فاي فلام
TT

عَقد من العلوم المناخية المؤكِّدة لما علمناه بالفعل

خلال العقد الماضي، توصل العلماء إلى معلومات وعلوم كثيرة بشأن المناخ، والكثير منها يتعلق بالرابطة بين ظاهرة الاحتباس الحراري والأحداث المناخية الشديدة – الموجات الحرارية، والأعاصير، والفيضانات، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات.
وكان هناك تفهم مستمر منذ أعوام عديدة لأن العالم سوف يكون أكثر اعتدالاً عندما يصير أكثر دفئاً، وتعكس القياسات تلو القياسات ارتفاع درجات الحرارة بما يتوافق مع هذه التنبؤات. لكن حتى وقت قريب، كان من العسير إثبات أن غلافنا الجوي المتغير له أي تأثير يُذكر على الأحداث المناخية الشديدة التي يشهدها العالم، والتي بعد كل شيء، كانت تتسبب في إغراق، وتعطيش، وتجويع الناس قبل أن يشرع أي إنسان في حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة.
يقول بنيامين كوك، الباحث في علوم المناخ لدى مرصد «لامونت دويرتي» لكوكب الأرض: «إن التساؤل عما إذا كانت التغيرات المناخية قد أسفرت عن اندلاع حريق هائل أو إطلاق إعصار معين هو من الأسئلة الخاطئة. لكن خلال السنوات العشر الماضية، كانت المقدرة على وضع النماذج المناخية قد تطورت بصورة كبيرة، بحيث يستطيع الناس تحديد ما إذا كانت حالة الاحترار العالمية الناجمة عن الأنشطة البشرية قد تسببت في اندلاع عاصفة ممطرة أو حالة جفاف ممتدة مما كان يحدث من قبل. وهذا الربط المباشر هو أكبر تقدم أحرزناه مناخياً حتى عام 2010».
وأضاف السيد كوك: «هذا من الأمور المهمة نظراً إلى أن الأحداث المناخية الشديدة هي مواطن الشعور الحقيقي بتأثيرات التغيرات المناخية من حولنا. وليس من المثير للمخاوف بصورة كبيرة معرفة أن درجات الحرارة العالمية سوف ترتفع درجتين أخريين. ولكن الأمر الآخر يتعلق بإدراك مساهمات النشاط البشري في سلسلة موجات الحرارة المرتفعة المهلكة في القارة الأوروبية – مع ارتفاع درجات الحرارة لأعلى من 108 درجات في باريس وحدها، فضلاً عن الحرائق المريعة التي أهلكت بعضاً من أفضل أجزاء الغابات في ولاية كاليفورنيا. مما يعد من الإشارات الواضحة للغاية على التغيرات المناخية في كوكبنا».
وإن كان هناك خلاف قائم بين العلماء اليوم، فإنه يتعلق بما إذا كانوا مترددين للغاية في دق نواقيس الخطر بشأن الأحداث المناخية الشديدة في الماضي. وكانت هناك حالة من التردد لإصدار التوصيات استناداً إلى الاحتمالات والافتراضات المعقولة. أما الآن فصارت هناك دلائل علمية تؤيدها.
وخلال العقد الماضي، واصل باحثو المناخ سد الثغرات التي يجدونها في بياناتهم بشأن درجات الحرارة في الماضي، وطوّروا النماذج المحسنة المنضبطة وفقاً لبيانات الماضي من أجل التنبؤ بالمستقبل. وأسفر هذا عن تنبؤات أفضل للأحوال المناخية بفضل البيانات الأكثر اكتمالاً، والعلوم الأفضل، والمزيد من العمل الحاسوبي.
وقال الدكتور غافين شميدت، مدير معهد «ناسا غودارد» لعلوم الفضاء: «هناك المزيد من البيانات عن تكوين السحب، وهطول الأمطار، والمياه الجوفية، وما يجري تحت الرفوف الجليدية شمالاً وجنوباً. ولقد نشأت كل تلك المعارف الأساسية من رحم عشر سنوات مثمرة من أعمال الاستشعار عن بُعد».
ترتفع درجة حرارة القطب الشمالي بوتيرة أسرع من خطوط العرض الأدنى منه، ولهذا تأثيره المباشر على أنماط الرياح – لا سيما التيارات الهوائية النفاثة. ويقول الباحثون إن إضعاف هذه الرياح هو جزء من السبب في إطالة أمد الأعاصير القوية – مثل إعصار هارفي – مع الهواء الجاف الممتد في أماكن أخرى لعدة أسابيع.
وقال كيفين ترينبيرث، عالم المناخ في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في كولورادو، إنه كان يناقش الأحداث المناخية الشديدة منذ عام 2010 والتي أصبحت تقع الآن في بيئات مختلفة تماماً.
ونظراً إلى أننا رفعنا من مستويات الكربون في الغلاف الجوي للأرض بنسبة 40%، زادت درجة حرارة المحيطات، كما أصبح الهواء فوق المحيطات أكثر دفئاً وأغزر أمطاراً، كما ارتفع مستوى سطح البحر بالفعل. ويسهم ذلك في زيادة كثافة العواصف، مع هطول الأمطار الغزيرة والأطول أمداً عن ذي قبل، تماماً كما أن عين الناس مع إعصار هارفي في هيوستن، ومع إعصار فلورانس في ولايتي كارولاينا الشمالية والجنوبية. ويتحول مناخ الكوكب الجاف إلى الأكثر جفافاً، والرطب إلى الأغزر رطوبة.
ويؤدي الاحتباس الحراري أيضاً إلى تسخين مياه المحيطات، وإن كان بصورة غير منتظمة. وقال الدكتور ترينبيرث إن العلماء يستطيعون الآن تعقب الموجات الحرارية البحرية التي تتسبب في إهلاك الشعاب المرجانية وتقضي على الحياة البحرية من خليج «مين» حتى الحاجز المرجاني العظيم. وقبل عشر سنوات من الآن، كان العلماء يستطيعون قياس درجة حرارة المحيط حتى 700 متر عمقاً، أما الآن فإنهم يستطيعون القياس حتى ألفي متر عمقاً. وأضاف الدكتور ترينبيرث قائلاً: «يمكننا رؤية أن الحرارة تتخلل وتنْفذ إلى أعماق المحيطات». ولقد امتصت المحيطات أغلب الطاقة التي حوصرت على سطح الأرض بواسطة غازات الاحتباس الحراري المضافة. ويساور بعض العلماء القلق بشأن فقدان المقدرة على الاحتراز من الاحترار العالمي.
وقبل عقد من الزمن، كانت هناك أدلة أكثر من كافية لتبرير محاولات انخفاض الانبعاثات الكربونية. وتوصل العلماء آنذاك إلى إجماع للآراء على أن الوقت قد حان للعمل على ذلك. غير أن حملة للمعلومات المضللة كانت تسعى جاهدة لخلق صورة مختلفة تماماً لدى عامة الناس، حيث يقوم القراصنة بسرقة رسائل البريد الإلكترونية الخاصة بالعلماء، مع إطلاق المدونين ومنافذ الإعلام المختلفة الهجمات الشخصية ضدهم.
ومما زاد من اشتعال الموقف كان فقدان الثقة في العلوم كافة في أعقاب ما تُعرف بأزمة التكرار، والتي تعرضت فيها العلوم الاجتماعية للانتقادات بأنها ملوثة بالكثير من النتائج الواهية أو المضللة. وجرى نقض الكثير من أبحاث التغذية المعروفة، واعتُبر الكثير من النتائج الطبية مستحيلاً على التطور والتضاعف. غير أن كل ذلك لا علاقة مباشرة له بعلوم الفيزياء، وعلوم الأرض. فلم يتعرض أحد بالانتقاد للجدول الدوري، ولا تزال الكهرباء تعمل وفق المتوقع منها.
وكان عالم الرياضيات الفرنسي جوزيف فوريير، من علماء أوائل القرن التاسع عشر، قد أدرك أنه ينبغي تجميد كوكب الأرض وصولاً إلى خط الاستواء، معتبراً أنه يدور على مسافة تبعد 93 مليون ميل عن الشمس. ولم يستغرق الأمر وقتاً كبيراً حتى ندرك الجزء الصغير من غلافنا الجوي المتكون من ثاني أكسيد الكربون والذي كان يحافظ على دفء كوكبنا، وأن إضافة المزيد من هذا الغاز سوف ترفع من درجة حرارة الكوكب لا محالة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»