مارك بوكانان
TT

تجاهل التغيرات المناخية خطيئة بشرية

أفاد تقرير حديث صادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، بأننا ربما قد فقدنا الفرصة الأخيرة المتاحة للمحافظة على درجة حرارة كوكب الأرض ضمن الحدود الآمنة لسلامة البشرية، الأمر الذي يستلزم الحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية فقط (أو 2.7 درجة فهرنهايت) خلال العصور ما قبل الصناعية. والقيام بذلك يعني التحويل الكامل لنظام الغذاء الذي تتبعه البشرية على المستوى العالمي، وكذلك الممارسات الزراعية المعتمدة، والبنية التحتية للطاقة عبر عقدين من الزمان فحسب، وهو الأمر الذي لن يحدث قط. وبكل تأكيد، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الاستخدام الكلي للنفط، والفحم، والغاز الطبيعي خلال العقود الثلاثة المقبلة على مستوى العالم.
ومن شأن تقرير اللجنة الحكومية الدولية للتغييرات المناخية أن يدرك المأزق الحالي على نحو واضح. إذ قال جيمس هانسن، أحد علماء وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية، مؤخراً إن الاحترار العالمي يتحرك على وتيرة التسارع، ويمكن أن نصل سريعاً إلى درجة 2.5 فهرنهايت من الاحترار العالمي في غضون 30 عاماً أو نحوها، وهو المعدل الأسرع بكثير مما كان متوقعاً لدى العلماء من قبل. ومن المرجح أن يفضي ذلك إلى حدوث فيضانات هائلة قد تتسبب في غرق المدن الساحلية في جميع أرجاء العالم، وانخفاض المحاصيل الزراعية بصورة هائلة، وحدوث هجرات بشرية ضخمة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سياسية عالمية وخيمة.
إننا في موقف غريب للغاية. فعلى الرغم من كل الأدلة الواضحة لدينا التي تفيد بأننا نتحرك على مسار متسارع نحو الكوارث المناخية المدمرة، يتصرف الجميع كما لو أنهم لا يصدقون من ذلك من شيء البتة. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من القوى الآثمة -ومن أمثلتها البارزة صناعة الوقود الأحفوري - التي تعمل على غرس الشك وعدم اليقين في نفوس الشعوب.
فلماذا الصمت المطبق في مثل هذه القضية المهمة؟

وتَظهر تيمة الانهيار العظيم أيضاً في كتاب صدر حديثاً للفيلسوف الفرنسي برونو لاتور تحت عنوان «نحو الأرض: السياسات في النظام المناخي الجديد»، وهو يشير إلى أن الجهود المبذولة اليوم لإنكار حقيقة التغيرات المناخية حول العالم قد نالت من الزخم الشيء الكثير منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، جنباً إلى جنب مع العولمة، والحركة العالمية الكبيرة لتحرير الاقتصادات من القيود المكبِّلة.
إن التفكير بمبدأ المكسب الكامل بشأن التجارة والتعاون الدولي يجعل من الإجراءات المناخية الملحة التي يحتاج إليها الجميع تبدو كما لو أنها ترفٌ لا يمكن لأحد تحمل تكلفته الباهظة.
لكن مما يبعث على الأمل هو الكتاب الذي نُشر مؤخراً بعنوان: «القصة الأصلية: التاريخ المُجْمَع لكل شيء»، من تصنيف المؤرخ الأميركي ديفيد كريستيان. وعلى عكس أغلب المؤرخين الآخرين، الذين تتركز أعمالهم حول الدول والفترات الموجزة من الزمن، يحاول المؤرخ كريستيان كتابة تاريخ البشرية وتاريخ الكون، ومن بين أهدافه إلى ذلك استعادة القصة الأصلية الملهمة ومعاودة نشرها بين الناس. ومن شأن مثل هذه القصة أن تدفع الناس إلى إدراك مدى التفرد الذي ننعم به في تاريخ الكون، وكيف أن المأزق الراهن الذي يحوم فوق رؤوسنا هو خطير للغاية وغير مسبوق بالمرة.
حضرتُ في الآونة الأخيرة محاضرة للمؤرخ كريستيان كان يحاول توصيف حالة الطوارئ المناخية بالكابوس الشديد. إذ تستيقظ لتجد نفسك وحيداً في قمرة قيادة طائرة «بوينغ 747» الضخمة، التي تقترب بسرعة فائقة من مدرج هبوط مظلم وغير واضح. ويتحتم عليك الهبوط بالطائرة، ولكنك تدرك في نفس الوقت جهلك التام بآليات عمل الطائرة، وأنه يجب عليك التعلم الفوري!
ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وعلى نحو مماثل، علينا التعلم خلال العقود القليلة المقبلة ما الذي يتعين علينا فعله، وكيفية تغيير ممارساتنا الحياتية المعتادة للوصول بكوكبنا إلى بر السلامة، على الجانب الآخر من المعضلة التغيرات المناخية المريعة. وإننا لا نعلم سوى القليل للغاية عن ذلك الأمر الآن.
ومن أكبر المشكلات التي تواجهنا حالياً: أن كوكب الأرض هو أكثر تعقيداً بمراحل من آليات عمل الطائرة 747 الضخمة!
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»