خالد البري
إعلامي وكاتب مصري. تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة، وعمل منتجاً إعلامياً ومراسلاً سياسياً وحربياً في «بي بي سي - عربي»، وغطى لحسابها «حرب تموز» في لبنان وإسرائيل، وعمل مديراً لمكتبها في العراق. وصلت روايته «رقصة شرقية» إلى القائمة النهائية لـ«بوكر العربية».
TT

غال غادوت... هانتر بايدن... والإرهاب في فرنسا

خلال فترة حكم أوباما لم يكن «الإرهاب الإسلامي» يسمى «إرهاباً إسلامياً». هذا لم يحمِ الإسلام، بل حمى الإرهابيين. لم يحمِ المسلمين العاديين، بل وضعهم في صف واحد مع المتطرفين. وأخيراً أثار الحنق لدى الرأي العام الغربي لشعوره بأن هذا الإرهاب محميّ ولو من الانتقاد اللفظي. وهو ما أنذر بمزيد من الخطر على المسلمين الذين يعيشون أقليات في بلاد الغرب. ثمن لا يبالي المتطرفون به.
الصوابية السياسية لدى النخبة السياسية الأميركية التي ينتمي إليها أوباما ليست فعلاً خيرياً تطوعياً، بل كان لها على الأرض أغراض واضحة. صوابية أوباما نحو المتشددين الإسلاميين كانت جزءاً من سياسته العامة نحو الشرق الأوسط، التي كان تبييض صورة المتشددين ركناً أساسياً فيها. وصوابية اليسار الأوروبي يقبض ثمنها من جماعات نظامية فرضت نفسها متحدثة باسم الجاليات المسلمة. تجيِّشها انتخابياً، وتوجه أصواتها بعد تجميعها.
العالم الآن صار مدركاً لهذا بصورة متزايدة، شكراً ترمب. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلق على جريمة نحر مدرس فرنسي من قِبل إرهابي إسلامي عبارة «الإرهاب الإسلامي». ويأتي هذا بعد أيام من خطاب مفصلي حذّر فيه من المتشددين الذين يريدون عزل المجتمع المسلم في فرنسا عن محيطه والانفصال به في دولة داخل الدولة، تفرض عليها قوانين غير قوانين الدولة، وينصّبون أنفسهم رؤساء عليها.
الصوابية السياسية لدى النخبة الفنية لها أيضاً منتفعون بعينهم، يريدون أن يتخطوا طوابير الموهوبين ويحجزوا لأنفسهم فرصاً مضمونة، لا ينافسهم عليها غيرهم. من خلال هذا الغرض لا بأس من تمرير بعض الأفكار الأخرى، كما يحدث حالياً في قضية الاعتراض على تمثيل غال غادوت دور الملكة المصرية المقدونية كليوباترا. رغم أن غال غادوت الشرق أوسطية، البحر متوسطية، مناسبة تماماً لأداء الشخصية، فهكذا كانت كليوباترا غالباً. صحيح أنها وُلدت في الإسكندرية، وحكمت مصر، لكنها بالتأكيد لم تكن أفريقية سوداء. كما أن المصريين لم يكونوا أبداً لوناً واحداً، هناك بشرة داكنة في الجنوب، وبشرة فاتحة في الشمال، ودرجات بينهما.
الغرض الحقيقي تحت شعار الصوابية السياسية تغذّيه - كالعادة - رغبة جماعات أخرى في عزل اليهود عن أصولهم الشرق أوسطية. في جريمة معاداة سامية عكسية. حين كان اليهود في أوروبا انصبّت معاداة السامية على تأكيد عدم انتمائهم إلى أوروبا، وعلى وجوب عودتهم إلى بلادهم المذكورة في الكتاب المقدس. والآن صارت الصوابية السياسية الجديدة تسبح مع دعاوى جوهرها أن اليهود لا ينتمون إلى الشرق الأوسط، أو أنهم أوروبيون. هذا مرادف ثقافي لخطب سياسية نعرفها جيداً ونعرف إلى أين تقود.
رامي مالك، المصري الأصل، أدى دور فريدي ميركوري الإيراني الأصل. وماجدة الصباحي المصرية أدت دور جميلة بوحيرد الجزائرية. وإياد نصار الأردني أدى دور جمال عبد الناصر. لا مشكلة في ذلك على الإطلاق. ولا ينبغي أن ننجرف خلف دعاة «الصوابية السياسية» والمستفيدين من ورائهم.
تلك قضية منفصلة عن معارضة التحريف اليهودي لتاريخ مصر القديم. ينبغي ألا نخلط بين الأمرين. «الصوابية» لا يهمها تحريف تاريخ مصر، فهي نفسها على استعداد لنسبته إلى غير أهله. لا يهمها تقديم قصص مختلقة عن تاريخ مصر القديم. كل ما يهمها أن يقوم بالدور أحد حلفائهم الانتخابيين.
الصوابية السياسية لدى نخبة الثقافة والإعلام الغربية غرضها مقايضة حلفائهم من الإسلام السياسي والمجتمعات العرقية على منافع مقابل أصوات. لا يكترث هؤلاء لكون هذه المنطقة أخيراً اختارت مساراً مختلفاً محوره تحقيق السلام بين شعوبها، ونبذ المتطرفين الإسلامويين وتعقب جرائمهم.
لو لم يكن من ولاية ترمب المنصرمة من فائدة إلا أنها كشفت نفاق أصحاب الشعارات هؤلاء فكفى بها. هذا الاستعداد للتغاضي عن أي شيء، وأي خطر، في مقابل مكسب انتخابي صار أوضح من أي وقت مضى. لاحظوا تجاهل الإعلام «الأخلاقي» لتعقب إيميلات هانتر بايدن، وتجاهل مدى ضلوع والده في استغلال نفوذه، ورغبتهم في تقييد اطلاع الرأي العام عليها، إلى الدرجة التي جعلت «فيسبوك» و«تويتر» يحجبان القصة من على منصاتهما أو يضيّقان نطاق الوصول إليها.
تخيل لو كانت تلك الإيميلات تثير الشكوك حول ترمب وأحد أبنائه، كنا سنقرأها بالبنط العريض، وسنجدها مسطّرة على أحواض غسيل الوجه إنْ طلبنا الماء.
العالم كله متصل. ليس هناك قضية نخبوية وقضية شعبية؛ لأن ما تروّجه النخبة يؤثر في الرأي العام، ويؤثر في الخيارات السياسية، ويؤثر في القوانين. أي يؤثر على المواطن البسيط ولو من دون علمه.