وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الألم سيزيد في 2020 و«أوبك» وحدها لن توقفه

لا أخفي عليكم، لقد كنت قلقاً جداً عندما انتهى اجتماع تحالف «أوبك+» قبل 20 يوماً من دون أي اتفاق بين السعودية وروسيا على خفض الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل يومياً لمواجهة آثار «كورونا» على الطلب وعلى الاقتصاد العالمي. ومصدر قلقي هو ردة الفعل من الجانبين، بعد أن صرَّح وزير الطاقة الروسي عقب الاجتماع، بأن كل الدول بإمكانها الإنتاج كما تريد. وأثر هذا القرار على سوق النفط ومداخيل دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
لم أكن أصدق أن السعودية سوف تدخل في منافسة شرسة مع بقية المنتجين، وترفع إنتاجها إلى الطاقة القصوى، وسوف تزيدها بنحو مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل، وتقدم تخفيضات على نفطها للزبائن هي الأعلى في 20 عاماً. لقد أخذت السعودية خطوات ضخمة للحصول على حصة أكبر في السوق كما يبدو؛ حيث استأجرت ناقلات نفط عملاقة تستطيع مجتمعة أن تحمل 80 مليون برميل يومياً، أي ما يقارب الكمية التي يستهلكها العالم من النفط الخام في يوم واحد. وابتداءً من الأول من أبريل (نيسان) سوف يغرق العالم بالنفط السعودي.
لقد فسرت السوق كل ما يحدث بأنها حرب أسعار بين السعودية وروسيا، وكنت قلقاً على استقرار السوق وفقدانها الثقة في «أوبك» بعد اليوم، وعلى الاستثمارات طويلة الأجل التي سوف تتأجل بعد اندلاع الحرب التي لن يتراجع فيها طرف. روسيا لن تتنازل عن قرارها بسهولة وقد لا تتعاون مع «أوبك+» لتخفيض الإنتاج، لأسباب لا أحد يفهمها سوى أنها محاولة لضرب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، من خلال الإبقاء على الأسعار منخفضة، أو أن روسيا تخشى فقدان حصتها السوقية في آسيا في حالة التخفيض. والسعودية لن تتراجع الآن عن استراتيجيتها الجديدة للحصول على حصة سوقية أكبر، ليس بعد كل ما فعلته، والإعلان عن استثمارات بمليارات الدولارات لرفع طاقتها الإنتاجية، والتعاقد مع كل هذه الناقلات.
على الأرض لا تستطيع روسيا مواجهة السعودية نفطياً، فالمملكة لديها طاقة فائضة من النفط توازي 10 أضعاف الطاقة الفائضة في روسيا، وأغلب النفط الروسي ينتقل عن طريق الأنابيب إلى أوروبا وآسيا، وليس لروسيا القدرة على الوصول بعيداً، ولا شبكة الزبائن الضخمة التي تمتلكها «أرامكو السعودية». كما أن استهلاك روسيا الداخلي من النفط الخام أعلى من استهلاك السعودية.
ويبدو أن روسيا قلقة من هذه القدرة التنافسية لدى السعودية؛ حيث نقلت وكالة «رويترز» يوم الاثنين، أن روسيا توصلت إلى تسوية لخلاف بشأن إمدادات النفط، اندلع قبل أشهر مع روسيا البيضاء، بعد سعي موسكو لكسب أكبر عدد ممكن من المشترين في ظل الصراع على الحصص السوقية، بعد انهيار اتفاق التعاون التاريخي مع السعودية.
لكن هذا لا يعني أن شركات النفط الروسية لا تستطيع المواجهة كذلك، فتكلفة إنتاج النفط الخام في روسيا بين 10 إلى 14 دولاراً، أي ثلاثة إلى أربعة أضعاف تكلفة إنتاجه في السعودية. وبإمكان الشركات الروسية الاستفادة من الضريبة المرنة التي تقدمها الحكومة، ومن سعر الصرف المرن للروبل أمام الدولار. ويقول أيغور سيتشن رئيس أكبر شركة نفط روسية (روسنفت) إن التكلفة التشغيلية لكل برميل في حدود 3.1 دولار، مما يجعلها قريبة من كلفة «أرامكو السعودية». وقد يكون كلامه صحيحاً فيما يتعلق بكلفة الآبار القائمة، ولكن في الحقيقة لا يهم ما يقوله سيتشن في هذه الظروف؛ حيث يعلم الكل أن الآبار الجديدة في روسيا، وخصوصاً في سيبيريا مكلفة؛ خصوصاً وقت الشتاء.
اقتصادياً، لدى روسيا اقتصاد متنوع واحتياطي نقدي يساعدها على التأقلم مع أسعار النفط الحالية، حتى وإن سجلت عجزاً؛ حيث تحتاج إلى 42 دولاراً للبرميل حتى تعادل ميزانيتها ولا تسجل أي عجز. أما الوضع في «أوبك» ودول الخليج خاصة فمختلف؛ حيث تحتاج الدول إلى أسعار ضعف ما تحتاجه روسيا لتعادل ميزانيتها، وهذا ليس بسر.
رسمياً لا تعترف روسيا بوجود أي حرب أسعار بينها وبين السعودية، كما عبر عن ذلك المتحدث الرسمي للكرملين ديمتري بيسكوف يوم 20 مارس (آذار)، مضيفاً أن كل التصريحات من الرياض تدل على أن العلاقات جيدة. ولكنه عبر عن انزعاج من الأسعار الحالية باعتبارها غير مرضية لهم، ولكنها ليست كارثية.
شخصياً، لا أرى سبباً لوجود خلاف بين روسيا والسعودية؛ إذ إن ما يحدث هو تنافس عادل في الأسواق، ولا يوجد خلفه أي دوافع سياسية. من حق السعودية في ظل انهيار الاتفاق أن تبحث عن مصالحها في السوق وكذلك روسيا. لقد كان واضحاً أن روسيا حققت مبتغاها من الاتفاق منذ أكثر من عام، وظلت في الاتفاق لأسباب غير واضحة، فهل هي كانت تبحث عن اللحظة التي تبني فيها احتياطيات نقدية عالية، ثم تخرج من الاتفاق وتبحث عن مصالحها في السوق؟ إن روسيا دوافعها السياسية أعلى من دوافعها الاقتصادية للبقاء في هكذا تحالفات واتفاقات، على عكس السعودية وباقي «أوبك». المشكلة هي أن المتضررين كثر من خارج «أوبك»، وأولهم عمان التي أصدر مصرف «غولدمان ساكس» تحذيراً حول وضعها المالي بحلول 2020، إذا ما استمرت أسعار النفط الحالية. وستعاني بقية دول «أوبك» من هذه الأسعار المنخفضة؛ حيث وصل «برنت» اليوم إلى أقل من نصف سعره منذ اندلاع جائحة «كورونا».
حتى على مستوى الشركات النفطية، فإن الضرر كبير، وهذا الأسبوع أعلنت شركة «شيفرون» عن تقليص إنفاقها هذا العام بنحو 4 مليارات دولار، وسيتضرر إنتاجها في حوض «البريميان»، أحد أكبر أحواض إنتاج النفط الصخري، ويتراجع بنحو 125 ألف برميل يومياً، وستوقف شركة «سينكور» أكبر شركة لإنتاج النفط الثقيل في كندا، واحداً من معملين لإنتاج النفط في أكبر منطقة تعدين للنفط في فورتس هيل. وأعلنت شركتان حتى الآن عن تقليص أجور لكبار التنفيذيين.
سيزداد الألم في العالم هذا العام، إذ توقع رئيس أكبر شركة لتجارة النفط في العالم، أن ينخفض الطلب على النفط بنحو 15 إلى 20 مليون برميل يومياً، كما رشحه أن يتراجع بنحو 5 ملايين برميل يومياً إضافية. كل هذا سينعكس على التخزين؛ حيث سيكون هناك فائض اليوم من النفط، وستمتلئ المخازن العائمة وعلى اليابسة بالنفط بسبب ما يحدث. وبعد إعلان الهند عن فرض حظر تجول، وتوجه الموانئ الهندية لفرض الحالة القاهرة، وإيقاف حركة الملاحة لمواجهة «كورونا»، فإن الطلب في وضع سيئ.
الرابح الوحيد هم المستهلكون، والدول التي لديها برامج لتخزين النفط استراتيجياً، مثل الصين والهند والولايات المتحدة، والتي ستملأها بنفط رخيص.
في الحقيقة، إلى اليوم لا أفهم ما يحدث بشكل كبير إذ إنه ليس من مصلحة الجميع رؤية الأسعار متدنية بهذا الشكل. ولكن طالما هناك إصرار من الدول خارج «أوبك» على عدم التعاون مع «أوبك»، فمن الأفضل أن تترك السعودية المعبد لكي ينهار على رؤوس الجميع. وبفضل هذه السياسة بدأت الولايات المتحدة في التحرك، وبحث سبل للتعاون مع «أوبك»، أو لتنظيم إنتاج ولاية تكساس.
الألم سيزداد في 2020، ولكن الحل لن يكون بيد السعودية وحدها، أو حتى «أوبك»؛ بل يجب على الكل البحث عن حل. وقد يكون اجتماع اليوم لقادة مجموعة العشرين بداية لمناقشة حلول أفضل وأكثر استدامة لهذه الأزمة. لدى المملكة فرصة تاريخية نظراً لقيادتها مجموعة العشرين هذا العام، في أن تخلق استقراراً للسوق النفطية.