وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

اتفاق «أوبك+» تاريخي... لكن قد لا يرضي السوق

كلنا يعلم أن اتفاق تحالف «أوبك+» لتخفيض إنتاج النفط حتى أبريل (نيسان) 2022، الذي تم التوصل إليه يوم الخميس، لن يعجب سوق النفط، حتى إن انضمت إليه دول مجموعة العشرين (بتخفيضات ليست في الحقيقة تخفيضات)، والسبب بسيط هو أن الطلب سينخفض خلال أسابيع قليلة بصورة لم يسبق أن رآها أحد من وزارء الطاقة الذين شاركوا في الاجتماع في حياته، فيما كان مقدار الخفض الذي تمكن التحالف من الاتفاق عليه هو نصف الكمية التي تحتاجها السوق للتوازن.
لقد عرضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على وزراء طاقة مجموعة العشرين في اجتماعهم بالأمس، توقعاتها للطلب هذا العام، وكلها أرقام غير مشجعة ولا تظهر أن الاتفاق سوف يؤدي إلى أي توازن للسوق، وفي أفضل الحالات سوف يؤدي هذا الاتفاق إلى إبطاء عملية تراكم المخزونات النفطية التجارية في العالم، التي سوف تمتلئ خلال شهر من الآن إذا لم يكن هناك اتفاق. وبحسب أرقام «أوبك»، فإن الطلب سينخفض بنحو 20 مليون برميل يومياً هذا الشهر، و12 مليون برميل يومياً في الربع الثاني، وبنحو 7 ملايين برميل يومياً لكل عام 2020. في الناحية المقابلة اتفق التحالف الذي يضم 23 دولة بينها السعودية وروسيا على تخفيض 10 ملايين برميل يومياً خلال مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، و8 ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري. وابتداءً من أول أيام 2021 وحتى أبريل 2022 سوف يستمر التحالف في تخفيض 6 ملايين برميل يومياً.
وفي الوقت الذي يحتاج العالم فيه إلى تخفيض 20 مليون برميل يومياً، سيتمكن التحالف من توفير النصف، وفي أفضل الحالات إقناع باقي مجموعة العشرين لخصم 5 ملايين برميل يومياً، لتتبقى 5 ملايين أخرى على أقل تقدير، إذ إن بعض تقديرات السوق تقول إن الهبوط في الطلب خلال الربع الثاني سيكون في حدود من 20 إلى 35 مليون برميل يومياً.
وللأسف شاهدت بالأمس التصريحات غير المسؤولة من دول عديدة في مجموعة العشرين، مثل البرازيل التي قال وزيرها في الاجتماع الافتراضي لوزراء طاقة المجموعة، إن بلاده لا تملك أي سلطة قانونية على شركة «بتروبراس»، التي يتوقع هو أن إنتاجها سيهبط بنحو 200 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل 20 في المائة من صادرات البرازيل.
أما خيبة الأمل الكبرى فكانت من المكسيك التي عطلت اتفاق «أوبك+»، إذ إنها عضو في التحالف وفي مجموعة العشرين. وأوضح الرئيس المكسيكي أندريس أوبرادور أن بلاده لا تستطيع المساهمة في التخفيض المطلوب منها في الاتفاق والمقدر بنحو 400 ألف برميل، وأشار إلى أن «هذا رقم كبير، لأن بلاده احتاجت لمشقة كبيرة حتى يصل إنتاجها إلى قرابة 1.8 مليون برميل يومياً». والمكسيك وضعها معقد نوعاً ما، فإنتاج حقولها يهبط منذ سنوات بشكل كبير نظراً لقدم هذه الحقول، وبالتالي تكلفة الإنتاج عالية، وهي من الدول التي تبيع أغلب إنتاجها بطريقة التحوط؛ أي تبيع إنتاج العام المقبل بسعر تتفق عليه هذا العام لضمان عدم تأثرها من أي هبوط في الأسعار.
واتفقت 22 دولة في التحالف على تخفيض إنتاجها بنسبة 23 في المائة من مستوى أكتوبر (تشرين الأول) 2018 (باستثناء السعودية وروسيا اللتين احتسبتا مستوى الإنتاج من 11 مليون برميل يومياً)، فيما رفضت المكسيك هذا وتمسكت بتخفيض إنتاجها بنحو 100 ألف برميل يومياً فقط. وفاجأ الرئيس المكسيكي الجميع بالأمس، قائلاً إن بلاده اتفقت مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على خفض بنحو 100 ألف برميل، فيما ستتحمل الولايات المتحدة باقي حصة المكسيك حسب المفاهمة.
هذا الاتفاق لا أحد يعلم شرعيته نظراً لأن الإعلان كان من طرف واحد، الأمر الآخر هو أن الولايات المتحدة نفسها لا يوجد لديها أي إعلان بخفض متفق عليه مع «أوبك+»، ويريدون أن يعتبر التحالف التخفيض الطبيعي الناجم عن خفض الأسعار حالياً كتخفيض طوعي ضمن الاتفاق. وبحسب تقديرات وزير الطاقة الأميركي دان برويليت التي عرضها على الوزراء بالأمس، فإن إنتاج بلاده سينخفض بنحو 2 أو 3 ملايين برميل يومياً بنهاية هذا العام. وكلنا يعلم أن هذه الكمية قد لا تكون حقيقية؛ لأن الأسعار لو تحسنت فإن بعض الشركات ستواصل إنتاجها.
عموماً فإن وضع الولايات المتحدة الآن سيئ، فالحفارات هبطت الأسبوع الماضي بصورة لم تشهدها البلاد منذ عام 2016... وبنظرة على أسعار بيع النفط الأميركي، فإن سعر نفط خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة وصل إلى 22.76 دولار للبرميل بنهاية يوم الخميس. أما الخامات الأخرى مثل الباكن (9 دولارات) وغرب تكساس الوسيط ميدلاند (18.26 دولار) وخليط مارس (22.76 دولار) ولويزيانا الحلو والخفيف (20.76 دولار)، وهذه الأسعار لا تكفي منتجي النفط الصخري هناك لمواصلة الإنتاج.
أما المصافي، فحتى الآن أقفلت مصفاة تابعة لشركة ماراثون عملياتها، وهناك العديد من المصافي مهددة. هذا كله يضع ضغطاً على الرئيس الأميركي ترمب لفعل شيء لو أراد الفوز بالانتخابات في ولاية تكساس النفطية، التي تعتبر إلى جانب كاليفورنيا أهم ولايتين في سباق الانتخابات.
وقد يسأل سائل لماذا لا تتحمل المملكة الجزء الأكبر من التخفيضات وتنهي كل هذا؟ المسألة ليست بهذه السهولة، فحتى لو افترضنا أن المملكة تنازلت عن حصتها السوقية، فهناك مستوى معين من الإنتاج لا تستطيع المملكة النزول تحته لأسباب فنية، مرتبطة بكمية الغاز المصاحب للنفط الذي يدخل في إنتاج أكثر من نصف الكهرباء في المملكة وسوائل الغاز الطبيعي الناتجة التي تذهب لمصانع البتروكماويات. وهناك شبكة مصافٍ عالمياً لأرامكو السعودية طاقتها قرابة 5 ملايين برميل يومياً قائمة على النفط السعودي.
إن مشكلة هذا الاتفاق من الأساس هو أن طول مدته (حتى 2022) يجعله صعباً على النفوس وصغار المنتجين الذين ينتظرون تحسن الأسعار للعودة لزيادة الإنتاج. كما أن مراقبة ومتابعة كل هذه الدول جهد كبير، ولو انضمت مجموعة العشرين إليه فهذا سيتطلب مجموعة عمل خاصة لمتابعته. ولهذا فإن أي اتفاق لتخفيض الإنتاج من الأفضل أن يكون قصيراً.
على كال حال، ستحتفل «أوبك» هذا العام بمرور 60 عاماً على تأسيسها، وحتى الآن لم تستطع أزمة واحدة أن تهز «أوبك» أو تقضي على مستقبلها أو مصيرها، بل إن «أوبك» تظهر وقت الأزمات كما حدث يوم الخميس. وتحالف «أوبك+» كان في الأساس مؤقتاً، ولكن الظروف جعلته شبه دائم. والذي لا أفهمه هو أن الدول في مواجهة أزمة مثل كورونا تعلن حالات طوارئ تعطل فيها العديد من الأنظمة والتشريعات؛ إلا عند الحديث عن النفط، يبدأ الكل خارج «أوبك» في تذكر القانون. العالم يحتاج إلى تفهم أن أزمة نفطية بهذا الحجم تستوجب حالة طوارئ؛ إلا إذا كانت الكراهية لـ«أوبك» في أوروبا والولايات المتحدة أعمق مما نظن.