جميعنا الآن في أنحاء العالم يدرك خطر جائحة كورونا على الصحة والنظام الصحي، ويعيش خطره على مناحي الاقتصاد المختلفة من عمل وإنتاجية وتوفر موارد ونمو، وينتابنا شيء من القلق والخوف من آثارها على الأمن والاستقرار وعودة الحياة لمنوالها. ولكنْ هناك أخطارٌ وتبعات أخرى للجائحة قد تكون خافية علينا. فبينما يلتزم الناس بالبقاء في منازلهم واتباع التباعد الجسدي والاجتماعي وغسل اليدين بالماء والصابون عدة مرات في اليوم للوقاية من عدوى الفيروس، تشكل هذه الإجراءات في حد ذاتها خطراً على حياة بعض الناس وصحتهم ومشكلة كبيرة للتقيد بها.
فكما الحال في كل الأزمات، تتأثر الفئات الهشة في المجتمع بشكل مضاعف. لا شك أن التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا من بطالة أو انخفاض في الدخل وما يصاحب ذلك من قلق حول المستقبل شكلت ضغوطاً على الأسر خصوصاً الفقيرة. فجأة أصبح المنزل هو روضة الأطفال والمدرسة ومكان العمل ومكان الترفيه، ووجود كل أفراد الأسرة داخل هذا المنزل طوال الوقت، بالإضافة إلى ربما وجود أيضاً من هم مرضى أو كبار في السن أو ذوو إعاقة بحاجة إلى رعاية واهتمام خاص، بينما تعطلت سبل الحصول على هذه الرعاية والدعم إلا للضرورة، نظراً لمنع التجول وحشد كل الإمكانات الصحية والمالية والبشرية لمكافحة الوباء ومنع انتشاره.
وتزداد الصعوبة عندما يكون هذا المنزل ضيقاً في مساحته بالكاد يستوعب أفراد الأسرة، بينما المفترض أن يمارسوا التباعد والحجر، أو لا تتوفر فيه المياه النظيفة والصابون والمعقمات بشكل كافٍ، بينما المطلوب أن يواظبوا على غسل أيديهم باستمرار والحفاظ على نظافة المكان، وفوق كل هذا على رب الأسرة العمل من المنزل عبر الإنترنت، بينما طبيعة عمله أو حرفته أو دخله اليومي تتطلب منه أن يكون في الشارع أو المصنع أو المنشأة التجارية أو الخدمية التي أُغلقت، بل إن التقنية نفسها التي أتاحت الدراسة والعمل عن بعد ليست متوفرة للأسرة أو بالمستوى الذي يمكنها من مواصلة حياتها الدراسية والعملية والاجتماعية والصحية عبرها. ناهيك عن مخيمات اللاجئين والمهاجرين، فالوضع هناك أساساً مأساوي، ويخشى من تفشي الوباء فيها، وإذا حصل ستصعب السيطرة عليه.
وقد حذرت تقارير لمنظمات دولية عدة من وقوع كارثة إنسانية جراء وباء «كوفيد - 19» وانعكاساته الاقتصادية وتوقعات بتفاقم أعداد المهددين بالبطالة والفقر والمجاعة على مستوى العالم، خصوصاً أن عودة دوران عجلة الاقتصاد بشكل سلس ستأخذ وقتاً واقتصادات العالم مرتبطة ببعض. وتعمل الدول في الاستجابة للجائحة على التصدي للتداعيات الاقتصادية والتحديات الصحية وخلق التوازن بين المصلحة الاقتصادية والرعاية الصحية، خصوصاً أنه لم يتم اكتشاف علاج فعال بعد أو لقاح، فكلها في المراحل التجريبية، ما يعني استمرار حالة الحذر واتباع الإجراءات الاحترازية فترة من الزمن حتى بعد رفع منع التجول، سواء جزئياً أو كلياً والسماح بعودة بعض الأعمال.
ومن المهم أن تشمل خطة الاستجابة الوطنية على الجانب الاجتماعي، وذلك بزيادة وعي المجتمع بالمخاطر وعدم وصم المصابين أو التعصب ضدهم، بل العمل على مساعدة بعض، وتعزيز دور الأسرة في التعامل مع الظروف الحياتية الجديدة، ودعم وحماية الفئات الهشة من النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، التي بحاجة إلى رعاية بتوفير الآليات والسبل المناسبة للتواصل مع المختصين سواء عبر الخط الساخن أو التطبيقات الإلكترونية أو غيرها من الطرق المبتكرة وتفعيل دور المجتمع المدني. ومن جهة أخرى، الحذر من التطبيقات الإلكترونية التي أصبحت الملاذ والوسيلة لممارسة جميع الأعمال والاتصالات اليومية تقريباً، وذلك لاستغلال شبكات القراصنة الوضع وزيادة حالات الاختراقات وعمليات النصب الإلكترونية وغيرها من الجرائم عبر الإنترنت، ناهيك بالجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تراها فرصة للاستقطاب والتأثير عبر شبكات التواصل، بالإضافة إلى حالات التنمر والتحرش خصوصاً ضد الأطفال.
وقد ضاعفت الإجراءات الاحترازية ضد تفشي الفيروس من الضغوط على المرأة في المنزل. فغالباً المرأة هي من تتابع تربية وتعليم الصغار ورعاية الكبار وتقوم بأعمال البيت، وإذا كانت عاملة وانتقل عملها إلى البيت أصبح عليها التوفيق بين كل هذه المهام، وإذا كان الزوج أيضاً يعمل من البيت فعليها مراعاة مكان وأوقات عمله، أما إذا أصبح عاطلاً فتلك مشكلة أخرى. توالت الأخبار خلال الأسابيع الماضية عن ارتفاع معدلات العنف الأسري منذ اندلاع أزمة فيروس كورونا وفرض الحجر المنزلي وتوقف العمل، والنداءات بضرورة تشديد إجراءات حماية المرأة والأطفال الذين فرض عليهم الوجود الدائم مع المُعَنِّف وبمعزل عن المجتمع. فقد كشفت عدة دول غربية وعربية وإسلامية وغيرها رصد زيادة في التبليغ عن حالات العنف المنزلي، والاتصال بالخط الساخن المخصص لذلك أو بالجهات المعنية وارتفاع نسب الطلاق، ولذلك يجب التأكد من إتاحة الخطوط الساخنة والخدمات لجميع ضحايا العنف المنزلي وضرورة الاستجابة للمكالمات الواردة من الضحايا وتوفير الملاجئ وتجاوب الشرطة والقضاء.
وبالإضافة إلى تعرض المرأة لكل هذه الضغوط داخل المنزل، فهي أيضاً ربما فقدت عملها، خصوصاً أن النساء يشكلن نسبة كبيرة من العاملين في القطاعات التي تأثرت بالإغلاق مثل السفر والسياحة والمطاعم وإنتاج الغذاء، كما تشكل النساء نسبة كبيرة من الاقتصاد غير الرسمي في الأسواق غير الرسمية والزراعة والوظائف في القطاع غير الرسمي كالعاملات في المنازل ومقدمات الرعاية، وعادة ما يفتقرن إلى التأمين الصحي وليس لديهن شبكة أمان اجتماعي يعتمدن عليه. من جهة أخرى، المرأة أيضاً تقف في الصفوف الأمامية في القطاع الصحي، خصوصاً قطاع التمريض، فحسب التقديرات تشكل النساء نحو 70 في المائة من قوى الصحة العالمية، ما يعني زيادة خطر تعرضهن للإصابة بالفيروس، ولذلك من المهم ضمان ظروف آمنة لجميع مقدمي الرعاية وتوفير الاحتياجات اللازمة لهم، خصوصاً النساء.
كما أن المرأة لها دور كبير في منظمات المجتمع المدني وتقوم بدور رائد في توفير الدعم والرعاية والاحتياجات للفئات المستضعفة. كل هذا يؤكد أن مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتصميم خطط الاستجابة للوباء وتنفيذها ضرورية، فهي شريكة في الجهود ومتأثرة بشكل كبير بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية.
7:52 دقيقه
TT
التداعيات الاجتماعية الوجه الآخر لأخطار {كورونا}
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة