رسالة رمضان بالنسبة إلي أنا كوليد توفيق التي تعلمتها من والدي ومن أهلي، هي أن هذا الدين هو دين المحبة والعطاء والزكاة والصيام، ورمضان هو شهر حتى يبقى الإنسان على نفس التعاليم إذا أمكن طوال السنة.
هو ليس فقط صياما عن الأكل، لكن عن أمور كثيرة أهمها أن يحس الصائم بكل إنسان جائع وعاجز. ماذا أتذكر من رمضان؟ أتذكر كل شيء فيه حب ومحبة. نبدأ بالعائلة، أحلى ذكرياتي كانت عندما يوقظنا الوالد لتناول السحور، عندها تجتمع العائلة على طاولة واحدة. وأحلى ذكرياتي أكلات الوالدة المميزة التي تطبخها ونحن صائمون. كنت أحب المجدرة والفتوش واللحم بالعجين، وكنت أحب أيضا أن أهرب من البيت وأذهب إلى أسواق طرابلس القديمة التي ما زلت أتذكرها. الأرض التي كانت تغسل بالماء لتوفر الإنعاش للمارة، وساحة التل التي كانت مثل اللوحة وساعتها الأثرية ومحلات الحلاب والعرجا للحلويات. والناس كلها تتسوق وتشتري الأغراض لأهلها. كنت أحب التمشية في هذه الأسواق في رمضان.
رمضان أفادني كثيرًا. كنت أسمع الوالدة تردد التواشيح الدينية. وكان الناس يمشون في الأسواق ويقرأون الآيات القرآنية والتواشيح مع الطبول وحلقات الذكر، ويتجمعون في المقاهي الشعبية ويتابعون التلفزيونات التي كانت بالأبيض والأسود.
إلى أن انتقلت إلى عالم الشهرة، طبعا كل هذه الطقوس لم أعد أستطيع ممارستها باستثناء يوم أو يومين في الشهر، لكن الله عز وجل أعطاني فرصة أن أتعرف على رمضان في كل العالم العربي.
في سوريا كان رمضان له طعم خاص، خصوصا بالنسبة للأكلات المميزة من المطبخ الشامي والمطبخ الحلبي. وفي مصر ميزة غير موجودة في بقية العالم العربي، وهي الحفلات التي كانت تجرى في رمضان.
عندنا كانت الحفلات تقتصر على التواشيح الدينية والموالد والناس تجتمع في المقاهي يغنون أشياء كلها مديح للرسول، صلى الله عليه وسلم، لكن في مصر والمغرب وتونس كانت تجرى حفلات غنائية في هذا الشهر الفضيل.
رمضان في بيروت تغير وبدأ موضة دارجة اسمها الأرجيلة، حتى حفلات المهجر في أستراليا وأميركا لا تقام إلا بوجود الأرجيلة.
طبعا رمضان لم يتغير، لكن تغيرت التقاليد. الشهر لا يزال شهر الخير والعطاء والتسامح والحب. العائلات لم تعد تجتمع معا كما كانت في السابق، وصاروا يكتفون بالمعايدة عن طريق الـ«واتس أب» والـ«فيسبوك». تغيرت بعض المعاني لكن يبقى الشهر هدفه واحدا.
ذكرياتي في رمضان أحاول دائما استرجاعها لكن أقول «اللي انطفى كان بيلمع واللي راح ما بيرجع»، لكن دائما نحنّ إلى الماضي وذكرياته بكل ما فيها من حلاوة وقسوة.
ومن ذكرياتي مع رمضان أنني كنت أحب أن أسجل دائما في هذا الشهر، فيقال إنه عندما يكون الفنان صائما ومعدته مرتاحة صوته بيجوهر أكتر.
وكنت دائما وما زلت أحب أن أقضي هذا الشهر في السعودية، حيث إني أزور قبر والدي رحمه الله الذي جاور الرسول سبع سنوات ودفن هناك، ولإتمام مناسك العمرة عن روح والدي ووالدتي رحمهما الله. غياب الوالدة كان له أثر كبير جدا، وفعلا كما يقال: «ماتت أمك ماتت دنيتك كلها»، وخصوصا في رمضان، أتذكر أخي الذي توفي وهو شاب، وأتذكر والدتي ووالدي، رحمهم الله جميعا.
ومن حلاوة رمضان أني أقابل أفراد الأسرة، خصوصا أولاد عماتي وخالاتي الذين كنت نادرا ما أقابلهم، خصوصا في بداية شهرتي، حيث كنت مشغولا بالسفر، لكن الآن أحاول أن أعوض ذلك.
أخيرا كل عام وأنتم بخير، ورمضان كريم، وأتمنى أن يعيده الله على الأمة العربية والإسلامية بالخير والبركة، وخصوصا على لبنان وسوريا والعراق وفلسطين.
* فنان لبناني
8:9 دقيقه
TT
في سوريا كان رمضان له طعم خاص
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
