في يوليو (تموز) 2007، كان الرئيس جورج دابليو بوش في المكتب البيضاوي يراجع خطابا عن تعزيز القوات في العراق، عندما بدأ بعض من مستشاريه في حثه على إضافة سطر يذكر فيه أنه يتطلع إلى سحب القوات الأميركية من العراق.
لم يتحمل بوش أيا من ذلك. وقال لنا بنبرة غاضبة: «يجب أن يتوقف الناس عن التفكير في فيتنام وأن يبدأوا في التفكير في كوريا». وأشار بوش إلى أنه في كل من آسيا وأوروبا، استمرت القوات الأميركية في المواقع ذاتها التي تركها بها هاري ترومان عندما انتهت الحرب هناك منذ نصف قرن – وقد وفر وجودنا المستمر مظلة أمنية سمحت بأن يسود الأمن وأن يظهر حلفاء ديمقراطيون. وقال إن الأمر كذلك بالنسبة للعراق وأفغانستان. لذلك توقفوا عن الحديث عن الانسحاب، وأضاف بوش: «سوف تظل قواتنا هناك لمدة 50 عاما».»
كان بوش مخطئا. في عام 2011، سحب الرئيس أوباما جميع القوات الأميركية من العراق وأعلن عن خطط للقيام بالشيء ذاته في أفغانستان في عام 2016. هدف أوباما الواضح هو التأكد من عدم وجود قوات أميركية في أي من الدولتين في الوقت الذي يغادر فيه منصب الرئاسة حتى يستطيع أن يُذكر في التاريخ بصفته الرئيس الذي أنهى حروب جورج دابليو بوش.
من الواضح أن أوباما يرى ذاته معارضا لبوش، ولكنه ليس بالشخص المعارض له. إنه معارض لترومان. لا يرفض أوباما التركة التي خلفها سلفه الجمهوري، بل يرفض إرثا واحدا من أعظم رجال الدولة الديمقراطيين في القرن العشرين.
مثل أوباما، واجه ترومان شعبا يريد أن يعيد القوات إلى الديار. ولكنه قاوم الضغوط بسحب القوات بعد الحرب العالمية الثانية، فظلت القوات الأميركية في ألمانيا لردع العدوان السوفياتي، وظلت القوات الأميركية أيضا في اليابان لتحقيق التوازن في مواجهة الصين الشيوعية. كما نشر قوات أميركية في كوريا لوقف العدوان الشيوعي، وأبقى عليها لتأمين خط عرض 38 بعد أن انتهت الحرب الكورية. وأصبح موطئ القدم العسكرية التي استقرت على القارتين أساسا للأمن في أوروبا وفي المحيط الهادي – مما أعطانا سبعة عقود من السلام.
تخيل كيف كان شكل أوروبا والمحيط الهادي سيكون لو سار ترومان على نموذج أوباما وسحب جميع القوات الأميركية من ألمانيا واليابان وكوريا. هل يتخيل أي شخص أن كوريا الجنوبية كانت ستكون دولة مستقلة وحليفا ديمقراطيا للولايات المتحدة، إذا لم تكن القوات الأميركية تقوم بحراسة المنطقة منزوعة السلاح منذ عام 1957؟ أو أن الحرب الباردة سوف تنتهي بالانهيار السلمي للاتحاد السوفياتي إذا لم تترك أميركا قوات أميركية منتشرة في أوروبا منذ عام 1945؟
يقول أوباما «حان الوقت لطي صفحة أكثر من عشرة أعوام ركزت فيها سياستنا الخارجية في الغالب على الحربين في أفغانستان والعراق».
بعد الحرب العالمية الثانية، علم ترومان أن الأميركيين يرغبون في طي الصفحة أيضا. ولكن عندما اختبر جوزيف ستالين عزيمة الولايات المتحدة بحصار برلين، لم يتردد ترومان. فأطلق جسر برلين الجوي لتوصيل الإمدادات إلى المدينة المحاصرة وإجبار السوفيات على التراجع. علم ترومان أن قلق الأميركيين من الحرب لا يعني أن أعداءنا قلقون منها كذلك – واستطاعت أفعاله أن تحرر غرب برلين.
اليوم، يحاصر إرهابيون إسلاميون العراق. أين هو القرار المكافئ لجسر برلين الجوي في حالة العراق؟
يقول أوباما إن «الوقت حان للتركيز على بناء البلاد في الداخل». بعد الحرب العالمية الثانية أراد الأميركيون التركيز على بناء البلاد في الداخل أيضا. ولكن علم ترومان أنه إذا فشلت الولايات المتحدة في القيادة، سوف يحل محل الطغيان النازي طغيان سوفياتي في أوروبا – وسوف يظهر تهديدا قاتلا للولايات المتحدة. لذلك أطلق ترومان خطة مارشال، التي كلفت ما يساوي 100 مليار دولار في الوقت الحالي. علم ترومان أن الخطة لن تحظى بشعبية وسوف تواجه معارضة قوية من الجمهوريين في الكونغرس. ولكنه أيضا عرف أنها سوف تنقذ غرب أوروبا من هيمنة السوفيات.
في نهاية فترته الرئاسية قال ترومان: «عندما يذكر التاريخ أن فترتي الرئاسية شهدت بداية الحرب الباردة، سوف يذكر أيضا أنه في ثمانية أعوام وضعنا مسارا يُمكننا من خلاله الانتصار فيها».
ليس إنهائها، ولكن الانتصار فيها.
وكما يحدث مع أوباما، بدأت شعبية ترومان في الانخفاض في فترته الثانية. ولكن بسبب القرارات الشجاعة التي اتخذها على الساحة العالمية، يُحسن التاريخ ذكر هاري ترومان. ولن يكون التاريخ كريما مع باراك أوباما إذا استمر في تحديد إرثه بسحب القوات، وليس الفوز في الحروب.
* خدمة «واشنطن بوست»
TT
أوباما معارض لترومان
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة