هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

الجمهوريون والديمقراطيون أمام أزمة التوفيق بين الحريات وكبح التظاهر

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
TT

هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)

يُجمع عدد من المراقبين والمحللين على القول إن حركة الناشطين لدعم الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة وخصوصاً في جامعاتها ليست أمراً جديداً أو طارئاً فهي تمتد لعقود شهد خلالها الموقف من إسرائيل تغيراً لم تعهده من قبلُ الجامعات الأميركية والرأي العام الأميركي عموماً. ويتفق هؤلاء على أن هذا التغيير ارتبط خلال السنوات الأخيرة بالصعود المتزايد للمجموعات اليسارية الشابة ونشاط حركات الدفاع عن الحريات التي اخترقت النسيج الاجتماعي ولا سيما في أوساط الأقليات بما فيها اليهود أنفسهم والسود واللاتينيون (الهسبانيكيون) والعرب والمسلمون. بيد أن هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والحرب التي شنتها إسرائيل بعده على قطاع غزة فرضا حضوراً متجدداً لهذه القضية بالنسبة للكثير من الطلاب. وعلى مدى الأشهر السبعة الماضية اندلعت الاحتجاجات الطلابية حيث كانت أخبار الحرب ومشاهدها غالباً ما تكون هي الحافز لاشتداد وتيرتها أو تراجعها. ومع امتداد الاحتجاجات من جامعة إلى أخرى ومن الساحل الشرقي للولايات المتحدة مروراً بوسطها ووصولاً إلى ساحلها الغربي تجاوزت الاعتقالات أكثر من ألف ومائتي طالب وكذلك ازدادت الضغوط على قادة الجامعات والأساتذة والخريجين والعائلات ناهيك من المشرّعين الأميركيين و«المؤسسة» السياسية الأميركية والإدارة نفسها. إلا أن الطلاب المحتجّين ومناصريهم من الأكاديميين ما زالوا مُصرين على تحقيق أبرز مطلبين لهم وهما وقف الحرب ووقف الاستثمارات الجامعية مع إسرائيل

حتى اللحظة، ليس ثمة ما يشير إلى أن حركة الاحتجاج في الجامعات الأميركية على وشك الانحسار، على الرغم من تفكيك مخيمات الاعتصامات في عدد من الجامعات، والاشتباكات التي بدا بعضها مشبوهاً بين المؤيدين لإسرائيل والفلسطينيين. إلا أن الاحتجاجات غير الطلابية - رغم ضآلتها مقارنة بتحركات الطلاب - لم تعد تتصدر عناوين الأخبار، وهذا، مع احتجاجات خارج الأحداث السياسية التي سبقت الانتخابات، إذ توقفت حركة المرور على الجسور والطرق الرئيسة في مدن كسان فرنسيسكو ونيويورك. أما في شيكاغو وسياتل فقد أغلق المتظاهرون مداخل المطارات الدولية، وسار الصحافيون في العاصمة واشنطن بين المتظاهرين خارج حفل عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض، يوم السبت الماضي.

جدير بالذكر أنه مع بدء شهر مايو (أيار)، وإنهاء غالبية الطلاب سنتهم الدراسية، تبدأ غالبية الجامعات الأميركية تحضيراتها لحفلات التخرج السنوية. ومن الناحية العملية، ما كان ممكناً أن تشهد الاحتجاجات، التي اندلعت في الربع الأخير من شهر أبريل (نيسان) الماضي، هذا الزخم لو لم يُنهِ الطلاب امتحانات آخر العام. لكن مع بدء العطلة الصيفية، وعودة الطلاب إلى منازلهم، تُطرح التساؤلات عن مصير الاحتجاجات، وعمّا إذا كانت ستستمر بزخمها الحالي، وأيضاً تُطرح تساؤلات عن التداعيات السياسية المتوقعة في السباق الانتخابي المحموم، وعمّا إذا كان بإمكانها النجاح في تغيير البوصلة تجاه إسرائيل، أو في التحول إلى «حركة سياسية» تكسر هيمنة «ثنائية» الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

أزمة سياسية ودستورية

في أي حال، احتجاجات اليوم تحولت إلى أزمة سياسية ودستورية، إذ تواجه إدارات الجامعات العامة (الحكومية)، مثل جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس تحدّيات قانونية تُلزمها باحترام «التعديل الأول للدستور الأميركي» الذي يضمن حرية التعبير، أكثر من تلك التي تواجهها الجامعات الخاصة العريقة كجامعة كولمبيا وجامعة ييل.

وفي حين دافع الجمهوريون، وروّجوا لقانون حرية التعبير في الحُرم الجامعية العامة، وسط شكاوى من أن ما يُسمى «ثقافة الإلغاء» قد «استولت على التعليم العالي» وأصبحت «معادية» لوجهات نظرهم المحافظة، فإنهم يواجهون الآن مع الديمقراطيين معضلة التوفيق بين حرية التعبير وكبح التظاهرات التي «خرجت عن السيطرة». وبالفعل، تصاعدت مطالباتهم للجامعات بمراجعة وتحديث قواعد التعبير الخاصة بها، بحلول هذا الصيف؛ لمعالجة الحوادث الموصوفة بأنها «معادية للسامية»، والتأكد من أن المنظمات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين تواجه «الانضباط» بسبب انتهاك تلك السياسات.

ومن جهتها، انتظمت الطبقة السياسية الأميركية وممثلوها من كلا الحزبين في إطلاق المواقف التي تدعو إلى وضع حد لاحتجاجات الطلاب، من كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، إلى زعيم الغالبية الديمقراطية السيناتور تشاك شومر، وصولاً إلى مطالبة رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون بنشر «الحرس الوطني»، إذا لزم الأمر، وهو ما دعا البعض إلى القول إن حركات الاعتراض التي شهدتها الولايات المتحدة، سواءً على قضايا السياسات الخارجية أم الداخلية، لا تزال عاجزة عن زحزحة سيطرة قبضة النظام الذي أظهر، ولا يزال، قدرة كبيرة على امتصاص «الصدمات» التي يتعرّض لها.

لكن قوة النظام هذه تستند أيضاً إلى رأي عام لا يزال ينظر إلى الأزمة الحالية بقدر من اللامبالاة. وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي نراه في صفوف الشباب للقضية الفلسطينية، أظهر استطلاعٌ أجرته جامعة هارفارد عن القضايا التي تهم الشباب، في ربيع هذا العام، أن الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 سنة، يميلون إلى اعتبار التضخم والهجرة، من بين معظم القضايا الرئيسة الأخرى، أكثر أهمية من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ورغم ذلك يفضل الشباب «دعم سياسات جديدة»، ووقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة بنسبة 5 إلى 1.

السيناتور تشاك شومر (رويترز)

من فيتنام إلى غزة

في سياق موازٍ، تعيد الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب في غزة إلى الأذهان موجات من المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة في الماضي. ولعل أهمها الاعتراض على حرب فيتنام، ودعم حركة الحقوق المدنية التي أسهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين السود، ومناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم لاحقاً، التحركات الأحدث التي شهدتها الجامعات فيما عُرف بحركة «احتلال وول ستريت» ضد المصارف والشركات العملاقة عام 2008، إلى حركة الاعتراض على مشروع خط نفط داكوتا، ووقوف طلاب الجامعات عام 2016 مع أبناء القبائل الأميركية الأصليين أصحاب الأرض التي تضامن فيها معهم نشطاء مدافعون عن البيئة، إلى حركات النساء «مي تو (أنا أيضاً)»، وتظاهراتها الضخمة التي نُظمت ضد الرئيس السابق دونالد ترمب بعد يوم واحد من تنصيبه عام 2017، ووصولاً إلى تحركات ما سمي «حياة السود مهمة» ضد عنف الشرطة وسياسات ترمب عام 2020، التي امتدت إلى الشارع الأميركي بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد.

هذا، وفي حين اتخذت بعض الاحتجاجات منحى دموياً في بعض الأحيان، حيث غالباً ما تتدخل الشرطة وتفض الاعتصامات والتحركات بالقوة، كما جرى في عام 1970، حين قُتل 4 طلاب في جامعة كنت ستايت بولاية أوهايو، تتكرّر، اليوم، الاعتداءات والاعتقالات على الطلاب، والكادر التعليمي، والنشطاء، وغيرهم.

بين جنوب أفريقيا وإسرائيل

من ناحية أخرى، مقابل الدعوات التي تطالب بوقف الاستثمارات الجامعية والتعاون مع إسرائيل، يحذّر البعض من أن الرهان على تكرار حركة المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، قد لا يكون رهاناً جيداً. وكتب جيمس ماكينتوش، في صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالة رأي مطوّلة، قائلاً ما معناه إن حملة سحب الاستثمارات، إلى جانب مطالبة الطلاب بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، لا يمكن أن تنجح إلا من خلال عزل إسرائيل ثقافياً، وليس من الناحية المالية، وأن فرصتها الوحيدة لتحقيق نتائج هي أن تدفع الإسرائيليين إلى العزلة، ونتيجةً لهذه العزلة ومعاملتهم على أنهم أشرار، قد يدفعون حكومتهم إلى تغيير اتجاهها.

وأضاف ماكينتوش أن حركة مقاطعة جنوب أفريقيا استمرت لعقود من الزمن، وشملت المستهلكين في المقام الأول لا المستثمرين، وكان لها آثار مالية خطيرة على صادرات البلاد. وتابع أن الشركات الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي، أو لإنتاج الوقود الأحفوري، الذي صدرت في السابق دعوات لسحب الاستثمارات الجامعية منها، تنتمي إلى الحكومات أو تدعمها. وبالتالي، حتى لو نجحت عملية سحب الاستثمارات بطريقة أو بأخرى في شركات أخرى، فإنها لن تنجح هنا، إذ إن إسرائيل تتلقى دعماً عسكرياً أميركياً كبيراً بتمويل من الحكومة، (كان آخره توقيع بايدن على أكبر حزمة مساعدات أقرّها الكونغرس لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار)، وهكذا سيتواصل تدفق الأسلحة عليها، بغض النظر عما يفعله مستثمرو القطاع الخاص، ولن يتمكن من إيقافها سوى الكونغرس أو البيت الأبيض.

السيناتور ميتش ماكونيل (رويترز)

لماذا فشلت الحراكات بالتحول لكيانات سياسية؟

أمر آخر يستحق التساؤل هو لماذا فشلت التحركات الاعتراضية والاحتجاجية - حتى تلك التي تمكنت من ترك تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي، كإقرار قوانين الحقوق المدنية - في التحول إلى كيانات سياسية ناشطة مستمرة؟

قد يُعد تبوء الفئات الشابة الطلابية قيادة تلك التحركات أمراً مفهوماً في المجتمعات كافة، وهو ما حصل في عدد من البلدان على امتداد العقود الحديثة الأخيرة. غير أن نجاحها في إحداث التغيير ما كان ممكناً لو لم تنضمَّ إليها فئات اجتماعية صاحبة مصلحة فعلية في إحداث هذا التغيير. وفي الولايات المتحدة، مثلاً، لم تستطع احتجاجات الطلاب المطلبية التحول إلى إنجازات إلّا بعد توسعها لإشراك قوى اجتماعية أخرى، وتحويل مطالبهم معها إلى مصالح مشتركة، وهو بالضبط ما جرى خصوصاً في سنوات الحراك الاجتماعي الكبير للمطالبة بالحقوق المدنية، فقد كان لافتاً أن حراك الطلاب غالباً ما ينتهي إلى تفرقهم وتشتت قياداتهم؛ لأن الحيوية التي يتمتع بها الشباب و«ثوريتهم» فقط لا تكفيان لإحداث التغيير السياسي.

من فيتنام إلى غزة... لماذا فشلت الاحتجاجات الشعبية

في كسر ثنائية الحزبين المهيمنة؟

كلمات تحذيرية

الكاتب والصحافي سيرج شميمان كتب، في مقالة بصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الناظر في تحرّكات جامعات أميركا يرى تكراراً للأحداث الطلابية عام 1968، لكن مع فارق أساسي هو أن الانقسامات الطلابية تتجه لتكون انقسامات شخصية وقبيحة في كثير من الأحيان، بين الطلاب اليهود والطلاب العرب أو المسلمين، أو أي شخص يُنظر إليه على أنه يقف على الجانب «الخاطئ» من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ولقد أدى هذا الوضع إلى دفع الاحتجاجات بشكل مباشر إلى سياسة الاستقطاب السائدة في البلاد، حيث يصوّرها السياسيون والنقاد، وخصوصاً من اليمين، على أنها مظاهر خطيرة «لمعاداة السامية»، و«اليقظة»، ويطالبون بإنهائها وحضّ إدارات الجامعات على استدعاء الشرطة للقيام بذلك تماماً.

وما يُذكر أنه في عام 1972، نجح الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في استمالة «الأغلبية الصامتة» من قدامى المحاربين، التي وقفت ضد «الغوغاء» التي اجتاحت البلاد، على خلفية الحرب في فيتنام، وفاز بغالبية 60 في المائة بانتخابات ذلك العام. واليوم يُخشى أن تنجح الهجمة التي تتعرّض لها احتجاجات الطلاب لـ«شيطنة» مطالباتهم بسياسات جديدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين، إذا ما سيطر الجناح الذي يعتقد أن شعار «من البحر إلى النهر» صالح لاستقطاب الرأي العام الأميركي. وكانت وسائل الإعلام الأميركية، بما فيها تلك المحسوبة على الليبراليين، قد نشرت، في الآونة الأخيرة، تقارير عن رفع شعارات وأعلام «حماس» و«حزب الله»، المصنّفين على لائحة الإرهاب الأميركية، والأقنعة والكوفيات، التي اختفت، إلى حد كبير، من الحياة الأميركية، بعد سنتين من تفشي وباء «كوفيد»، كسمة مميزة لثقافة «الاحتجاج اليسارية المتضخمة» في أميركا، ما يشير إلى «الخطورة» التي قد يتعرض لها الحراك الطلابي ومستقبله، في حال سيطرة هذا الجناح عليه.

 

مبنى قاعة هاميلتون الشهير (آ ب)

 

انتفاضات الحُرم الجامعية الأميركية... وتداعياتها المحتملة

صعّدت المجموعات الاحتجاجية تحركاتها حين أعلن الطلاب في جامعة كولمبيا، إحدى أعرق الجامعات الأميركية وأغناها ومهد تلك الاحتجاجات، احتلال قاعة هاميلتون الشهيرة؛ «حتى تلبية مطالبهم»، لكن الشرطة تدخلت وأخرجتهم منها مُزيلة مخيم الاعتصام أيضاً. للعلم، فإن للقاعة التي افتُتحت عام 1907، وتحمل اسم ألكسندر هاميلتون، أول وزير خزانة للولايات المتحدة، تاريخ حافل، إذ احتلها الطلاب عام 1968؛ احتجاجاً على حرب فيتنام، وعام 1972؛ احتجاجاً على قرارات جامعية، ثم في عام 1985، احتلها الطلاب؛ لمطالبة الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع دولة جنوب أفريقيا (العنصرية يومذاك)، الأمر الذي تحقّق، في وقت لاحق من ذلك العام، عندما صوّت مجلس الأمناء على بيع جميع أسهم الجامعة في الشركات الأميركية التي تعمل هنا. ومجدداً في عام 1992، احتلت احتجاجاً على قرار إدارة الجامعة تحويلها إلى مسرح ومجمع أبحاث طبي، فيما عُدّ طمساً لتاريخها في الدفاع عن حركة الحقوق المدنية، وخصوصاً أن مالكوم إكس، شريك مارتن لوثر كينغ، اغتيل فيها عام 1965. وفي حين يعتقد البعض أن معارضة الطلاب للحرب في غزة قد لا تنتهي مع بدء العطلة الصيفية، فهم يذكّرون باحتجاجات 1968، ضد حرب فيتنام، حين خطط المنظمون لاحتجاج كبير، أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في أغسطس (آب)، بمدينة شيكاغو؛ للتصديق على مرشح الحزب الرئاسي في ذلك العام. وكما حدث عام 1968، سينتهي العام الدراسي الحالي قريباً، وسيغادر هؤلاء الطلاب للصيف، ما قد يتيح لهم مزيداً من الوقت والتحضير، لتركيز جهودهم على اجتماع المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، الذي سينظَّم، هذا العام أيضاً، في شيكاغو خلال أغسطس المقبل. وتخطط الجماعات المناهضة للحرب بالفعل لتنظيم احتجاجات كبيرة، في المؤتمر. ونقلت صحيفة «شيكاغو تريبيون» عن ناشطين من شبكة الجالية الفلسطينية الأميركية قولهم إنهم سينظمون مسيرات في هذا المؤتمر الأهم منذ 1968، عندما نظَّم المتظاهرون في حرب فيتنام وحركة تحرير السود مظاهرات حاشدة جرى قمعها بعنف. ووسط الغضب المتزايد إزاء حصيلة القتلى المرتفعة في غزة، خصوصاً بين فئة الشباب الأميركيين، تحاول إدارة بايدن الموازنة بين دعمها لإسرائيل، وتخفيف تأثيره على إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن حملته الانتخابية بدت وكأنها تراهن على انتهاء التظاهرات، وتلاشي المشاعر الملتهبة، واصطفاف الناخبين الديمقراطيين في نهاية المطاف، عندما يقترب يوم الانتخابات، ويصبح الاختيار بين بايدن وترمب أكثر وضوحاً، وهو ما يحذر منه البعض ويعدُّونه مقامرة متهورة. وحقاً، يُظهر استطلاع للرأي، أجرته جامعة كوينيبياك، يوم 24 أبريل (نيسان)، أن 53 في المائة من الديمقراطيين يعارضون إرسال مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، لدعم جهودها في الحرب ضد غزة. وفي استطلاع أخير أجراه مركز «بيو» للأبحاث، وجد أن الأميركيين السود أقل ميلاً لدعم معاملة إسرائيل للفلسطينيين، مقارنة بالأميركيين البيض. وبينما تبيَّن أن 38 في المائة من الأميركيين البيض يؤيدون، في الغالب أو كلياً، إسرائيل في الحرب على غزة، فإن 13 في المائة فقط من الأميركيين السود يؤيدون ذلك. ويوم الثلاثاء، أيدت «منظمة الحزب الديمقراطي» في الكليات الأميركية، الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، ودعت الرئيس بايدن إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار في غزة. وفي بيان وافق عليه المجلس التنفيذي للمنظمة بأغلبية 8 أصوات مقابل صوتين، أشاد ديمقراطيو الكليات بالطلاب المحتجّين؛ «لامتلاكهم الوضوح الأخلاقي لرؤية هذه الحرب على حقيقتها: مدمرة وإبادة جماعية وغير عادلة»، وأدانوا مديري الكليات؛ لاستدعاء الشرطة لإلقاء القبض على الطلاب.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تفاوض في الدوحة وتجعل حياة غزة مستحيلة

المشرق العربي انفجار أعقب غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة الجمعة (رويترز)

إسرائيل تفاوض في الدوحة وتجعل حياة غزة مستحيلة

بينما استؤنفت المفاوضات في الدوحة، أمس، حول هدنة جديدة في غزة واتفاق تبادل أسرى، مع انشغال المحللين بمعايير التفاؤل والتشاؤم، وفي تفاصيل الخلافات حول بنود

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يعاينون حفرة أحدثتها غارة إسرائيلية في دير البلح وسط غزة الجمعة (د.ب.أ)

«يوم قاسٍ» جديد في غزة

رصد الجيش الإسرائيلي مقذوفَين أُطلقا من شمال قطاع غزة، في حادثة باتت متكررة في الأيام الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطيني يقف في موقع غارة إسرائيلية على منزل بمخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة (رويترز)

«حماس» تعلن استئناف محادثات «هدنة غزة» اليوم في قطر

أعلنت حركة «حماس» الفلسطينية استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن الهدنة بقطاع غزة، في وقت لاحق اليوم الجمعة، بقطر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية خارج مستشفى في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»... هل تشهد المفاوضات «انفراجة» بعد عودة المحادثات للدوحة؟

زخم جديد يعود لمحادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمغادرة وفد التفاوض إلى قطر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية انفجار أعقب غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة الجمعة (رويترز)

إسرائيل تفاوض في الدوحة... وتجعل الحياة مستحيلة في غزة

يجري قادة اليمين الحاكم مداولات حول مشاريع إعادة الاستيطان اليهودي في قطاع غزة وتوفير الظروف لجعل حياة الفلسطينيين فيه مستحيلة.

نظير مجلي (تل أبيب)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».