أكَّد مجلس التعاون الخليجي في قمته الأخيرة ضرورة أن تشتمل أي عملية تفاوضية مع إيران على معالجة سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة، وبرنامجها الصاروخي، وبرنامجها النووي «في سلة واحدة». وأكد كذلك ضرورة مشاركة دول مجلس التعاون في المحادثات، وقلق مجلس التعاون لا يقتصر على عيوب نص الاتفاقية الحالية التي تم التوصل إليها في عام 2015، بل يتعدى ذلك إلى محدودية نطاقها، واستبعادها دول الجوار مع أنها الأكثر تضرراً من برنامج إيران النووي وسلوكها في المنطقة.
وقد أثبتت إجراءات إيران الأخيرة المتعلقة ببرنامجها النووي الحاجة إلى مراجعة نصوص اتفاقية 2015 لإغلاق الفجوات التي يمكن أن تستغلها إيران للوصول إلى قدرات نووية عسكرية، ولكن كبح برنامجها الصاروخي لا يقل أهمية، أخذاً بالاعتبار تطويرها لصواريخ كروز، والطائرات المسيرة، والصواريخ المسيرة لمهاجمة السفن، وغيرها. ويظل أكثر الأخطار إلحاحاً تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار، مثل دعمها للميلشيات الطائفية والإرهاب في المنطقة وخارجها.
هذه القضايا جميعها، بالإضافة إلى الأخطار البيئية للبرنامج النووي، تتطلب معالجة في أي مفاوضات مستقبلية مع إيران. ولهذا ظهر توافق دولي وإقليمي على ضرورة توسعة نطاق تلك المفاوضات. وبالمثل ثمة توافق في طور التكوين على الحاجة إلى مشاركة دول المنطقة، خاصةً دول مجلس التعاون، في تلك المفاوضات، وإن لم يكن هناك اتفاق بشأن كيفية تلك المشاركة.
وقد عبر معظم الأعضاء القدامى في اتفاقية 2015 عن دعمهم لتوسعة نطاق المحادثات. إذ قال الرئيس الأميركي بايدن إنه إذا أثبتت إيران التزامها بالاتفاقية، فإن واشنطن مستعدة للعودة إليها، وإنها حينئذ ستعمل على بناء اتفاق أوسع يعالج برنامج إيران الصاروخي ودعمها لوكلائها في العراق وسوريا واليمن وغيرها. وأدلى وزير خارجيته أنتوني بلينكن بتصريحات مشابهة.
وقال الرئيس الفرنسي ماكرون إنه يدعم مشاركة المملكة العربية السعودية في أي مفاوضات جديدة مع إيران حول ملفها النووي، وحذر من تكرار الخطأ الذي وقع في اتفاق 2015 حين تم استبعاد دول المنطقة من المحادثات.
وبالمثل تعتقد ألمانيا أن اتفاقية 2015 لم تعد كافية، وتحتاج إلى تغيير شامل، ودعت إلى اتفاق أوسع نطاقاً. ففي 4 ديسمبر (كانون الأول) 2020، صرح وزير الخارجية هايكو ماس لمجلة دير شبيغل بأن «هناك حاجة إلى (اتفاق نووي+)» وأضاف: «لا لبرنامج إيران النووي، ولكن أيضاً لا لبرنامجها الصاروخي الذي يهدد المنطقة بأسرها، ويجب أن يكون لإيران دور مختلف في المنطقة». وأضاف: «نحن نحتاج إلى هذا الاتفاق لأننا لا نثق بإيران».
ومنذ انتخاب بايدن، بدأت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بالتنسيق مع الولايات المتحدة حول آليات استئناف المحادثات. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة دعمه لهذه التحركات، قائلاً الأسبوع الماضي: «إن الأمور تسير نحو خلق وضع نستطيع فيه الوصول إلى اتفاقية، هي أساسية لاستقرار الخليج والعالم... أعتقد أن أطراف الاتفاق النووي الأول والأطراف الأخرى يجب أن يعملوا معاً...».
وكما هو متوقع أعلنت إيران معارضتها لتوسعة نطاق الاتفاقية أو مشاركة أطراف أخرى جدد. وهذه المعارضة تتناقض مع تصريحاتها السابقة حول الحاجة إلى الحوار مع جيرانها، حين أعلن الرئيس روحاني مراراً، وأرسل خطابات بهذا الشأن إلى مجلس التعاون، يقترح فيها حواراً يفتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية - الإيرانية.
ولم يتضح حتى الآن موقف روسيا والصين. فحين اجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإيراني في موسكو في 26 يناير (كانون الثاني)، قال لافروف في المؤتمر الصحافي إنهما «ناقشا على وجه الخصوص التعاون في إنشاء وحدات جديدة في معامل بوشهر النووي» بالإضافة إلى التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة والزراعة والنقل والصناعة، ولكنه لم يشر إلى توسعة نطاق المحادثات القادمة، أو مشاركة لاعبين جدد فيها. لكن تعليقاً لأحد دبلوماسيي موسكو لدى الأمم المتحدة أثار التساؤل، حين استبعد توسعة نطاق المحادثات لتشمل مواضيع غير الملف النووي، ولكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك يمثل موقفاً رسمياً أو نهائياً، خاصةً أن روسيا قد طرحت منذ فترة طويلة فكرة محادثات متعددة الأطراف في الخليج، تشارك فيها دول المنطقة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لمناقشة الأمن الإقليمي. وأعادت روسيا طرح الفكرة مجدداً في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، في جلسة لمجلس الأمن دعت إليها خلال فترة رئاستها للمجلس.
وبسبب حرص روسيا ودعواتها المتكررة إلى عقد حوار موسع ومتعدد الأطراف حول أمن الخليج، فمن المفترض أن تشجع على مشاركة الدول الإقليمية في محادثات الملف النووي وتوسعة نطاق تلك المحادثات.
وبالمثل، أيدت الصين في جلسة مجلس الأمن تلك فكرة عقد حوار إقليمي لدول الخليج مع أعضاء مجلس الأمن الدائمين.
لقد عارضت دول المنطقة الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015، والذي فشل كاتفاق لمنع الانتشار النووي، إذ تمكنت إيران، رغم توقيعها عليه، من تطوير برنامجها النووي وأصبحت اليوم أقرب إلى أنتاج سلاح نووي مما كانت عليه قبل الاتفاق.
وبالمثل فشل الاتفاق في تغيير سلوك إيران، ففي عام 2015 كانت أطراف الاتفاق تعول على أنه سيخلق أجواء إيجابية تسهم في حل المعضلات الأخرى المتعلقة بأمن الخليج، كبرنامج إيران الصاروخي ودعمها للإرهاب والميلشيات الطائفية. ولكنه في الواقع أدى إلى تفاقم الأوضاع، إذ سرعت طهران وتيرة تطوير برنامجها الصاروخي، وضاعفت من أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
ولذلك يتعيَّن على أطراف الاتفاق النووي القديم تلافي عيوبه التي أصبحت جلية الآن، ويتعيَّن كذلك اتخاذ تدابير للحد من أثاره السلبية على أمن الخليج، والتي لم تكن مقصودة في الأغلب.
أما مشاركة دول مجلس التعاون في المحادثات فلا ينبغي أن تكون محل نقاش، فهي أولى بالمشاركة من غيرها، باعتبارها أكثر الدول تضرراً من برامج إيران النووية والصاروخية وتدخلاتها في المنطقة، ومشاركة دول المجلس في المحادثات ستساعد في تلافي عيوب الاتفاق السابق، وقبول الاتفاق الجديد.
TT
مشاركة مجلس التعاون في محادثات النووي الإيراني
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة