بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

إنصاف أزهري للمرأة والإسلام

أثار تدخل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في شأن سوء فهم البعض لمعنى السماح بتعدد الزوجات، من الجدل ما هو مفهوم الغرض، سواء من حيث الحرص على توضيح مقاصد التدخل، وهو أمر مطلوب، أو لجهة تسرّع ذوّي منهج التنطع في رفض أي اجتهاد، بصرف النظر هل المقصد طيّب النيّات، أم هو خبيث الأهداف، وربما لمجرد اتخاذ موقف مناوئ من شخص المجتهد في الأمر، بلا اكتراث إذا كان هدف الرجل توضيح التباسٍ لما فيه صالح الناس، وعموم المجتمع، بلا أي مساس بحرفية النص، وهو ما أراده شيخ الأزهر.
المتأمل في أساليب تطبيق تعدد الزوجات من قبل البعض، بمشارق العالم الإسلامي والمغارب منه، يستطيع القول، بلا كثير تردد، إن ما أقدم عليه الشيخ الدكتور أحمد الطيب هو إنصاف ليس للمرأة فحسب، بل للإسلام ذاته، إزاء ما لحق به من تشويه أدى إلى أوجه ظلم عدة، بينها إجحاف رجال مسلمين بحقوق نسائهم المسلمات، وغيرهن، بزعم أن الإسلام أتاح لهم من ظلمات الظلم ما أباح غير مجال من مجالات إمتاع الذات، وإرضاء الشهوات، بلا وازع من ضمير، أو أي رادع اجتماعي، أو حتى شرعي.
لم يتوقف تعرض نساء كُثر في العالم الإسلامي للظلم فقط عند سوء فهم البعض، لشروط رخصة السماح للرجل باتخاذ أكثر من زوجة - وأحياناً جرى، ويجري، الإخلال المجحف بمعنى الرخصة القرآنية رغم المعرفة - بل تعداه إلى أكثر من ذلك.
إنما، مقابل ترحيب الكثيرين، شخصيات وجمعيات ومؤسسات، واجه الموقف الأزهري من جانب نشطاء التنطع والتعصب على موقع «تويتر»، وغيره مما شابهه، من التهجّم ما يدل على جهل فاقع، وينبئ عن مدى تفشي سطوة «رويبضة» هذا الزمان، وعلى وجه الخصوص لجهة توظيفهم ثورة تقنيات الاتصال في الحيلولة من دون الأخذ بكل ما يواكب العصر. الواقع يبيّن بوضوح أن ما نُشر من تافه التهجم على شخص الدكتور أحمد الطيب، من جانب أشخاص ليس لأحدهم القدر الضئيل من عِلم حامل مسؤولية منصب شيخ الجامع الأزهر، في علوم الفقه والشرع، دليل أن مواقع على «الإنترنت» تعين الجهلاء على نشر جهل يُراد منه شد العالم الإسلامي نحو التخلف.
الواقع يقول إن كل متابع للإعلام الغربي، يعرف أن «الإجحاف بحقوق المرأة» في المجتمع المسلم، شعار مرفوع للاستخدام عند الحاجة إليه، وما أسهل أن يُتخذ ذريعة للتقليل من أهمية أي تقدم يتحقق على أي مسار في أي من دول العالم الإسلامي. من هنا، يأتي توضيح الدكتور أحمد الطيب للشروط المقيّدة لاتخاذ المسلم أكثر من زوجة، في وقت تشتد فيه حملات تستهدف أوجه التسامح في الدين الحنيف، وتتخذ من بعض المواقف السلبية تجاه المرأة المسلمة مدخلاً لتلك الحملات. يعزز من أهمية موقف شيخ الأزهر، مساندته من جانب الشيخ الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، والإسهام من قبله في توضيح الفرق الكبير بين «قوامة» الرجل لجهة تحمل مسؤولية شؤون الأسرة، مشاركة مع الزوجة، وبين «تسلط» رجال كثيرين على زوجاتهم أو المرأة عموماً، من منطلق القوامة.
يبقى تسجيل ملاحظة أن الفزعة الأزهرية في إنصاف المرأة إزاء تعدد الزوجات في المجتمع الإسلامي، أتت في وقت يشهد تصدي البارونة سعيدة وارسي، البريطانية المسلمة ذات المكانة المتميزة في مجتمعها، التي ترأست حزب «المحافظين» بين عامي 2010 و2012، لاستخفاف حزبها بانتشار ظاهرة الموقف المعادي للمسلمين - «الإسلاموفوبيا» - سواء في المجتمع البريطاني ككل، أو في صفوف المحافظين أنفسهم، وذلك على غرار ما يواجهه جيريمي كوربين، زعيم حزب «العمال»، والحزب عموماً، بسبب أزمة «عداء السامية» داخل الحزب. بصرف النظر عن مدى الدقة، أو المبالغة، في الأمرين، «الإسلاموفوبيا» و«عداء السامية»، تبقى حقيقة أن سعيدة وارسي صوت نسائي مهم في بريطانيا يستحق التقدير.