حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

العقوبات ضد إيران مختلفة وقاتلة

تستعد إيران لموجة عنيفة من العقوبات الاقتصادية الأميركية التي وُصفت بـ«المؤلمة» و«غير المسبوقة».
المدافعون عن النظام الطائفي في إيران سارعوا بالقول إن هذه العقوبات لا جديد فيها، وإن إيران «تعودت» على العيش معها لعقود من الزمن. إلا أن اليوم غير الأمس. إيران موجوعة من الداخل قبل أن تكون موجوعة من عقوبات الخارج. البطالة في أوساط الشباب أسفرت عن خروج مظاهرات حادة ومتواصلة في أكثر من مائة مدينة وقرية، وكانت المظاهرات تندد بطغيان المرشد وحاشيته والفساد المستشري في كل مرافق النظام والحرس الثوري التابع له.
لقد ملّ الشباب الإيراني من شعارات الثورة الزائفة التي لم تحقق لإيران سوى الدمار الاقتصادي وبطالة غير مسبوقة، وعداءات مع جيران إيران ومحيطها الإقليمي. العملة الإيرانية في حالة انهيار تام، والتضخم في حالة انفلات والسلع انفجرت بالغلاء الهائل. الشركات الأجنبية تنسحب تباعاً خشية العقوبات، والضربات الأكثر إيلاماً أثّرت في قطاعات الطيران والنقل والسيارات والنفط نظراً إلى انسحاب وإلغاء الشركات الغربية الكبرى وجودها في السوق الإيرانية وخروجها التام من التزاماتها فيها. الشروط القاسية جداً وغير المسبوقة التي وضعتها الولايات المتحدة على النظام الإيراني لرفع العقوبات الاقتصادية عنها إذا قبلت بها إيران، ستكون فعلياً وعملياً التخلي التام عن مبادئ وقواعد الثورة التي قام عليها نظام الملالي، وهذا يعني حقيقة نهاية نظام ولاية الفقيه.
ولذلك على الأرجح، وإيران تدرك أن حجم الخطر هذه المرة «وجودي»، وخصوصاً مع وصول الاحتجاجات إلى مدن محورية مثل شيراز ومشهد وأصفهان وقم، أن تحاول إيران بذل قصارى جهدها في أن تجر أميركا إلى طاولة المباحثات، وتمديد وكسب أكبر قدر ممكن من الوقت حتى تضمن نهاية حقبة الرئيس دونالد ترمب ورحيل إدارته، عملاً بعقلية مباحثات «البازار» في المفاوضة والمساومة على البيع والشراء والأسعار، ولكن المظاهرات تكبر وتتسع والأزمة في الداخل الإيراني أشبه ببركان يستعد للانفجار ولا يحتمل التأخير ولا التأجيل، وأميركا لن تقبل برفع أيٍّ من العقوبات أبداً إلا بالتوقيع على اتفاق جديد فيه الشروط التي طلبتها وأصرت عليها. عداد التنازلات بدأ بالنسبة إلى إيران لمواجهة ساعة الصفر. وهذا يفسر سياستها الحالية في المنطقة وهي أنها تنوي هدم الهيكل على من فيه بأسلوب عليَّ وعلى أعدائي، وهذا واضح من الارتباك الذي تحدثه في العراق بسحبها دعم الكهرباء والماء وإدخالها البلاد هناك في حالة ارتباك مفاجئ كوسيلة ضغط خطيرة، وما تفعله أيضاً في لبنان برفض تنظيم حزب الله الإرهابي وهو ذراع ولاية الفقيه في المنطقة، وتشجيعها للحوثيين في اليمن على رفض كل حوار وكل اتفاق سياسي ممكن.
هناك استشعار للخطر في إيران، فالعقوبات هذه المرة غير مسبوقة، والعالم لن يعادي أميركا لأجل نظام طائفي مشبوه وداعم للإرهاب. ملف إيران بات «ثقيلاً» وعلاقته بدعم الإرهاب لم يعد من الممكن إخفاؤها. غليان إيران الذي يحصل الآن ليس بمسبوق، فهو هدم وتآكل لإمبراطورية بُنيت منذ عام 1979 بشعارات دينية وثورية لتبني بيتاً هشاً من ورق، اعتمدت فيه على العصابات المسلحة لتبتزّ الغير في الخارج والداخل.
اقتصاد إيران يواجه الآن الرمق الأخير لأن هذه العقوبات «مدروسة» بشكل دقيق، وتصيب النخاع الشوكي لاقتصاد البلاد في عملة التداول، الدولار الأميركي، الذي سيكون ممنوعاً عليه التداول بها وفي القطاعات الأساسية له. العقوبات السابقة ضد إيران كانت قوية، أما الجديدة فهي قاتلة. الاقتصاد وليس السياسة هو الذي يجبر الدول على التغيير، وفي إيران كل السيناريوهات مفتوحة ومحتملة.