العراق: السوداني يمسك رمّانتي بايدن وإردوغان بيد واحدة

وسط تراجع فرص خصومه في الحد من طموحاته

السوداني بصافح ضيفه الرئيس التركي إردغان في بغداد (آ ب)
السوداني بصافح ضيفه الرئيس التركي إردغان في بغداد (آ ب)
TT

العراق: السوداني يمسك رمّانتي بايدن وإردوغان بيد واحدة

السوداني بصافح ضيفه الرئيس التركي إردغان في بغداد (آ ب)
السوداني بصافح ضيفه الرئيس التركي إردغان في بغداد (آ ب)

بعد يوم من عودة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى بغداد، بعد زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، استغرقت أسبوعاً، زار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان العاصمة العراقية. وبينما وصفت زيارة السوداني إلى واشنطن، وهي الأولى له منذ توليه منصبه أواخر عام 2022 بـ«الناجحة»، وصفت بـ«التاريخية» الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، التي هي الثانية له منذ 13 سنة إلى العراق. وللعلم، كان رئيس الوزراء العراقي قد التقى في واشنطن الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت يواجه خصوماً واضحين وآخرين غامضين في الداخل وسط تأييد سياسي وشعبي كبيرين. ومعلوم أن بايدن يخوض معركة انتخابية مصيرية بالنسبة له ضد خصمه العنيد الرئيس السابق دونالد ترمب. أما فيما يتعلق بالرئيس إردوغان، فقد التقاه السوداني ورفع يده فيما بات أقوى سلاح يواجه به خصومه، وبعضهم من القوى التي تملك السلاح وتستخدمه أحياناً ضد الدولة، وهو مشروع «طريق التنمية».

تبدو رهانات كل من رئيس وزراء العراق محمد شيّاع السوداني، وضيفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مختلفةً بشأن «طريق التنمية» الذي يسعى من خلاله الأول لتعزيز موقفه أمام من يلوح أمامه بين فترة وأخرى بورقة الانتخابات المبكرة. وفي المقابل، فإن الأمر بالنسبة لإردوغان جزءٌ من إرث سياسي يريد أن يبقيه لحزبه - حزب «العدالة والتنمية» - أمام خصومه من أحزاب المعارضة، بالأخص بعدما خسر أمامهم الانتخابات المحلية.

ووفقاً لهذه المعادلة الثلاثية، يبدو السوداني هو الرابح الأكبر من زيارته إلى واشنطن التي يرى المراقبون أنها وإن كانت لا تضيف الكثير إلى رصيد بايدن، فإنها حتماً تأتي بفائدة لا شك فيها إلى رصيد السوداني. كذلك، وفق المراقبين، فإن زيارة إردوغان البغدادية بالكاد تجعل كفته السياسية أمام خصومه المحليين راجحة حتى بعد توقيعه في بغداد على مشروع «طريق التنمية»، بعكس النفع الكبير المرتقب للسوداني في الداخل العراقي، لا سيما أن كثيرين يعدون «طريق التنمية» المشروع الأكبر بعد مشاريع مجلس الإعمار التي قادها في خمسينات القرن الماضي رئيس وزراء العراق (آنذاك) نوري السعيد.

تأييد شبه كامل من السنّة والكرد

المفارقة اللافتة أن الحراك السياسي والتنموي الذي يقوده السوداني منذ توليه السلطة في العراق، قبل نحو سنة ونصف السنة، يحظى بتأييد يكاد يكون كاملاً من قبل السنة والكرد، لكنه ما عاد يحظى بتأييد كامل من قبل القوى السياسية الشيعية. وما يستحق الذكر هنا أن القوى الشيعية، تحديداً قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، التي كانت قد رشحته للمنصب، رغم أنها تبدو ظاهرياً داعمةً للسوداني، بما في ذلك زيارته إلى الولايات المتحدة - ولقد أصدرت بياناً بذلك - فإنها من الناحية العملية تبدو في وضع لا تُحسد عليه لجهة الخلافات في ما بين بعض أطرافها.

في المقابل، على الرغم من المطالب التي يعبّر عنها السنة والكرد، سواءً ما يخص عمل الحكومة أو المطالب التي تخص الشريك الشيعي في البرلمان أو ضمن «ائتلاف إدارة الدولة»، تظل المشكلة الحقيقية داخل الوسط الشيعي مختلفة وأكثر تعقيداً مما تبدو عليه ظاهراً. ونعم، كان هناك خلاف داخل البيت السني بشأن منصب رئيس البرلمان الشاغر حتى الآن. وأيضاً هناك الخلاف الكردي - الكردي بين الحزبين الرئيسين الذي يتركز اليوم بالدرجة الأولى على موضوع انتخابات الإقليم.

ولكن في ما يتعلق بالمكون الشيعي، في هذه الأثناء، فإن قوى «الإطار التنسيقي» تظهر نفسها بأنها موحدة داخل البرلمان بوصفها الغالبية... إلا أنها في واقع الأمر تتكون من ثلاث قوى تتنافس مرة وتتصارع مرة وهي: «الإطار التنسيقي» نفسه الذي يضم القوى والأحزاب المشاركة في البرلمان والحكومة، و«التيار الصدري» المنسحب من البرلمان وغير المشارك في الحكومة حالياً، والفصائل المسلحة التي لدى بعضها أجنحة في «هيئة الحشد الشعبي»... الذي هو مؤسسة أمنية رسمية لكنها تعلن دائماً أنها ليست جزءاً من العملية السياسية الحالية، وإن عملها في العراق ذو بُعد عقائدي.

من لقاء السوداني في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي بايدن (د ب أ)

حصاد السوداني

في أي حال، اليوم، بعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة على تولي السوداني السلطة وتبنيه مصطلح «الدبلوماسية المنتجة»، يبدو رئيس الوزراء العراقي في وضع مريح لجهة ما بدا أنه حصادٌ لدبلوماسيته المنتجة. إذ زيارته للولايات المتحدة جاءت في أعقاب جدل حاد مع التحالف الدولي والولايات المتحدة نفسها بشأن توصيف التحالف الدولي وانتقال العلاقة معه إلى علاقة ثنائية.

ولقد كان الطلب العراقي بهذا الخصوص قد سبق زيارة السوداني بأكثر من شهر ونصف الشهر، حتى أن كثيرين لا سيما من خصوم السوداني، راهنوا على أن الزيارة لن تتم. ففي شهر فبراير (شباط) الماضي أعلنت الخارجية العراقية استئناف عمل اللجنة الثنائية بين العراق والتحالف الدولي، التي كان العراق قد أعلن عنها في بيان رسمي على لسان الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى الزيدي ووزارة الخارجية.

وكان من أول مؤشرات ذلك على أرض الواقع بدء هدنة بين واشنطن من جهة والفصائل المسلحة من جهة أخرى، وبتأثير من السوداني. وهو ما أعطته «كتائب حزب الله» مسمى «الدفاع السلبي» عقب بيانها الخاص بتعليق عملياتها قبل اغتيال القيادي فيها أبو باقر الساعدي. وفي سياق بدء عمل اللجنة العراقية - الأميركية لتحديد شكل العلاقة بين بغداد وواشنطن بعد نهاية التحالف الدولي، أكد الدكتور حسين علاوي، مستشار رئيس الوزراء، لـ«الشرق الأوسط»، أن «استئناف عمل اللجنة الثنائية العراقية - الأميركية مهمٌ جداً وخطوة فعالة من الحكومة العراقية، لوضع الجدول الزمني للانسحاب المنظم الذي قرّره رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2024 لإنهاء مهام التحالف الدولي، ونقل العلاقات العراقية مع دول التحالف الدولي إلى علاقات طبيعية ثنائية، والعودة إلى مرحلة ما قبل سقوط الموصل للعلاقات المتكاملة وفقاً للمصالح الاستراتيجية الوطنية العراقية كمحدد استراتيجي لهذه العلاقات».

وأضاف علاوي أنه «بالإضافة إلى ذلك هناك تقييم التهديدات ومستواها التأثيري على مسرح العمليات التشغيلي، وتقييم قدرات التنظيم الإرهابي (داعش) في العالم وحجم تأثيره في العراق... إذ إن إنهاء مهام التحالف الدولي سيكون مدخلاً استراتيجياً لانتقال البلاد نحو الاستقرار والتقدم والازدهار الاقتصادي، بدلاً من العسكرة والتعبئة لمكافحة الإرهاب، وبذلك نغلق فصلاً من التعاون مع التحالف الدولي امتد لعشر سنوات».

من جهة ثانية، قال علاوي إن «العراق اليوم أفضل بقابلياته القتالية واستعداداته العسكرية، لبناء القدرات وإعادة التنظيم للقوات المسلحة... في مرحلة بناء السلام التي أعطت خبرةً وتمرساً كبيراً لمهارات القوات المسلحة العراقية في القتال وفرض القانون ومواجهة الإرهاب والتطرف العنيف». وأشار إلى أن «النظر إلى الدولة الطبيعية في الوضع العراقي... أمر مهم جداً في هذه اللحظة التاريخية، التي ينتظرها الشعب العراقي من أجل التركيز على بناء مصدّات أمنية فعالة للسيطرة على مكامن الإرهاب وتفكيكها وتفكيك البؤر الاستراتيجية والعقد الجغرافية التي تحتضن فلول التنظيم الإرهابي (داعش)». ولفت إلى أنه مع كل محاولات الفصائل المسلحة ثني السوداني عن استكمال إجراءاته في تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة، أو على صعيد فرض الهدنة مع الفصائل، فإن واشنطن بدتْ هي الأخرى جادة في التعامل مع تلك الفصائل بما لا يؤدي الى إفساد مهمتها في العراق والمنطقة.

واشنطن جادة

أما الدكتور عصام فيلي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الواضح أن الولايات المتحدة جادة في توجيه الضربات، لكن هذا الأمر يخضع في النهاية لعدة آراء داخل الإدارة الأميركية. إذ هناك من يَرى أن القصف الذي حصل للموقع الحدودي الأردني ـ السوري نفذه وكلاء إيران في المنطقة، وبالتالي، لا ينبغي أن تكون الضربة في العمق الإيراني كجزء من رغبة أميركية في أن لا يتوسع نطاق المواجهة».

ورداً على سؤال بشأن موقف الحكومة العراقية، ذكر فيلي أن «الحكومة العراقية، في إطار المعالجة، كانت قد رتّبت الأمر في ما يتعلق بالتحالف الدولي، وعبر اللجنة الثنائية التي جرى تفعيلها. لكن من ضمن قوات التحالف الدولي هناك الولايات المتحدة الأميركية التي لدى العراق معها اتفاقية، وهي التي تنص على إبلاغ أحد الطرفين في حال أراد أحدهما إنهاء الاتفاقية. ولذلك تم تشكيل اللجنة مع أن الضربة وقعت بعد 24 ساعة من بدء عمل اللجنة».

وبشأن تنظيم العلاقة بين واشنطن وبغداد، يرى فيلي أن «إعادة تفعيل عمل اللجنة الثنائية العليا بين العراق والولايات المتحدة الأميركية يعني أن الحكومة سائرة في نهجها في معالجة القضايا العالقة بين العراق وأميركا عبر آليات الحوار... في محاولة للتخفيف من حدة الضغط الذي تتعرض له الحكومة، بخاصة أن هذا الموقف جاء بناءً على مواقف القوى السياسية، بالذات (قوى الإطار التنسيقي) الشيعي التي ترى أن من الضروري مراعاة مصلحة العراق، بحيث تأخذ مساراً رسمياً بطريقة لا تثير حفيظة الأطراف الأخرى».

ثم تابع شارحاً: «ضمن هذا (الإطار)، أرى أن هذا النهج يسير بطريقة معقولة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المطالب الرافضة للوجود الأميركي في العراق، والمطالبة بضرورة الانسحاب السريع. وفي مقابل ذلك هناك أطراف تريد بقاء القوات الأميركية، هم الكرد والسنة، الذين يرون أن أي محاولة للمعالجة السريعة غير البناءة يمكن أن تجر العراق إلى مساحات أخرى على الأصعدة المختلفة، في مقدمها البعد الاقتصادي والملفات الأخرى التي تحتاج إلى معالجات هادئة من دون فرض الإرادات من قبل هذا الطرف أو ذاك».

قوى «الإطار التنسيقي» تُظهر نفسها بأنها موحدةٌ داخل البرلمان بوصفها الغالبية...

إلا أنها في واقع الأمر تتكون من ثلاث قوى تتنافس مرة وتتصارع مرة



إنهاء مهام التحالف

!في السياق نفسه، عدَّ الدكتور إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخيارات أمام صانع القرار السياسي في العراق لإعادة التفاوض مع الأميركيين يمكن أن تبدأ بإنهاء مهام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. وربما يكون هذا التفاوض هو البداية للانطلاق نحو إعادة هندسة العلاقات بين واشنطن وبغداد». وأردف: «لكن الحكومة العراقية، حتى الآن، لا تملك رؤيةً واضحةً بشأن الاتجاه الذي يمكن أن تكون عليه العلاقات بين العراق وأميركا... هل هي علاقة صداقة أم شراكة استراتيجية أو تحالف، وإشكالية تحديد أي توصيف من هذه التوصيفات... هل هو من قرار الحكومة أم بعض الزعامات السياسية التي تسوّق نفسها على أنها معادية للأميركيين وترفض العلاقة معها بأي شكل كانت؟... هذه الإشكالية التي لم تتضح خيوط حلها لدى حكومة السوداني حتى الآن».

أما بشأن موضوع العقوبات على المصارف، فيرى العنبر أن «الخزانة الأميركية واضحة بشأن هذا الموضوع. إذ تعده مرتبطاً بتهريب الدولار إلى دول تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات. وعجز حكومة بغداد، تحديداً البنك المركزي العراقي، عن معالجة هذه المشكلة، هو السبب في العقوبات. ومن ثم فهذا الموضوع على امتداد أكثر من سنة هي عمر الحكومة، فشلت الحكومة في معالجته. وهذا الفشل في المعالجة لا يعطيها قوة في التفاوض بشأن هذا الموضوع». ومن ثم أوضح الأكاديمي العراقي «أن حكومة السوداني ممكن أن تنجح في إعادة رسم ملامح العلاقة مع واشنطن إذا تمكنت من إقناعهم بنقل العلاقة مع واشنطن من الجانب الأمني إلى الشراكة الاقتصادية».

في هذه الأثناء، ما بين رحلة السوداني إلى واشنطن وبين زيارة إردوغان الى بغداد، يبدو «حصاد» محمد شيّاع السوداني مستمراً لجهة ترسيخ أقدامه أمام خصومه وتقوية موقفه بالتزامن مع ما بات يحظى به من تأييد شعبي. ولكن في حين تمكن السوداني في واشنطن، خلال زيارته التي استغرقت 6 أيام، من حسم الكثير من النقاط العالقة بين البلدين، والتوقيع على عشرات الاتفاقات مع الحكومة الأميركية على صعيد عقود التسليح ومع الشركات الأميركية بشأن العديد من الميادين والفرص الاستثمارية في العراق، فإن الملفات التي كان حملها الرئيس التركي معه إلى بغداد ملفات مختلف عليها بين مختلف الأوساط العراقية.والواقع، أن المتغير المهم على صعيد العلاقات العراقية - الأميركية هو الموقف من الفصائل المسلحة التي تنادي بانسحاب كامل لما تبقّى من قوات أميركية في العراق تصنفهم بغداد بأنهم «مستشارون». وفي المقابل، المتغير الأهم في العلاقة بين بغداد وأنقرة هو الموقف من «حزب العمال الكردستاني» المختلف على توصيفه في العراق.

حقل كورمور للغاز بمحافظة السليمانية في كردستان العراق (رويترز)

الظاهر والخفي... في علاقات بغداد مع واشنطن

قبل أن تحط طائرة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في قاعدة إندروز الجوية بولاية ماريلاند الأميركية، كانت كل القوى السياسية والبرلمانية العراقية أعلنت تأييدها، ليس للزيارة وحسب... بل أيضاً لمخرجات تلك الزيارة قبل أن يبدأ رئيس الوزراء مباحثاته في اليوم التالي مع المسؤولين الأميركيين. ذلك أن البرلمان العراقي، المكوّن من 329 نائباً، أصدر بياناً أعلن فيه تأييده لزيارة السوداني. وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعي أصدرت بياناً أيّدت فيه مقدماً الزيارة ومخرجاتها. وأيضاً «ائتلاف إدارة الدولة»، الذي هو الكتلة البرلمانية الأكبر الداعمة للحكومة، أصدر هو الآخر بيان تأييد مما يعني أن السوداني وقبيل لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن بات يحظى بإجماع عراقي شامل. إلا أن ما خفي من بعض الأمور كان مختلفاً عن ظاهرها، بما في ذلك هدنة الفصائل المسلحة مع القوات الأميركية، وما تعرّض له حقل كورمور الغازي في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق من قصف بطائرة مسيّرة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بغداد بأيام قلائل. إذ وضع هذا الأمر مزيداً من علامات الاستفهام حيال ما يجري. وفي حين بدت عملية قصف حقل كورمور الغازي وكأنها جزءٌ من مساعي تقويض الأمن، فإنها من جهة أخرى تبدو جزءاً من عملية تصفية الحسابات في الداخل العراقي بين عدة أطراف تتداخل فيها المصالح وتتشابك مع أطراف خارجية، لا سيما تركيا وإيران، بخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار طبيعة التصريحات والتصريحات المضادة لبعض الأطراف... من بينها أطراف كردية. ولكن ما أعلنه رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني خلال اجتماع «ائتلاف إدارة الدولة» الذي عُقد في القصر الحكومي ببغداد، والذي خصّص لمناقشة زيارة رئيس الوزراء إلى واشنطن وزيارة إردوغان إلى بغداد، هو أن الأجهزة الأمنية العراقية توصلت إلى خيوط أولية بشأن الجهة المتورطة في قصف الحقل الغازي في السليمانية. ومع أن السوداني ترك النهايات مفتوحةً بانتظار ما يمكن أن تسفر عنه النتائج، فإن ما أعلنه بدا رسالةً مبطنةً إلى الجهة المتورطة بالقصف، مضمونها أن الدولة العراقية تعرف هوية هذه الجهة بصرف النظر عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضدها الآن أو في المستقبل.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».