سرّب محلل البيانات الكندي كريستوفر وايلي، أخيراً، معلومات مثيرة وغاية في الخطورة عن تورّط شركة استشارات سياسة في التأثير على آراء الناخبين وفقا لملفاتهم في الشبكات الاجتماعية، وذلك خلال الانتخابات الأميركية السابقة واستطلاع الرأي الخاصة بالاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن خلال ما قاله وايلي، كان بين الأطراف الضالعة في الفضيحة - بجانبه - كل من شركة «كمبريدج آناليتيكا» البريطانية والمجموعة المالكة لها «إس سي إل»، وستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وألكساندر نيكس المدير الحالي لـ«كمبريدج آناليتيكا»، والملياردير روبرت ميرسر أحد كبار داعمي الرئيس ترمب و«حزب استقلال المملكة المتحدة» UKIP، والباحث الروسي ألكساندر كوغان، وشركتا «أغريغيت آي كيو» الكندية و«بلاك كيوب» الإسرائيلية، ورئيس UKIP نايجل فاراج وشركة «فيسبوك».
ولقد طالب الكونغرس الأميركي ومجلس العموم البريطاني سماع إفادة وايلي، وكذلك مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك» حول ملابسات ما حدث، مع استمرار كشف وايلي المزيد من تفاصيل ما حدث إبان فترة عمله في «كمبريدج آناليتيكا».
فجّر الشاب الكندي كريستوفر وايلي Christopher Wylie مفاجأة «عالمية» من العيار الثقيل خلال شهر مارس (آذار) حول عملية تحايل على نظام «فيسبوك» بهدف سرقة بيانات ملفات ملايين المستخدمين للتأثير على رأي الناخبين الأميركيين إبان الانتخابات الرئاسية السابقة، واستطلاعات الرأي المتصلة بالاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن من هو هذا الشاب الذي أصبح اسمه متداولا بين ليلة وضحاها، وكيف استطاع الحصول على هذه المعلومات الخطيرة؟
- النشأة وبداية المسيرة
كريستوفر - أو «كريس» - وايلي شاب كندي يبلغ من العمر 28 سنة. والده هو الدكتور كيفن وايلي ووالدته الدكتورة جوان كاروثرز. ولقد نشأ في مدينة فيكتوريا عاصمة ولاية بريتيش كولومبيا في أقصى غرب كندا، لكنه مرّ بمرحلة صعبة في المدرسة، حيث أزعجه الكثير من الطلبة المتنمّرين، واعتدى عليه شخص مختل عقلياً عندما كان عمره 6 سنوات فقط، وأخفت مدرسته هذا الأمر ولكنه استطاع الحصول على تسوية بقيمة 290 ألف دولار كندي في العام 2000، وإبان طفولته شخصت معاناته من متلازمة عسر الكلام واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، ليترك المدرسة بسبب كرهه لها وغضبه من النظام التعليمي عندما كان لا يزال في سن الـ16 من دون أي مؤهلات تساعده في الحياة.
مع ذلك، عمل الشاب الموهوب العديم الخبرة مع السياسي الكندي الليبرالي السابق مايكل إغناتييف عندما كان عمره 17 سنة، وتعلم بعد ذلك علوم البيانات من كين ستراسما، الاستراتيجي السياسي للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ومن ثم علّم نفسه البرمجة عند بلوغه سن 19 سنة، واستطاع بفضل فطنته الواسعة الحصول على عمل في حزب الأحرار الكندي الليبرالي (الحاكم حالياً) كخبير رقمي قبل أن ينتقل إلى بريطانيا في سن العشرين، ويدرس الحقوق في إحدى أشهر جامعاتها، مدرسة لندن للاقتصاد.
عمل وايلي حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني في العام 2012، وساعد الحزب يومذاك في ترقية نظام قواعد بياناته وآلية استهداف الناخبين. واليوم يصف وايلي نفسه بأنه «نباتي، ومثلي الميول الجنسية، وينتمي إلى حزب الأحرار الكندي وحزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني».
- أول السلّم... صعوداً
عندما كان عمره 23 سنة، برزت أهميته حين سعى للحصول على شهادة في التنبؤ بنزعات الأزياء، واستطاع ابتكار طريقة تحلّل البيانات الضخمة والشبكات الاجتماعية لاستهداف الناخبين في الانتخابات. ومن ثم تعرف على مجموعة «إس سي إل» SCL التي أسست شركة «كمبريدج آناليتيكا» البريطانية للاستشارات السياسية. وبدأ حينذاك يفكر بكيفية استخدام ما يفضله الأفراد للتنبؤ بتصرّفاتهم السياسية، ولم يلبث أن عرض عليه ألكسندر نيكس، مدير شركة «كمبريدج آناليتيكا»، عملاً في الشركة وفرصة لتطبيق أفكاره الجنونية. وبالفعل، باشر وايلي العمل في الشركة التي كانت تعمل مع وزارات الدفاع الأميركية والبريطانية في مجال حروب البيانات، ولتبدأ عندها مرحلة «عمليات المعلومات» التي نالت إعجاب الاستراتيجيين السياسيين، بمن فيهم ستيف بانون.
بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب، كان حلقة الوصل بين «كمبريدج آناليتيكا» وحملة الرئيس الأميركي - إذ كان بانون يترأس «كمبريدج آناليتيكا» في السابق - التي يموّلها الملياردير اليميني المتشدد روبرت ميرسر، المؤيد لدونالد ترمب، إذ يعتبر ميرسر أكبر المستثمرين في «كابريدج آناليتيكا» بـ16 مليون دولار أميركي. ومن جهة ثانية، تعاون بانون مع باحث علوم نفسية روسي في جامعة كمبريدج البريطانية العريقة، اسمه ألكسندر كوغان، من خلال شركة الباحث «غلوبال ساينس ريسيرتش» Global Science Research التي قدّمت البيانات إلى «كمبريدج آناليتيكا». وما يزيد الأمر سوءاً أن كوغان هذا تعاون مع شركة نفط روسية مقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان بالادعاءات السائرة في الولايات المتحدة بأن الحكومة الروسية تلاعبت بالانتخابات لصالح ترمب، والذي قد يعني أن عملية انتخاب الرئيس الأميركي ليست شرعية.
- الصلة مع «فيسبوك»
وايلي ادعى أن «كمبريدج آناليتيكا» استغلت آلية في «فيسبوك» لجمع معلومات من ملفات الناخبين المستهدفين من خلال تطبيق خاص أطلقه الباحث كتجربة علمي، ثم تكوين ملف نفسي متكامل لكل منهم وفقا لما يحبّونه ويكرهونه من المنشورات ومّن هم أصدقاؤهم. وبعد ذلك بوشر العمل على إيجاد سبل للوصول إليهم والتأثير عليهم وتطوير الدراسات لتحليل بيانات الأفراد المستهدَفين في «فيسبوك» من خلال التطبيق الذي يتطلب الدخول إليه ما يعرف في عالم البرمجة بواجهة برمجة التطبيقات Application Programming Interface API.
هذا الأمر يتيح لأطراف غير تابعة لـ«فيسبوك» بالحصول على بيانات من مستخدمي «فيسبوك»، وليس فقط من يستخدم التطبيق المخادع، مثل جميع من يتواصل معهم في الشبكة، وذلك بهدف إيجاد نماذج للشخصيات واستغلال ما يفضلونه وما يؤثر بهم لبناء الحملات الانتخابية واستهدافهم بشكل أفضل. كذلك نشرت الشركة أخبارا مزيفة للتأثير في قرارهم الانتخابي. ولقد ضم فريق العمل مصممي رسوم وكتّاباً ومنتجي أفلام ومصورين عكفوا على إنتاج محتوى مضلل بأشكال عديدة حسب اهتمامات المجموعات المستهدفة.
- مرحلة عمل جديدة
كريستوفر وايلي ترك العمل في «كمبريدج آناليتيكا» عام 2014، وتواصل مع «فيسبوك» وأخبرهم بما تفعله الشركة. وقدم أخيراً مجموعة رسائل بريد إلكتروني ووثائق تثبت أن شركة «كمبريدج آناليتيكا» استطاعت سرقة معلومات من حسابات «فيسبوك» تابعة لملايين الناخبين المستهدَفين في حملتي الانتخابات الأميركية والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. من جهة ثانية، ذكر وايلي أيضاً، أن شركة «أغريغيت آي كيو» الكندية المرتبطة بـ«كمبريدج أناليتيكا» عملت أيضاً للمساعدة في استهداف البريطانيين لتحفيزهم على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ذلك أنه كان للحملة الرسمية لدعم التصويت لصالح الخروج إمكانية الوصول إلى البيانات التي سبق جمعها بطريقة غير مباشرة من مستخدمي «فيسبوك»، وأن «أغريغيت آي كيو» اعتمدت على قواعد بيانات «كمبريدج آناليتيكا» لعملها في استفتاء الاتحاد الأوروبي. وأوضح بأن «أغريغيت آي كيو» طوّرت برنامج كومبيوتر اسمه «ريبون» واستخدمته لتحديد هويات الناخبين المحتملين من خلال تحليل بياناتهم في «فيسبوك». وللعلم، كان روبرت ميرسر أحد كبار داعمي «حزب استقلال المملكة المتحدة» الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولقد قدّم جميع خدمات «كمبريدج آناليتيكا» مجاناً إلى نايجل فاراج رئيس ذلك الحزب، الذي لم يبلغ السلطات البريطانية عن هذا الأمر.
- الزاوية التقنية
كيف حدث ما حدث، من الزاوية التقنية؟
وفق المعلومات التي أدلى بها وايلي، استخدم الباحث الروسي ألكسندر كوغان تطبيقاً خاصاً كتجربة اجتماعية ونفسية على مئات الآلاف من المستخدمين الذين كان يجب عليهم مشاركة بياناتهم الخاصة بـ«فيسبوك». ومن ثم، استطاع التطبيق معرفة عادات المستخدمين ورغباتهم، وجمع المزيد من البيانات عنهم وعن أصدقائهم دون علمهم أو موافقتهم. وفيما بعد، قدّم هذه البيانات إلى شركة «كمبريدج آناليتيكا» لتحليلها واستنباط شخصية كل مستخدم، وإعداد إعلانات وأخبار ملفقة للتأثير على رأيهم الانتخابي، وذلك - حسب زعمه - بهدف مساعدة المرشح الجمهوري يومذاك دونالد ترمب على الفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية بمطلع نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016 من خلال مستشاره السابق ستيف بانون. وفي بريطانيا، أمر شبيه بذلك حدث مع قضية التأثير على نتيجة الاستفتاء الخاص بمسألة خروج بريطانيا من أسرة الاتحاد الأوروبي.
- بخاري... وواينشتين
وفي السياق ذاته، ولكن في مواضع أخرى، زعم وايلي خلال شهادته أمام البرلمان البريطاني بأن «كمبريدج آناليتيكا» استعانت بشركة استخباراتية إسرائيلية خاصة اسمها «بلاك كيوب» لاختراق حسابات الرئيس النيجيري محمد بخاري والوصول إلى سجلاته الطبية ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة به. وحسب زعمه، جرى التعاقد بين «كمبريدج آناليتيكا» و«بلاك كيوب»، من خلال شركة «أغريغيت آي كيو»، لاستخدام البيانات التي حصلت عليها «بلاك كيوب» لنشر عروض فيديو معادية للمسلمين على «فيسبوك» بهدف الإضرار بحملة الرئيس بخاري. وأضاف أن «كمبريدج آناليتيكا» سعت أيضاً للتأثير على العديد من الحملات الانتخابية في دول نامية بشكل منتظم.
وبعيداً عن السياسة، أشار وايلي إلى أن شركة «بلاك كيوب» الإسرائيلية قدّمت خدماتها للمنتج الهوليوودي المعروف هارفي واينستين لردع النساء اللواتي اتهمنه بالتحرّش أو الاعتداء الجنسي خلال عقود من الإساءة في أروقة هوليوود الفنية. وكان موظفان يعملان في «بلاك كيوب» قد أدينا بتهمة التجسس على أعلى مسؤول لمكافحة الفساد في رومانيا في العام 2016.
هذا، ويصف صحافيون في صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية كريستوفر وايلي بأنه شخص ذكي وصاحب روح دعابة، كما أنه يتذمر كثيراً وحديثه مليء بالكلمات النابية، وهو فضلاً عن ذلك نهم ثقافيا ويحب تعلم المزيد، وبارع في سرد القصص وماهر في السياسة وعلوم البيانات. واليوم، يدعو وايلي إلى إصلاح «فيسبوك» وليس حذفه، قائلا بأن التواصل مع الآخرين بات مستحيلاً من دون هذه المنصات، ولكن لا بد من وضع ضوابط لها.
- يمكن متابعة «كريستوفر وايلي» في «تويتر» في حسابه @ChrisInSilico
كيف تكتشف حجم ما يخزنه «فيسبوك» عن حياتك؟
- تستطيع معاينة أرشيفك الذي يخزنه «فيسبوك» ويعرفه عنك بتحميل ملفك منه عبر متصفح الإنترنت للكومبيوتر الشخصي، وذلك بالذهاب إلى أيقونة المثلث أعلى صفحة «فيسبوك» والنقر عليها واختيار «الإعدادات» Settings، ومن ثم النقر على رابط «تحميل نسخة من بياناتك في «فيسبوك» Download a copy of your Facebook data، ومن ثم الضغط على زر «البدء بتحميل أرشيفي» Start My Archive وإدخال كلمة السر الخاصة بحسابك في «فيسبوك».
ويجب الانتظار قليلا ريثما ينتهي «فيسبوك» من تجميع بياناتك، وسيخبرك بعد قليل بأن العملية قد تمت. ويجب بعد ذلك الضغط على زر «تحميل الأرشيف» Download Archive لتحصل على نسخة مضغوطة بامتداد Zip من حياتك الرقمية في «فيسبوك» منذ انضمامك إليه.
ويمكن بعد فك ضغط النسخة معاينة كل ملف حدة لاكتشاف تفاصيل حياتك الرقمية التي قد تكون نسيتها، مثل ملفات الصور وعروض الفيديو وجميع الرسائل المتبادلة والفعاليات التي شاركت بها وكل إعلان ضغطت عليه والمنشورات التي أعجبتك والتطبيقات التي حملتها والمناوشات الطريفة مع الآخرين عبر زر «الوخز» Poke وعروض الفيديو والصور التي نشرتها ومنشورات جدارك، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
كريستوفر وايلي... نجم المصادفة والتكنولوجيا
صنعت شهرته فضيحة «كمبريدج آناليتيكا» وتداعياتها العالمية
كريستوفر وايلي... نجم المصادفة والتكنولوجيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة