هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

الجمهوريون والديمقراطيون أمام أزمة التوفيق بين الحريات وكبح التظاهر

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
TT

هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)

يُجمع عدد من المراقبين والمحللين على القول إن حركة الناشطين لدعم الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة وخصوصاً في جامعاتها ليست أمراً جديداً أو طارئاً فهي تمتد لعقود شهد خلالها الموقف من إسرائيل تغيراً لم تعهده من قبلُ الجامعات الأميركية والرأي العام الأميركي عموماً. ويتفق هؤلاء على أن هذا التغيير ارتبط خلال السنوات الأخيرة بالصعود المتزايد للمجموعات اليسارية الشابة ونشاط حركات الدفاع عن الحريات التي اخترقت النسيج الاجتماعي ولا سيما في أوساط الأقليات بما فيها اليهود أنفسهم والسود واللاتينيون (الهسبانيكيون) والعرب والمسلمون. بيد أن هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والحرب التي شنتها إسرائيل بعده على قطاع غزة فرضا حضوراً متجدداً لهذه القضية بالنسبة للكثير من الطلاب. وعلى مدى الأشهر السبعة الماضية اندلعت الاحتجاجات الطلابية حيث كانت أخبار الحرب ومشاهدها غالباً ما تكون هي الحافز لاشتداد وتيرتها أو تراجعها. ومع امتداد الاحتجاجات من جامعة إلى أخرى ومن الساحل الشرقي للولايات المتحدة مروراً بوسطها ووصولاً إلى ساحلها الغربي تجاوزت الاعتقالات أكثر من ألف ومائتي طالب وكذلك ازدادت الضغوط على قادة الجامعات والأساتذة والخريجين والعائلات ناهيك من المشرّعين الأميركيين و«المؤسسة» السياسية الأميركية والإدارة نفسها. إلا أن الطلاب المحتجّين ومناصريهم من الأكاديميين ما زالوا مُصرين على تحقيق أبرز مطلبين لهم وهما وقف الحرب ووقف الاستثمارات الجامعية مع إسرائيل

حتى اللحظة، ليس ثمة ما يشير إلى أن حركة الاحتجاج في الجامعات الأميركية على وشك الانحسار، على الرغم من تفكيك مخيمات الاعتصامات في عدد من الجامعات، والاشتباكات التي بدا بعضها مشبوهاً بين المؤيدين لإسرائيل والفلسطينيين. إلا أن الاحتجاجات غير الطلابية - رغم ضآلتها مقارنة بتحركات الطلاب - لم تعد تتصدر عناوين الأخبار، وهذا، مع احتجاجات خارج الأحداث السياسية التي سبقت الانتخابات، إذ توقفت حركة المرور على الجسور والطرق الرئيسة في مدن كسان فرنسيسكو ونيويورك. أما في شيكاغو وسياتل فقد أغلق المتظاهرون مداخل المطارات الدولية، وسار الصحافيون في العاصمة واشنطن بين المتظاهرين خارج حفل عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض، يوم السبت الماضي.

جدير بالذكر أنه مع بدء شهر مايو (أيار)، وإنهاء غالبية الطلاب سنتهم الدراسية، تبدأ غالبية الجامعات الأميركية تحضيراتها لحفلات التخرج السنوية. ومن الناحية العملية، ما كان ممكناً أن تشهد الاحتجاجات، التي اندلعت في الربع الأخير من شهر أبريل (نيسان) الماضي، هذا الزخم لو لم يُنهِ الطلاب امتحانات آخر العام. لكن مع بدء العطلة الصيفية، وعودة الطلاب إلى منازلهم، تُطرح التساؤلات عن مصير الاحتجاجات، وعمّا إذا كانت ستستمر بزخمها الحالي، وأيضاً تُطرح تساؤلات عن التداعيات السياسية المتوقعة في السباق الانتخابي المحموم، وعمّا إذا كان بإمكانها النجاح في تغيير البوصلة تجاه إسرائيل، أو في التحول إلى «حركة سياسية» تكسر هيمنة «ثنائية» الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

أزمة سياسية ودستورية

في أي حال، احتجاجات اليوم تحولت إلى أزمة سياسية ودستورية، إذ تواجه إدارات الجامعات العامة (الحكومية)، مثل جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس تحدّيات قانونية تُلزمها باحترام «التعديل الأول للدستور الأميركي» الذي يضمن حرية التعبير، أكثر من تلك التي تواجهها الجامعات الخاصة العريقة كجامعة كولمبيا وجامعة ييل.

وفي حين دافع الجمهوريون، وروّجوا لقانون حرية التعبير في الحُرم الجامعية العامة، وسط شكاوى من أن ما يُسمى «ثقافة الإلغاء» قد «استولت على التعليم العالي» وأصبحت «معادية» لوجهات نظرهم المحافظة، فإنهم يواجهون الآن مع الديمقراطيين معضلة التوفيق بين حرية التعبير وكبح التظاهرات التي «خرجت عن السيطرة». وبالفعل، تصاعدت مطالباتهم للجامعات بمراجعة وتحديث قواعد التعبير الخاصة بها، بحلول هذا الصيف؛ لمعالجة الحوادث الموصوفة بأنها «معادية للسامية»، والتأكد من أن المنظمات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين تواجه «الانضباط» بسبب انتهاك تلك السياسات.

ومن جهتها، انتظمت الطبقة السياسية الأميركية وممثلوها من كلا الحزبين في إطلاق المواقف التي تدعو إلى وضع حد لاحتجاجات الطلاب، من كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، إلى زعيم الغالبية الديمقراطية السيناتور تشاك شومر، وصولاً إلى مطالبة رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون بنشر «الحرس الوطني»، إذا لزم الأمر، وهو ما دعا البعض إلى القول إن حركات الاعتراض التي شهدتها الولايات المتحدة، سواءً على قضايا السياسات الخارجية أم الداخلية، لا تزال عاجزة عن زحزحة سيطرة قبضة النظام الذي أظهر، ولا يزال، قدرة كبيرة على امتصاص «الصدمات» التي يتعرّض لها.

لكن قوة النظام هذه تستند أيضاً إلى رأي عام لا يزال ينظر إلى الأزمة الحالية بقدر من اللامبالاة. وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي نراه في صفوف الشباب للقضية الفلسطينية، أظهر استطلاعٌ أجرته جامعة هارفارد عن القضايا التي تهم الشباب، في ربيع هذا العام، أن الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 سنة، يميلون إلى اعتبار التضخم والهجرة، من بين معظم القضايا الرئيسة الأخرى، أكثر أهمية من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ورغم ذلك يفضل الشباب «دعم سياسات جديدة»، ووقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة بنسبة 5 إلى 1.

السيناتور تشاك شومر (رويترز)

من فيتنام إلى غزة

في سياق موازٍ، تعيد الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب في غزة إلى الأذهان موجات من المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة في الماضي. ولعل أهمها الاعتراض على حرب فيتنام، ودعم حركة الحقوق المدنية التي أسهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين السود، ومناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم لاحقاً، التحركات الأحدث التي شهدتها الجامعات فيما عُرف بحركة «احتلال وول ستريت» ضد المصارف والشركات العملاقة عام 2008، إلى حركة الاعتراض على مشروع خط نفط داكوتا، ووقوف طلاب الجامعات عام 2016 مع أبناء القبائل الأميركية الأصليين أصحاب الأرض التي تضامن فيها معهم نشطاء مدافعون عن البيئة، إلى حركات النساء «مي تو (أنا أيضاً)»، وتظاهراتها الضخمة التي نُظمت ضد الرئيس السابق دونالد ترمب بعد يوم واحد من تنصيبه عام 2017، ووصولاً إلى تحركات ما سمي «حياة السود مهمة» ضد عنف الشرطة وسياسات ترمب عام 2020، التي امتدت إلى الشارع الأميركي بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد.

هذا، وفي حين اتخذت بعض الاحتجاجات منحى دموياً في بعض الأحيان، حيث غالباً ما تتدخل الشرطة وتفض الاعتصامات والتحركات بالقوة، كما جرى في عام 1970، حين قُتل 4 طلاب في جامعة كنت ستايت بولاية أوهايو، تتكرّر، اليوم، الاعتداءات والاعتقالات على الطلاب، والكادر التعليمي، والنشطاء، وغيرهم.

بين جنوب أفريقيا وإسرائيل

من ناحية أخرى، مقابل الدعوات التي تطالب بوقف الاستثمارات الجامعية والتعاون مع إسرائيل، يحذّر البعض من أن الرهان على تكرار حركة المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، قد لا يكون رهاناً جيداً. وكتب جيمس ماكينتوش، في صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالة رأي مطوّلة، قائلاً ما معناه إن حملة سحب الاستثمارات، إلى جانب مطالبة الطلاب بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، لا يمكن أن تنجح إلا من خلال عزل إسرائيل ثقافياً، وليس من الناحية المالية، وأن فرصتها الوحيدة لتحقيق نتائج هي أن تدفع الإسرائيليين إلى العزلة، ونتيجةً لهذه العزلة ومعاملتهم على أنهم أشرار، قد يدفعون حكومتهم إلى تغيير اتجاهها.

وأضاف ماكينتوش أن حركة مقاطعة جنوب أفريقيا استمرت لعقود من الزمن، وشملت المستهلكين في المقام الأول لا المستثمرين، وكان لها آثار مالية خطيرة على صادرات البلاد. وتابع أن الشركات الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي، أو لإنتاج الوقود الأحفوري، الذي صدرت في السابق دعوات لسحب الاستثمارات الجامعية منها، تنتمي إلى الحكومات أو تدعمها. وبالتالي، حتى لو نجحت عملية سحب الاستثمارات بطريقة أو بأخرى في شركات أخرى، فإنها لن تنجح هنا، إذ إن إسرائيل تتلقى دعماً عسكرياً أميركياً كبيراً بتمويل من الحكومة، (كان آخره توقيع بايدن على أكبر حزمة مساعدات أقرّها الكونغرس لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار)، وهكذا سيتواصل تدفق الأسلحة عليها، بغض النظر عما يفعله مستثمرو القطاع الخاص، ولن يتمكن من إيقافها سوى الكونغرس أو البيت الأبيض.

السيناتور ميتش ماكونيل (رويترز)

لماذا فشلت الحراكات بالتحول لكيانات سياسية؟

أمر آخر يستحق التساؤل هو لماذا فشلت التحركات الاعتراضية والاحتجاجية - حتى تلك التي تمكنت من ترك تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي، كإقرار قوانين الحقوق المدنية - في التحول إلى كيانات سياسية ناشطة مستمرة؟

قد يُعد تبوء الفئات الشابة الطلابية قيادة تلك التحركات أمراً مفهوماً في المجتمعات كافة، وهو ما حصل في عدد من البلدان على امتداد العقود الحديثة الأخيرة. غير أن نجاحها في إحداث التغيير ما كان ممكناً لو لم تنضمَّ إليها فئات اجتماعية صاحبة مصلحة فعلية في إحداث هذا التغيير. وفي الولايات المتحدة، مثلاً، لم تستطع احتجاجات الطلاب المطلبية التحول إلى إنجازات إلّا بعد توسعها لإشراك قوى اجتماعية أخرى، وتحويل مطالبهم معها إلى مصالح مشتركة، وهو بالضبط ما جرى خصوصاً في سنوات الحراك الاجتماعي الكبير للمطالبة بالحقوق المدنية، فقد كان لافتاً أن حراك الطلاب غالباً ما ينتهي إلى تفرقهم وتشتت قياداتهم؛ لأن الحيوية التي يتمتع بها الشباب و«ثوريتهم» فقط لا تكفيان لإحداث التغيير السياسي.

من فيتنام إلى غزة... لماذا فشلت الاحتجاجات الشعبية

في كسر ثنائية الحزبين المهيمنة؟

كلمات تحذيرية

الكاتب والصحافي سيرج شميمان كتب، في مقالة بصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الناظر في تحرّكات جامعات أميركا يرى تكراراً للأحداث الطلابية عام 1968، لكن مع فارق أساسي هو أن الانقسامات الطلابية تتجه لتكون انقسامات شخصية وقبيحة في كثير من الأحيان، بين الطلاب اليهود والطلاب العرب أو المسلمين، أو أي شخص يُنظر إليه على أنه يقف على الجانب «الخاطئ» من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ولقد أدى هذا الوضع إلى دفع الاحتجاجات بشكل مباشر إلى سياسة الاستقطاب السائدة في البلاد، حيث يصوّرها السياسيون والنقاد، وخصوصاً من اليمين، على أنها مظاهر خطيرة «لمعاداة السامية»، و«اليقظة»، ويطالبون بإنهائها وحضّ إدارات الجامعات على استدعاء الشرطة للقيام بذلك تماماً.

وما يُذكر أنه في عام 1972، نجح الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في استمالة «الأغلبية الصامتة» من قدامى المحاربين، التي وقفت ضد «الغوغاء» التي اجتاحت البلاد، على خلفية الحرب في فيتنام، وفاز بغالبية 60 في المائة بانتخابات ذلك العام. واليوم يُخشى أن تنجح الهجمة التي تتعرّض لها احتجاجات الطلاب لـ«شيطنة» مطالباتهم بسياسات جديدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين، إذا ما سيطر الجناح الذي يعتقد أن شعار «من البحر إلى النهر» صالح لاستقطاب الرأي العام الأميركي. وكانت وسائل الإعلام الأميركية، بما فيها تلك المحسوبة على الليبراليين، قد نشرت، في الآونة الأخيرة، تقارير عن رفع شعارات وأعلام «حماس» و«حزب الله»، المصنّفين على لائحة الإرهاب الأميركية، والأقنعة والكوفيات، التي اختفت، إلى حد كبير، من الحياة الأميركية، بعد سنتين من تفشي وباء «كوفيد»، كسمة مميزة لثقافة «الاحتجاج اليسارية المتضخمة» في أميركا، ما يشير إلى «الخطورة» التي قد يتعرض لها الحراك الطلابي ومستقبله، في حال سيطرة هذا الجناح عليه.

 

مبنى قاعة هاميلتون الشهير (آ ب)

 

انتفاضات الحُرم الجامعية الأميركية... وتداعياتها المحتملة

صعّدت المجموعات الاحتجاجية تحركاتها حين أعلن الطلاب في جامعة كولمبيا، إحدى أعرق الجامعات الأميركية وأغناها ومهد تلك الاحتجاجات، احتلال قاعة هاميلتون الشهيرة؛ «حتى تلبية مطالبهم»، لكن الشرطة تدخلت وأخرجتهم منها مُزيلة مخيم الاعتصام أيضاً. للعلم، فإن للقاعة التي افتُتحت عام 1907، وتحمل اسم ألكسندر هاميلتون، أول وزير خزانة للولايات المتحدة، تاريخ حافل، إذ احتلها الطلاب عام 1968؛ احتجاجاً على حرب فيتنام، وعام 1972؛ احتجاجاً على قرارات جامعية، ثم في عام 1985، احتلها الطلاب؛ لمطالبة الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع دولة جنوب أفريقيا (العنصرية يومذاك)، الأمر الذي تحقّق، في وقت لاحق من ذلك العام، عندما صوّت مجلس الأمناء على بيع جميع أسهم الجامعة في الشركات الأميركية التي تعمل هنا. ومجدداً في عام 1992، احتلت احتجاجاً على قرار إدارة الجامعة تحويلها إلى مسرح ومجمع أبحاث طبي، فيما عُدّ طمساً لتاريخها في الدفاع عن حركة الحقوق المدنية، وخصوصاً أن مالكوم إكس، شريك مارتن لوثر كينغ، اغتيل فيها عام 1965. وفي حين يعتقد البعض أن معارضة الطلاب للحرب في غزة قد لا تنتهي مع بدء العطلة الصيفية، فهم يذكّرون باحتجاجات 1968، ضد حرب فيتنام، حين خطط المنظمون لاحتجاج كبير، أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في أغسطس (آب)، بمدينة شيكاغو؛ للتصديق على مرشح الحزب الرئاسي في ذلك العام. وكما حدث عام 1968، سينتهي العام الدراسي الحالي قريباً، وسيغادر هؤلاء الطلاب للصيف، ما قد يتيح لهم مزيداً من الوقت والتحضير، لتركيز جهودهم على اجتماع المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، الذي سينظَّم، هذا العام أيضاً، في شيكاغو خلال أغسطس المقبل. وتخطط الجماعات المناهضة للحرب بالفعل لتنظيم احتجاجات كبيرة، في المؤتمر. ونقلت صحيفة «شيكاغو تريبيون» عن ناشطين من شبكة الجالية الفلسطينية الأميركية قولهم إنهم سينظمون مسيرات في هذا المؤتمر الأهم منذ 1968، عندما نظَّم المتظاهرون في حرب فيتنام وحركة تحرير السود مظاهرات حاشدة جرى قمعها بعنف. ووسط الغضب المتزايد إزاء حصيلة القتلى المرتفعة في غزة، خصوصاً بين فئة الشباب الأميركيين، تحاول إدارة بايدن الموازنة بين دعمها لإسرائيل، وتخفيف تأثيره على إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن حملته الانتخابية بدت وكأنها تراهن على انتهاء التظاهرات، وتلاشي المشاعر الملتهبة، واصطفاف الناخبين الديمقراطيين في نهاية المطاف، عندما يقترب يوم الانتخابات، ويصبح الاختيار بين بايدن وترمب أكثر وضوحاً، وهو ما يحذر منه البعض ويعدُّونه مقامرة متهورة. وحقاً، يُظهر استطلاع للرأي، أجرته جامعة كوينيبياك، يوم 24 أبريل (نيسان)، أن 53 في المائة من الديمقراطيين يعارضون إرسال مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، لدعم جهودها في الحرب ضد غزة. وفي استطلاع أخير أجراه مركز «بيو» للأبحاث، وجد أن الأميركيين السود أقل ميلاً لدعم معاملة إسرائيل للفلسطينيين، مقارنة بالأميركيين البيض. وبينما تبيَّن أن 38 في المائة من الأميركيين البيض يؤيدون، في الغالب أو كلياً، إسرائيل في الحرب على غزة، فإن 13 في المائة فقط من الأميركيين السود يؤيدون ذلك. ويوم الثلاثاء، أيدت «منظمة الحزب الديمقراطي» في الكليات الأميركية، الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، ودعت الرئيس بايدن إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار في غزة. وفي بيان وافق عليه المجلس التنفيذي للمنظمة بأغلبية 8 أصوات مقابل صوتين، أشاد ديمقراطيو الكليات بالطلاب المحتجّين؛ «لامتلاكهم الوضوح الأخلاقي لرؤية هذه الحرب على حقيقتها: مدمرة وإبادة جماعية وغير عادلة»، وأدانوا مديري الكليات؛ لاستدعاء الشرطة لإلقاء القبض على الطلاب.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

المشرق العربي فلسطينيون يفحصون أنقاض مسجد شهداء الأقصى في دير البلح بعدما تعرض للتدمير في غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن قواته «تطوق» منطقة جباليا في شمال قطاع غزة بعد تقييم يفيد بأن حركة «حماس» تعيد بناء قدراتها هناك بعد أشهر من القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا فلسطينيون يحملون أعلاماً ولافتات في سيدني بأستراليا خلال مظاهرة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

تظاهر آلاف الأشخاص دعما لغزة في أوروبا وجنوب أفريقيا ومئات في فنزويلا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الأربعاء (أ.ب)

غوتيريش يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت، إلى إنهاء «أعمال العنف المروعة» و«سفك الدماء» في غزة ولبنان، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle 00:27

نتنياهو: سنرد على إيران وسندمر «حزب الله» بعد أن دمرنا «حماس»

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في رسالة مسجلة بثتها قنوات إعلامية إسرائيلية، مساء (السبت)، إن بلاده ملتزمة بالرد على إيران وإنها ستفعل ذلك.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟