض الأسطح. ومع ذلك، جرى نصح الجمهور بتنظيف وتعقيم كل شيء، رغم عدم وجود دليل على أن البقالة لا تشكل سوى خطر ضئيل مقارنة بظروف المعيشة أو العمل المزدحمة.
إن التواصل العلمي والعلمي محفوف باحتمالات الخطأ، وما يجعلهما يؤتيان ثمارهما هو الصدق والشفافية. فليس من الصعب شرح الفرق بين الخطر المحتمل الذي لم يتم اختباره والشيء الذي تتوفر فيه أدلة كثيرة على أن الخطر ضئيل، وهو ما يمكن للناس فهمه بسهولة، فهو ليس علم الصواريخ.
لكن في العام الماضي، كان هناك الكثير من التلاعب والكثير من الوعظ، ولم يكن هناك ما يكفي من التفسير الواضح، إذ لا يزال الناس يخشون خطأ من أن مرور الآخرين في الشارع يمثل خطراً كبيراً، لأن العلماء ووسائل الإعلام يضعون جميع المخاطر في سلة واحدة كبيرة مع احتمالات لا حصر لها.
تعمل رسائل اللقاح الآن على زيادة مخاطر ما بعد التطعيم، حيث تقول السلطات الصحية إن الأشخاص الذين تم تلقيحهم سيتعين عليهم الاستمرار في اتخاذ الاحتياطات نفسها بالضبط. كما ذكر الكاتب بصحيفة «تايمز» ديفيد ليونهارت، أن العديد من الأشخاص أخذوا هذه التوصية بجدية شديدة، لدرجة أنهم باتوا يتشككون في الهدف من الحصول على اللقاحات، بل رفضوها من الأساس.
وفي هذا السياق، قال باباك جافيد، طبيب الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن إقامة حفل عشاء مع عدد قليل من الأصدقاء الملقحين سيكون أمراً مقبولاً. هل يمكن لشخص أن ينقل المرض - ربما؟ مضيفاً: «أعتقد أن مخاطر ذلك منخفضة للغاية»، مشيراً إلى أنه سيذهب إذا تلقى دعوة للحضور.
صحيح أنه حتى فاعلية اللقاح بنسبة 95 في المائة تعني أن قلة من الناس قد يستمرون في الإصابة بالمرض بعد التطعيم، وقد يصاب البعض دون أعراض وينقلونها لشخص آخر - لكن اللقاح أثبت فاعليته بنسبة 100 في المائة تقريباً في الوقاية من الحالات الشديدة والحالات المميتة. وكلما جرى تطعيم المزيد من الناس، كلما انخفضت نسبة الإصابة بالمرض، وكلما تلاشت المخاطر.
لماذا لا نضع كل ذلك على الطاولة، ونقترح فترة قصيرة من الاحتياطات الصارمة بعد اللقاح، ليجري تخفيفها عندما يتم تطعيم جميع الأشخاص الأضعف؟ فمع وفاة نصف مليون شخص، يجب ألا نركز على المخاطر غير المحتملة للغاية عندما تلوح في الأفق مخاطر أكبر.
كان جاويد من أوائل المؤيدين لاستخدام القناع، وقد قاتل من أجل عودته عندما كان لا يحظى بشعبية بين مسؤولي الصحة العامة الآخرين، وأصر حتى على ارتداء العدائين وراكبي الدراجات والمشاة للقناع. في هذا الإطار يقول، «في سياق الوباء حيث توجد مئات الملايين من الحالات في جميع أنحاء العالم، فإن الأحداث النادرة يمكن أن تحدث». لذلك لن أقول إنه من المستحيل قيام شخص ما بتجاوزك أثناء سيره وإصابتك بعدوى «كوفيد»، وإن كان الاحتمال ضئيلاً. يقول جاويد إن أكبر تأثير إيجابي لارتداء الأقنعة في الأماكن المكشوفة هو أنه قد يشجع الناس على ارتداء الأقنعة في الأماكن المغلقة. فإذا كان هذا هو السبب، أعتقد أن المسؤولين يجب أن يكونوا صريحين بشأن ذلك حتى لا يعتقد الناس في الواقع أن جيرانهم يمكن أن يصيبوهم بالعدوى من الجانب الآخر من الشارع.
ومما يزيد الارتباك هو الطريقة التي أصبحت بها الحالات التراكمية مشوشة بمعدلات الإصابة الحالية. فالناس الذين أعرفهم شعروا بالفزع من صحيفة «نيويورك تايمز» التي ذكرت أن 1 من كل 8 أشخاص في ولايتي رود آيلاند أصيبوا بالعدوى. وعليك أن تقرأ بعناية لترى الأرقام تشير إلى الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالوباء منذ بدايته - والغالبية العظمى منهم لم تعد معدية اليوم.
قد يفسر ذلك جزئياً سبب سماعي المستمر لأشخاص مثقفين يحاولون إخباري بأنه بمجرد إصابة الأشخاص بالمرض، سيكونون دائماً حاملين للمرض. هذا صحيح بالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية الذي لم يتم علاجه، ولكن يمكن التخلص من «سارس كوف 2»، مثل الإنفلونزا التي لا تعود للأشخاص بعد شفائهم. يرتبط خطر الإصابة بـ«كوفيد - 19» في منطقة معينة بنسبة الأشخاص المصابين بالعدوى - وهي حالة تستمر بضعة أيام فقط. لكن هذه الأرقام المفيدة تشوشها الأرقام الأكثر دراماتيكية.
قد يشعر العلماء والصحافيون بتضخيم المخاطر الصغيرة بسبب الحذر. ولكن إذا كان تخويف الناس بشأن الأشياء الصغيرة سيصرف الانتباه عن المخاطر التي أدت إلى معظم الوفيات، البالغ عددها نصف مليون، فربما يجدر بنا تصحيح ذلك وإصدار التحذير الأوقع لتقليل الخطأ قدر الإمكان.