غياب الثقة يقوّض فرص حل الأزمة العراقية

TT

غياب الثقة يقوّض فرص حل الأزمة العراقية

إذا جاز تلخيص الأزمة السياسية التي يمر بها العراق، فلن يجد المراقب عنواناً أدق من عامل غياب الثقة الذي يطرح علامات استفهام حول إمكانية تحقيق انفراجة عاجلة في الأزمة الراهنة بين قوى السلطة والحراك الاحتجاجي.
فالحديث عن انكسار «جرّة» الثقة بين المواطنين العراقيين وحكامهم وقواهم السياسية، تأكد عبر المظاهرات التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهو لا يأتي من باب التهويل الإعلامي الذي يرمي إلى تعميق الفجوة بين المواطنين، ويهدف إلى وضع القوى السياسية دائماً في مرمى الاستياء الشعبي، بل يجد هذا الحديث صداه في أحاديث كثيرة لزعماء سياسيين كشفوا بصراحة ووضوح عن ذلك الخلل القاتل في العلاقة بين الشعب والسلطات.
وتحدث رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي نهاية أكتوبر الماضي عن «فقدان الثقة الشعبي العميق بالعملية السياسية»، ووصفها بـ«الأضحوكة الكبرى». أما زعيم حزب «الدعوة» و«ائتلاف دولة القانون» الذي شغل منصب رئاسة الوزراء لدورتين متتاليتين نوري المالكي، فقد قال في مارس (آذار) 2014، في مقابلة تلفزيونية، إن «هذه الطبقة السياسية وأنا منهم، ينبغي ألا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق؛ لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً». وأضاف: «ينبغي أن يبرز جيل آخر بخلفية الوعي لما حصل وخلفية الأخطاء التي ارتكبوها (الساسة)».
واعترف زعيم تحالف «الفتح» التابع لـ«الحشد الشعبي» هادي العامري في يوليو (تموز) 2018، علناً بالفجوة بين الشعب والقوى السياسية نتيجة تقصير الأخيرة على المستويات كافة. وقال في مؤتمر عقد حينذاك: «أعترف بأنني أول من قصّر بحق هذا الشعب، وأطلب منه المسامحة عما جرى منا، أنا أقدّم ذنوبي أمامكم، أعترف أننا قصرنا بحق هذا الشعب، وعليه أن يعفو عنا».
غير أن مطلب بروز «جيل آخر» الذي طالب به المالكي يصطدم اليوم وبقوة بحالة الممانعة التي تبديها قوى السلطة حيال مطالب المتظاهرين وتمسك تلك القوى بمكتسباتها وعدم إبداء المرونة الكافية للتوصل إلى صيغة اتفاق ينهي حالة الانسداد شبه التام التي تعاني منها البلاد.
ففي مقابل مطالب المحتجين المتمثلة بتعديل قانون الانتخابات بما يخدم عملية تمثيل عادلة للمواطنين وتأسيس مفوضية مستقلة للانتخابات، وصولاً إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، تتمسك قوى السلطة باستمرار عمل الدورة البرلمانية الحالية وإجراء الانتخابات العامة بعد انتهائها في عام 2022.
ويرى عدد غير قليل من المراقبين، أن انعدام الثقة بين المتظاهرين وقوى السلطة هو حجر الأساس الذي تستند إليه حالة الانغلاق الراهنة، ما قد يضعف في النتيجة الأخيرة إمكانية أن تشهد البلاد حلاً قريباً لأزمتها.
ويعبر الناشط محمد الربيعي عن حالة عدم الثقة بين المتظاهرين وقوى السلطة بالقول: «المشكلة أننا لا نثق بهم مطلقاً حتى لو قاموا بإجراءات صحيحة، وهو أمر مستبعد بالنسبة لنا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «انعدام الثقة بيننا وبينهم لم تحدث بين يوم وليلة، إنما يشهد لها تاريخ ممتد لعقد ونصف العقد من سوء الإدارة والفساد والأكاذيب المتواصلة. لن نخسر شيئاً في النهاية وسنستمر لحين تحقيق المطالب، وهم من سيخسر في النهاية».
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، إياد العنبر، أن «أزمة الثقة بين جمهور الاحتجاجات والحكومة والقوى السياسية الداعمة لها تتوسع يومياً». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن تعالي الحكومة عن مطالب المتظاهرين، ومحاولتها تحريف مسار المطالب من استقالة الحكومة إلى الوعود بتعديل وزاري والحديث عن حزم إصلاحات، والاستمرار باستخدام العنف ضد المتظاهرين، زاد الموضوع تعقيداً».
ويعتقد العنبر، أن مشكلة الثقة بين الجمهور من جانب والقوى السياسية من جانب آخر «ليست نتاج المظاهرات الحالية، وإنما هي تراكم لانفصال الطبقة السياسية عن الجمهور. ولعل أكثر مظاهر ذلك تدني نسبة المشاركة في انتخابات مايو (أيار) 2018، لكن المنظومة السياسية لم تستجب لجرس الإنذار آنذاك».
واعتبر أن «حل مشكلة عدم الثقة يبدأ من خلال تحويل مطالب المتظاهرين إلى ما يشبه الإجماع الوطني لتصحيح مسار شرعية النظام السياسي، وذلك من خلال تشريع قانون انتخابات يضمن التمثيل العادل، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة حقيقية لا مجرد عنوان. وعلى كل حال، لا شك في أن مسار التحول المرجو صعب ولا يبدو قريب المنال في ظل انعدام الثقة الشعبي الكامل بالجماعة السياسية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».