ليونيد بيرشيدسكي
TT

أميركا وتركيع الاقتصاد الروسي

تتطور سياسة العقوبات الأميركية ضد روسيا محاولة دفع الكرملين للمسير في المسار المرغوب فيه لأجل إلحاق الحد الأقصى من الألم. وهذا منحدر زلق للغاية، ولقد حان الوقت للنظر في العواقب الأكثر تطرفا بالنسبة إلى روسيا، فضلا عن الولايات المتحدة وحلفائها.
خلال جلسة استماع اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ مؤخراً، جرت محاورة مقنعة بين السيناتور جون كيندي الديمقراطي وكبار مسؤولي ملف العقوبات في إدارة الرئيس ترمب.
وطالب السيناتور كيندي بمعرفة ما سوف يفعلونه إذا أمرهم الرئيس بتركيع الاقتصاد الروسي. ولم تصدر عنهم أي إجابات صريحة في هذا الصدد، وقالوا بدلا من ذلك إنه ينبغي تقييم تداعيات هدف كهذا، وإن العقوبات الحالية صارمة بدرجة كافية. وأصر السيناتور كيندي، العصبي وقتذاك، قائلا: «لكن الاقتصاد الروسي لم يركع حتى الآن!».
ويسهل تفهم مدى إحباطه. لقد قالت الولايات المتحدة إنها فرضت العقوبات على روسيا، أو قالت إنها سوف تفعل ذلك، ردا على سلسلة من الإجراءات الروسية: ضم شبه جزيرة القرم، وتأجيج التمرد الموالي لموسكو في شرق أوكرانيا، ومحاولة اغتيال الجاسوس السابق في المملكة المتحدة، وسلسلة موثقة من الهجمات الإلكترونية.
وقالت وكيلة وزارة الخزانة الأميركية سيغال ماندلكر في شهادتها أمام اللجنة إنها تعتقد بأن المغامرة الروسية قد نالت حظها من الآلام الاقتصادية التي أسفرت عنها العقوبات.
ومن الواضح، أن الإجراءات الأميركية باتت مصدرا للإزعاج على عدة مستويات. فلقد تسببت في انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي لم تتعافَ روسيا منها تماما رغم النمو الاقتصادي الأخير الذي حققته. وشهدت بعض مشاريع الطاقة الضخمة انتكاسات لبضع سنوات على أقل تقدير. ثم هناك الأضرار التي لحقت بالأثرياء الروس وشركاتهم. ومن غير الواضح كم من أصولهم الخارجية خضع للتجميد بفعل العقوبات، ولكن تقرير وزارة الخزانة الأميركية الصادر إلى الكونغرس خلال الشهر الجاري يضع ذلك الرقم في مئات الملايين من الدولارات داخل الولايات المتحدة وحدها.
ولكن الموقف الروسي متعنت للغاية، وفي ظل غياب أي خطوات متخذة من قبل بوتين يمكن تفسيره بأنه عرض من عروض السلام، ويعكس أن الكرملين غير مستعد لمنح الولايات المتحدة أي سبب للتراجع. وهذا يخلق إغراء في واشنطن لممارسة مثل هذه الضغوط الهائلة.
وفي الأوضاع الأكثر تطرفا، يمكن لواشنطن فرض نفس نوع الحظر المفروض على إيران. ومن شأن ذلك أن يجعل من المستحيل على أي شركة كانت لها علاقات مع الولايات المتحدة أن تتعامل مع روسيا.
حتى أكثر الصقور تطرفا لا يفكرون في اعتبار النفط والغاز الطبيعي جزءا من هذا الخيار الصارم. حيث إن روسيا هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وتنتج ثلاثة أضعاف النفط الخام الذي تنتجه إيران. والدفع بروسيا خارج أسواق النفط العالمية من شأنه أن يثير أزمة طاقة عالمية.
يتحرك مشروع قانون مجلس الشيوخ الأميركي في حدود الممكن من دون الانتقال بالأوضاع إلى حافة الكارثة.
ومن المرجح للمزيد من القيود الإضافية على صناعات الطاقة والتكنولوجيا الروسية أن تعني الانتقام بالنسبة للشركات الأميركية العاملة في البلاد. والشركات الخمسون الكبرى، ومن بينها شركة فيليب موريس الدولية، وشركة بيبسي كولا، وشركة بروكتر وغامبل تملك مبيعات تقدر بنحو 16 مليار دولار في روسيا، وذلك وفقا لمجلة فوربس الطبعة الروسية. وتردد الكرملين كثيرا في إعلان الحرب على هذه الشركات حيث كانت الإدارتان الأميركيتان الأخيرتان في الولايات المتحدة تستخدمان الحد الأقصى من القوة الاقتصادية ضد قطاعات الطاقة والمالية في روسيا.
ومع نظر الولايات المتحدة في أمر شن الحرب الاقتصادية الشاملة، فهناك سؤالان استراتيجيان لا بد من الإجابة عليهما أولا: من لديه الرغبة الأكيدة في الحصول على أي تنازلات كانت من حكومة فلاديمير بوتين على الإطلاق، وما مدى استعداد الراغبين في الانتظار؟
على صعيد الاقتصاد الكلي، فإن روسيا، في ظل معدلات البطالة التي انخفضت إلى مستويات قياسية، والتضخم المتواضع، و400 مليار دولار من الاحتياطيات الدولية، من غير المحتمل لها أن تنهار قريبا.
وإن تم فرض الحد دون الأقصى من الألم، يمكن لروسيا تدبير أمورها لعدة سنوات مقبلة مع النمو الاقتصادي المنخفض نسبيا. وهذا هو الأساس في حسابات السيد بوتين. وهي تنذر بسوء فيما يتعلق بالاتجاه الحالي لسياسات الولايات المتحدة الخارجية. فإن تسببت واشنطن في أكبر قدر من الألم ضد موسكو – ولم يتغير من شيء – فسوف يكون بمثابة الإخفاق المؤلم للقوة العظمى.
* بالاتفاق مع بلومبيرغ