عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

صراعات المنطقة وصناعة الفخر

الأمم والدول والشعوب فضلاً عن المجتمعات والأفراد تستجيب استجابة طبيعية للفخر الوطني والاعتزاز بتاريخ المجد وواقع العز ومستقبل الفخار، ودون فخامة التراث وانتشار الثقافة وتفشي الوعي وقوة الاقتصاد فإن صناعة الفخر تصبح شبه مستحيلة وصناعة التاريخ غير ممكنة.
زيارة ولي العهد السعودي لليابان ومشاركته الفاعلة في قمة العشرين أوضحتا لدول العالم الكبار مكانة السعودية وقوة تأثيرها ووضحتا خياراتها واستراتيجياتها المستقبلية في صراعات المنطقة كما في توازنات القوى في العالم، وكانتا فرصة ليرى العالم بأسره ما هي السعودية الجديدة التي يتحدث عنها السعوديون ويفخرون بها وبعرّاب رؤيتها والقائم على تنفيذها وتحقيق نجاحاتها.
في ورشة التنمية الكبرى التي تعيشها السعودية والنجاحات المستمرة التي يتحدث بها شباب العرب لا الشباب السعودي فحسب، تفاصيل مذهلة سيرويها التاريخ يوماً ملحمة تفوق الوصف والكلمات ولولا احتشاد الشعب السعودي خلف قيادته وجيشه وجنوده البواسل في الحد الجنوبي للبلاد والفخر الوطني الكبير الداعم لهم لما شعر أحد في السعودية أنها دولة تخوض حرباً عسكرية وتعيش صراعات إقليمية طاحنة في سلسلة أزماتٍ متتابعة.
يعلم الجميع أن المنطقة تشهد مشاريع ثلاثة تصطرع فيما بينها، المشروع الطائفي الإيراني والمشروع الأصولي التركي القطري والمشروع العربي المعتدل الذي تقوده السعودية وحلفاؤها من الدول العربية، وهذه لحظة تاريخية كاشفة يمكن أن يستشف منها الجميع أين يتجه كلٌ من هذه المشاريع.
السعودية عضو فاعل في مجموعة العشرين التي تجمع أهم وأكبر اقتصادات العالم، وهي ستستضيف القمة القادمة للمجموعة وهي تتمتع بعلاقاتٍ وطيدة مع هذه الدول الفاعلة، وهي بشهادة الجميع دولة فتية جامحة باتجاه المستقبل وصناعته والتأثير فيه والأرقام الدولية والإحصائيات المعلنة والمؤشرات الكبرى في العالم تحكي جميعها حجم النجاحات التي تم تحقيقها وحجم الطموحات التي تسعى إليها وقوة التحالفات التي تعتمد عليها، وهي شريك مهم على المستوى الدولي في نشر التنمية ودعم استقرار الدول وبث السلام.
أما المشروع الإيراني الداعم للإرهاب والناشر للطائفية فهو يرزح تحت عقوباتٍ أميركية قاسية وغير مسبوقة منذ سيطرة النظام الحالي على مقاليد الحكم في إيران لأربعة عقودٍ كاملة، وهو نظام يذوي ويضعف تحت نير العقوبات ويسعى بكل ما يستطيع لإشعال الحروب وخلق الفتن ودعم استقرار الفوضى في كل الدول التي أنشأ فيها ميليشيات تابعة له تنشر الموت والخراب في بلدانها وتقتل شعوبها باسم الله واسم الآيديولوجيا المتطرفة تحت شعارات التوسع وأوهام بسط النفوذ، والأمثلة واضحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هذا المشروع الإيراني أثبت للجميع حول العالم أنه لا ينتمي للعالم الحديث ولا يقيم اعتباراً للقوانين الدولية والمؤسسات الأممية، فهو ينتمي للماضي لا للحاضر وهو أعتى نظام قمعي يعرفه التاريخ المعاصر، بل إنه لا يوجد نظام معاصر ينشر القتل والدماء كل يوم في المنطقة والعالم مثلما يفعل هذا النظام المارق.
رأس النظام خامنئي هو هتلر العصر الحديث كما صرح سابقاً ولي العهد السعودي، هو هتلر بتعصبه وطائفيته وعرقيته ودمويته، هو هتلر بسياساته واستراتيجياته واعتماده الإرهاب والعنف والتدمير والتخريب سبيلاً وحيداً لتحقيق أحلامه التوسعية وبناء الإمبراطورية الفارسية البائدة من جديد غير آبهٍ بالشعب الإيراني الذي يعبث بمقدراته ويخضعه لأقسى درجات الفقر والديكتاتورية.
المشروع الثاني هو المشروع الأصولي التركي القطري الداعم لجماعات الأصولية والإرهاب كجماعة «الإخوان» وتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وهذا المشروع باتت خسائره واضحة على المستوى الإقليمي، فالسودان تخلّص من حكم «الإخوان المسلمين» الممتد لثلاثة عقود وهو يفتش عن مستقبل أفضل لدولته معتمداً على جيشه وشعبه والتوافقات المدعومة من الدول العربية الشقيقة وقد رفض استقبال مسؤولين قطريين وقرر طرد المحتلين الأتراك من جزيرة سواكن وهو يتجه للعودة مجدداً لعمقه الاستراتيجي العربي.
قطر ترزح تحت مقاطعة صارمة من دول «الرباعي» العربية، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهي تخسر في كل يومٍ واقتصادها يتضعضع وشعبها قلقٌ وغير راضٍ عما ترتكبه قيادته من جرائم في حق الشعوب العربية بدعمها اللامحدود لجماعات الأصولية والإرهاب، وهي قيادة مهما كابرت أو اعتمدت العناد الاستراتيجي فإنها ستخضع في النهاية، وهي تعيش أزمة حقيقية اليوم بسبب الأزمة الشديدة التي تتصاعد بين النظام الإيراني الذي تدعمه الدوحة وبين الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر قاعدتين عسكريتين في قطر، وصانع القرار هناك في حيرة شديدة تزيدها خسائره في كل الدول العربية التي تدعم الدوحة الفوضى والإرهاب فيها.
أما في تركيا فالصورة أوضح في الخسائر المتتالية داخلياً وخارجياً، فالعملة شبه منهارة والاقتصاد متضعضع والشعارات الرنانة لم تعد تعني المواطن التركي الذي بدأ يخسر قوت يومه بسبب تلك الشعارات والسياسات التي تسعى لاستعادة الخلافة وتتحالف مع جماعات الإسلام السياسي وتعادي كل دول الإقليم باستثناء النظام الإيراني.
داخلياً، المؤشرات كثيرة، فالفوز الساحق لحزب الشعب الجمهوري في انتخابات إسطنبول كان بمثابة الزلزال لإردوغان، والانشقاقات عن حزب إردوغان والنقد اللاذع الذي يقدمه بعض رموز الحزب يوضحان حجم التململ الحزبي من تفرد إردوغان برأيه واستخدامه لسياسات ديكتاتورية ضد خصومه السياسيين ملأت السجون ونشرت الرعب واستخدمت القتل ضدّ المواطنين الأتراك والسياح الأجانب على حدٍ سواء.
هذه السياسة هي أحد الثوابت في تفكير الرئيس التركي، فهو انقلب من قبل على معلمه وأستاذه نجم الدين أربكان ثم انقلب على معلمه وأستاذه فتح الله غولن ثم انقلب على رفيق دربه عبد الله غل وعلى أحمد داود أوغلو وعلى غيرهم، ويبدو أنه عاجز عن الخروج من وهمه الكبير بأنه سيصبح خليفة للمسلمين يعيد طغيان العثمانيين وجرائمهم فيما يحسبه مجداً لتركيا.
وخارجياً، فهو يتبع سياسات أضرت كثيراً بتركيا ومصالحها وعلاقاتها، فالعالم يعرف أنه أكبر داعمٍ ومستفيد من تنظيم «داعش» الإرهابي، وأنه تلاعب بدماء السوريين وهو المشرف اليوم على نقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا وهو المطرود من السودان، وهو المهدد بعقوبات أميركية وربما بالخروج من حلف شمال الأطلسي، وهو تحت ضغوطٍ هائلة من الاتحاد الأوروبي.
أخيراً، ما يثبته المشروع السعودي العربي للاعتدال هو أن الدول يمكن أن تنجح بالتنمية والسلام والاتجاه للمستقبل دون الاعتماد على الطائفية والأصولية والإرهاب، وتكون فخورة بإنجازاتها ورؤيتها ونجاحاتها.