فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

توجهات السعودية من أجل الإصلاح الديني

تعبر حوارات الأمير محمد بن سلمان عن الاستراتيجية الحاليّة التي تتبعها السعودية من أجل الخروج بالمنطقة من الأزمات والأعطال التي خسفت بها منذ بدء تصدير الثورة الإيرانية لآيديولوجيتها مروراً بآثار حربي الخليج وظرف الحرب على العراق وما تلاه من اضطرابات عاصفة تشكّلت على أثر كل ذلك الركام أجيال من المتطرفين والحانقين والساخطين، وأولئك هم وقود الحروب وهم بارود التمرد؛ ومن المعروف أن اضطراب العراق انعكس على المنطقة بشكلٍ كارثي على أثره انتعشت النسخة الزرقاوية من أصل «القاعدة» وهي قنطرة أبي بكر البغدادي لتأسيس «داعش»، ولم تكن تلك النبتات إلا نتاج أفكار وآيديولوجيات أهملت وتركت، حتى وإن جُرّم بعضها أو حوسب بعض رموزها، غير أن تركها منطلقة لم يكن قراراً حكيماً على الإطلاق.
حينها اعتبرت السعودية ممثلة بولي العهد أن الحركة الإخوانية ووليدتها السرورية وبشكلٍ أعم «الظاهرة الصحوية» هي أساس انتعاش العنف، وبالتالي لا بد من وقفة حازمة حاسمة تكون بها الظاهرة الإرهابية إلى زوال، وقد كان لذلك الهدف المستقبلي عدة طرق. تمت المواجهة الخارجية ضد الإرهاب عبر الاشتراك بالتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، ومن ثم شن الحرب على الحالة الحوثية الانقلابية باليمن، وهذه الحرب من أسس تحصين السعودية من العنف والآيديولوجيا الإرهابية؛ والتحالف بقيادة السعودية لا يحارب الحوثيين فقط، بل يستهدف بشكلٍ مستمر تنظيم «القاعدة» هناك. ثم جمّدت العلاقات مع إيران باعتبارها راعية للإرهاب الدولي، والحاضنة لقادة تنظيم «القاعدة»، وامتدت العقوبات إلى قطر الداعمة الكبرى لتنظيم «الإخوان»، ومنصة بث أشرطة تنظيم «القاعدة» وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري، والداعمة لكل حراك انفصالي بالمنطقة من الحوثي إلى «حزب الله» وتنظيم «القاعدة» وحركة «حماس» وحركة «طالبان»، وهذا كان التتويج للعمل المحصّن للسعودية ودول الاعتدال من الإرهاب.
المجال الآخر الالتفات إلى المؤسسات الدعوية في الداخل، لتعديل أدوارها، وتغيير أنماط نشاطها لتتواءم مع المرحلة السعودية الجديدة ممثلة بالرؤية، ومن ذلك استخدام الأساليب الإرشادية والدعوية الترغيبية وصياغة مناهج دعوية تعنى بالتسامح والتعايش مع الآخر، وذلك انطلاقاً من توجيه الأمير محمد بن سلمان بضرورة صناعة أجيال تتعايش مع الأديان والمذاهب والحضارات، وهذا دور الدعوة ومؤسساتها بحكم إدارتها لأكثر من مائة ألف مسجد، وعبرها تبث هذه الرؤى الحاثة على الخيرية للبشرية والتعايش الإنساني والأخذ بمقاصد الشريعة وروحها والتفهم للتعددية في الاختيارات الفقهية والتوجهات الفكرية.
أما الساحة الأكثر سخونة هذه الأيام فهو التعديل على حركة التعليم، فبعد أسابيع من تصريح وزير التعليم السعودي أحمد العيسى حول الهيمنة الإخوانية في فترة مضت ودورهم في تأليف المناهج والنفوذ على «سيستم التعليم»، تحدث في 19 أبريل (نيسان) بتصريحين لافتين؛ أحدهما ضرورة إدخال مواد للحوار واحترام الرأي الآخر لمناهج التعليم. ثم وجه المعلمين بتجنب الصراعات الفكرية والاهتمام بالتدريس والالتزام بمحتوى المناهج، وخصّ التوجيه بعض المعلمين ممن يشغبون بوسائل التواصل الاجتماعي ويقومون بأدوارٍ ليست من مهامهم. تلك رؤى طيبة، غير أن المحاربة المنظمة الشاملة للفكر الإخواني ونسخه السرورية والصحوية أمر في غاية الأهمية، ولذلك يتوجب تشكيل لجانٍ تعنى بتقييم صلاحية المعلمين للتحكم بعقول الطلاب، وكذلك تمشيط المناهج التعليمية من جديد، ويمكن وضع مراقبين من جهاتٍ أمنية وفكرية وتربوية وسياسية لتعديلها أو تغيير بعضها وذلك لكنس مرحلة الهيمنة الإخوانية التي أشار إليها الوزير بتصريحاته.
وعليه، فإننا أمام معركة وجود، ولذلك وجب علينا خوض كل حالة التغيير هذه داخلياً وخارجياً، وهذا المشروع التصحيحي متكامل ومتوازن، فلا تناقض بين خوض حرب باليمن وصناعة ترفيه بالسعودية وتغيير خطابٍ ديني، وقيادة إصلاح تعليمي، فبهذه الطريقة نخوض التحديات الكبرى لنصارعها ولنهزمها...
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا
وموج المنايا حولها متلاطم