إن فكرة جعل الفساد قضية لم تكن دائماً بالاستراتيجية الناجحة.
ففي القرن التاسع عشر، كان غالبية الفساد في الولايات المتحدة مقتصراً على ابتزاز المال والرشاوى والعمولات السياسية في المدن سريعة النمو. ورغم ذلك، لم يثرِ هذا النوع من الفساد سوى حفنة ضئيلة من الساسة وداعميهم من الأثرياء. وبدلاً من ذلك، فقد غرست الآلة السياسية الولاء في رؤساء المقاطعات وفي القادة وفي الناخبين بتوزيع الوظائف بالمحسوبية وإبرام العقود الحكومية وتقديم الرشاوى وغيرها من أساليب التحفيز غير المشروعة.
وعلى الرغم من أن تلك المكاسب غير المشروعة لم تذهب إلى مكانها الصحيح، فإن علاقات المقايضة تلك لم تعد بالفائدة على عضو واحد في الكونغرس. ونتيجة لذلك، لم يهرع الناخبون لمعاقبة المسؤولين الفاسدين، فقد كان هناك الكثير من مكاسب الفساد في الآلة السياسية.
لم يؤدِ الفساد في أعلى المستويات الحكومية إلى نتائج جوهرية في الانتخابات أياً كانت الأسباب.
على سبيل المثال، فقد تورطت إدارة أولسيس غرانت، الرئيس الثامن عشر للولايات المتحدة، في العديد من الفضائح، لكن هل عاقب الناخبون الحزب الجمهوري؟ لا لم يحدث، فقد كانت خسارة الحزب الجمهوري للانتخابات في الانتخابات الفصلية عام 1874 بسبب قدرة الحزب الديمقراطي المتزايدة على قمع أصوات الناخبين السود في الحزب الجمهوري في عصر إعادة العمار.
ومن ضمن الأسباب التي ساعدت في ذلك أيضاً أن الناخبين نادراً ما جعلوا من الفضائح القومية سبباً لتوجيه أصواتهم تجاه هذا الناخب أو ذاك. لكن ذلك تغير في القرن العشرين بسبب ما يعرف بتأميم السياسة.
في السابق، كان من الصعب أن ترى حزباً كاملاً على أنه مذنب، لكن خلق أسواق الإعلام الوطني ومركزية السلطة السياسية في واشنطن ساعد في جعل هذا التغيير ظاهراً.
وفي الوقت ذاته، فقد كان تراجع الآلة السياسية سبباً في تجريدها من مؤسساتها الإيجابية. وجعلت هذه التغييرات المرتبطة، الساسة الفاسدين، أكثر عرضة للناخبين الغاضبين.
وقد وجد طالبان ممن درسا تلك القضية أنه منذ ثلاثينات القرن الماضي وما بعدها، فقد «تورط في الفساد بعض من المسؤولين الأنانيين الذين لم يعملوا قط للصالح العام».
وإن كان في السابق هناك ناخبون يسعون للحصول على قطعة من الكعكة، فإنهم الآن يعاقبون المسؤولين في صناديق الاقتراع.
وقد أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت على سياسات القرن العشرين أن المرشحين يعانون كثيراً عند محاكمتهم بتهم الفساد.
وبصفة عامة، فإن هذا البحث أظهر أن المسؤولين الذين يتهمون بالفساد أثناء وجودهم في السلطة تتراجع نسب الأصوات التي يحصلون عليها في الانتخابات بنسب تتراوح بين 5 - 15 في المائة، وفق خطورة الاتهامات الموجهة إليهم.
لكن هذه العقوبات تظل محصورة في نطاق شخصي، فهل يمكن أن تطال الاتهامات الحزب. لقد أظهر التاريخ أن هذا وارد الحدوث، رغم عدم كثرة الأدلة الحاسمة في هذا الشأن.
الحالة التي نحن بصددها هنا هي الانتخابات الفصلية التي جرت عام 1974 عندما جاءت فضيحة الرئيس ريتشارد نيسكون واستقالته من منصبه، التي أعقبها العفو المثير للجدل الذي منحه الرئيس جيرالد فورد، لتتسبب في حركة ارتدادية ضد الحزب الجمهوري.
في تلك الانتخابات، أطاح الديمقراطيون بنحو 49 في المائة من الجمهوريين في مجلس النواب، ليحصلوا على الأغلبية، ناهيك عن التقدم الكبير الذي حققوه في مجلس الشيوخ أيضاً. لكن تبين أن تلك المكاسب كانت واهية في السنوات التالية.
وفي الفترة الرئاسية الأولى لبيل كلينتون، رد الجمهوريون الجميل بأن استغلوا فضيحة الفساد المالي التي تورط فيها الحزبان، وتمكنوا من جعل الناس يصبون جام غضبهم على الحزب الديمقراطي. ومع بعض القضايا الجوهرية الأخرى مثل إصلاحات قانون الرعاية الصحية، تمكن الجمهوريون من إبعاد الديمقراطيين عن مجلسي النواب والشيوخ، وفي الوقت نفسه الحصول على غالبية المناصب الحكومية في خريف 1994.
*بالاتفاق مع بلومبيرغ
7:2 دقيقه
TT
هل الفساد يهم الناخبين؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة