مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

أستراليا تروض «فيسبوك»

ماذا لو أصبحت أو أمسيت ذات مرة ومواقع التواصل الاجتماعي كلها خالية من أي مادة مجلوبة من الصحف والتلفزيونات ووكالات الأنباء؟ هذا تقريباً ما حصل، بشكل جزئي في أستراليا، مؤخراً، بعد صراع شرس مع عملاق التواصل الاجتماعي العالمي «فيسبوك». أقفرت المنصة الزرقاء، في أستراليا، من روابط الأخبار والمقالات والتحقيقات والحوارات الصحافية، فضلاً عن روابط الصور والأفلام والفيديوهات، الخاصة بمنصات الإعلام «التقليدي»، وأفضل شخصياً وصفه بـ«الإعلام الكلاسيكي»... الأمر الذي عرى هشاشة «فيسبوك» وأشباهها، وأن أساس هذه التطبيقات، مثل «تويتر»، هو المحتوى المصنوع في مصانع الإعلام الكلاسيكي، والباقي من طحين الكلام هو هوامش على هذا المتن الصلب والحقيقي.
خضعت شركة «فيسبوك» بعد صمود أستراليا، وقررت الدفع المالي للمؤسسات الصحافية التي تأخذ «فيسبوك» موادها «مجاناً» وتعزز بهذا المحتوى من قيمتها وتكسب ملايين المشتركين «على قفا» مؤسسات الإعلام الكلاسيكي.
أظن أن المثال الأسترالي يجب الاقتداء به، في عالمنا العربي، خاصة الأسواق الكبيرة عدداً وقوة شرائية، خاصة مصر والسعودية، وبهذا يتم جني عدة فوائد مالية وقانونية وسياسية، للمؤسسات الصحافية المصرية والسعودية، وللأمن الوطني بشكل عام، وفي هذا المقام تفاصيل غزيرة ليس هذا موضع بسطها.
تأمل في هذه المعطيات من الحكاية الأسترالية، وبعد حظر أبرمت شركة «فيسبوك»، المالكة أيضاً لتطبيقي «واتساب» و«إنستغرام»، اتفاقاً مع الحكومة الأسترالية، يشتمل على تسديد مبالغ مالية لوسائل الإعلام مقابل محتوياتها التي تُنشر على منصاتها.
وأقر البرلمان الأسترالي القانون، صباح أمس (الخميس)، وأعلنت الحكومة أنها ستضمن أن تتقاضى وسائل الإعلام «مبالغ عادلة مقابل المحتوى الذي تُنتجه، ما يُسهم في إحياء الصحافة للمصلحة العامة في أستراليا».
ويوازي القانون الجديد، الوعد الذي قطعته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شركة «غوغل» بدفع مليار دولار على مدى 3 سنوات لناشرين صحافيين، على غرار مجلتي «دير شبيغل» و«دي تسايت» في ألمانيا، بهدف استخدام محتواهما لأداة جديدة أُطلقت عليها تسمية «غوغل نيوز شوكايس» في إطار شراكات.
الحاصل أمامنا هو «بداية» كبيرة على درب طويل، لتصحيح التشوه والخراب الذي تسببت فيه هذه المنصات الرقمية العملاقة التي تكسب الكثير الكثير من دون جهد حقيقي، وتسببت في أضرار بالغة على المهنة الصحافية «الحقيقية».
هل يبادر صناع القرار الإعلامي والسياسي في دولنا العربية لدراسة التجربة الأسترالية، بسرعة وجدية، وعمق؟!