أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

الهيمنة لبكين... لكن نيودلهي تحاول تقديم نفسها «بديلاً للتنين»

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».


مقالات ذات صلة

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

حصاد الأسبوع من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

تختبر ليبيا راهناً، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمّدة، التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام معمر القذافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع برناردينو ليون (آ ف ب)

تاريخ من المبادرات لحل الأزمة الليبية... انتهت إلى «لا شيء»!

مرّ المشهد الليبي خلال العقد الماضي، بمحطات متعدّدة من المبادرات والمسارات بقيادة الأمم المتحدة لحل أزمة الانقسام السياسي والعسكري، لكن مآل هذه المبادرات.

حصاد الأسبوع ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

يوم الثلاثاء، تناقلت وسائل الإعلام خبر وصول طائرة «خاصة» إلى مطار فنوكوفو في العاصمة الروسية موسكو آتية من واشنطن. وتبين أنها تعود إلى إحدى شركات ستيف ويتكوف.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)

ترمب: ويتكوف سيواصل العمل للتأكد من غزة خالية من التهديد

يشير تاريخ العلاقة الطويلة التي جمعت بين دونالد ترمب وستيف ويتكوف، إلى الثقة العميقة والولاء الذي سيعطي ويتكوف حرية أكبر للمناورة في ملف السلام في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع الاضطرابات التي أدت إلى التغيير في بنغلاديش (أ ف ب)

بنغلاديش: ما وراء الإطاحة بالشيخة حسينة؟

منذ الإطاحة بنظام رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة واجد، خلال أغسطس (آب) 2024، تغيّرت البيئة الجيوسياسية في جنوب آسيا، حيث نشط عدد من اللاعبين الخارجيين في هذا الوسط بسبب مصالحهم الفردية. وللعلم، تضم بنغلاديش ثالث أكبر عدد من المسلمين، وتقع بالقرب من الممر البحري الحيوي لخليج البنغال؛ ما يعطيها ميزة جيو-استراتيجية فريدة، ويجعل منها شريكاً إقليمياً مربحاً. وكانت انتفاضة قادها الطلاب قد أزاحت حكومة الشيخة حسينة يوم 5 أغسطس 2024، مُنهية حكماً دام 15 سنة. وعلى الأثر فرّت حسينة إلى الهند، وتولت حكومة مؤقتة بقيادة البروفسور محمد يونس، الحائز «جائزة نوبل للسلام»، القيادة بدعم من المؤسسة العسكرية ذات النفوذ.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
TT

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)

تختبر ليبيا راهناً، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمّدة، التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذاقي عام 2011. ويأتي التحرك الأممي الجديد سعياً للخروج من «الحلقة المفرغة» التي تدور فيها ليبيا، في ظل وجود مسار موازٍ يقوده مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» يستهدف هو الآخر العمل على تشكيل «حكومة جديدة موحّدة» تقود البلاد إلى الانتخابات العامة المعطلة.

ووسط اشتباكات الانقسام المحلي والاستقطاب الدولي للأزمة الليبية، التأمت في العاصمة طرابلس أعمال لجنة استشارية شكَّلتها البعثة الأممية من 20 ليبياً لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في قانوني الانتخابات.

اللجنة الاستشارية التي تشكّلت ضمن مبادرة أطلقتها ستيفاني خوري، القائمة بأعمال المبعوث الأممي في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2024، انتهت من اجتماعها الافتتاحي الذي استمر يومين في طرابلس، وتتحضّر للاجتماع الثاني، في حين وصفت البعثة أعمالها بأنها «مُثمرة» وتطرقت إلى القضايا الخلافية الرئيسة المتصلة بالإطار الانتخابي.

محمد المنفي (أخبار الأمم المتحدة)

حسب معلومات «الشرق الأوسط»، فإن حصيلة اجتماعين للأعضاء اللجنة أظهرت «تفاؤلاً حذراً بإمكانية توصلها إلى حلحلة للأزمة»، لا سيما «مع حصولها على ضمانات من البعثة لجهة الامتناع عن التدخل في أعمالها».

اختلاف حول الجدوى

أما خارج قاعة اجتماعات اللجنة، فقد اختلف الساسة والبرلمانيون حول الجدوى من تشكيل هذه اللجنة ومدى إمكانية توصلها إلى حل، في استباق يراه متابعون «سيناريو» مكرّراً شهدته ليبيا من قبل. ويتوازى التباين الليبي مع خلاف أعمق بين معسكرين تمثله حكومتان تتقاسمان السلطة في ليبيا: الأولى برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي تتّخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والأخرى مُكلفة من البرلمان تدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب برئاسة أسامة حمّاد.

في معسكر المؤيدين للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، يرفض ساسة وبرلمانيون «وضع العربة أمام الحصان»، أو ربما استراتيجية البحث عن «العفريت» وفق توصيف عضو مجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط. وينطلق أصحاب هذه الرؤية من اعتقاد أن ليبيا تعيش متوالية أزمات قسّمتها سياسياً وأمنياً، ووضعتها على حافة التقسيم والإفلاس، وأخفقت أمامها جولات سابقة في الصخيرات (بالمغرب) وغيرها (...) بما يقتضي التمسّك حتى ولو بـ«أنصاف الفرص». ويستند المتفائلون بحل دولي، إلى أن الممثّلين في اللجنة الاستشارية من الأكاديميين والتكنوقراطيين، وليسوا من أصحاب المصالح أو محل الخلاف، وأن الهدف النهائي هو «التوصّل لمقترحات بحلول للقضايا الخلافية في الأزمة السياسية»، وفق عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي.

شكوك إزاء البعثات الأممية

للعلم، سبق أن شكّلت البعثة الأممية «ملتقى الحوار السياسي الليبي» الذي عمل بين تونس ومدينة جنيف السويسرية بين عامي 2020 و2021، وانتهى إلى انتخاب السلطة التنفيذية ممثلة في المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفّي وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة الدبيبة.

في المقابل، يهيمن التشاؤم على معسكر الساسة والفاعلين المحليين الذين يرون أن البعثات الأممية أخفقت في تقديم حلول حاسمة على مدار قرابة 14 سنة، حتى باتت تدير الأزمة، بل و«تسعى لتنفيذ أجندات دول متنفذة في ليبيا»، وهي رؤية يتبنّاها عضو مجلس النواب الصالحين عبد النبي.

إلا أن البعثة الأممية دائماً ما تدفع هذا الاتهام بالتأكيد على وقوفها على مسافة واحدة من الأطراف كافة. ويتمسّك الرافضون للحلول الدولية للأزمة الليبية، بخيار الإجماع الليبي - الليبي حول طاولة واحدة، انطلاقاً من إرادة جامعة للاتفاق على الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ستيفاني خوري (البعثة الأممية)

وهنا عادت التساؤلات عن تأخّر «الحل الدستوري»، وتحديداً الاستفتاء على مواد مشروع الدستور الذي جرى إقراره قبل 7 سنوات، أو حسب علامة استفهام طرحها رئيس اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي نوح عبد السيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»؛ إذ قال: «أليس من الأجدىَ توجيه هذا الوقت المهدور لصالح إقرار الدستور»؟

وحقاُ، رغم التباينات على ضفّتي المسار الأممي الوليد في ليبيا، لا يزال اختلاف الأفرقاء حيال السماح بترشح «مزدوجي الجنسية والعسكريين» أو منعهم من الترشح للانتخابات الرئاسية، واحدة من العقد الرئيسة في القوانين الانتخابية التي حالت أيضاً دون الاستفتاء على الدستور. وللعلم، تعثّرت العملية السياسية التي كانت تستهدف حلّ الصراع الليبي، فتعذّر إجراء انتخابات كانت مقرّرة في ديسمبر 2021 وسط خلافات حول أهلية المرشحين الأساسيين.

العقبة الأخرى أمام المسار الأممي التي يرصدها متابعون، تتمثل في مسار آخر يسير فيه نواب من مجلس النواب و«المجلس الأعلى الدولة» بقصد الوصول إلى تشكيل «حكومة جديدة موحّدة» قادرة على قيادة ليبيا إلى انتخابات تشريعية وتنفيذية، وهو ما ترفضه حكومة طرابلس أيضاً. مع هذا، ثمة مَن يرى أن هذين المسارين «قد يثمران في كل الأحوال عن نتائج قد تحرّك العملية السياسية الراكدة»، بعيداً عن حالة الجمود التي تعيشها منذ أكثر من عقد. وهكذا، أمام تعقيدات الحالة الليبية، يكون التحدّي وفق رؤية محللين ليبيين، من بينهم الباحث أحمد أبو عرقوب هو مدى قدرة البعثة على تمرير مُخرجات اللجنة الاستشارية، وبالأخص، «في ظل ابتعاد الأطراف السياسية الأساسية عن عملية تشكيلها».

«خريطة الطريق»

بدأت بوادر هذا التحدّي في وقت مبكّر، عندما اجتمع أعضاء لجنة من مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» في منتصف الأسبوع الماضي لوضع «خريطة طريق» لسلطة تنفيذية جديدة توصل إلى الانتخابات، فيما اعتبره مراقبون «قطعاً للطريق» أمام العملية التي تقودها الأمم المتحدة.

هنا يُشار إلى أن أحزاب سياسية ليبية دخلت أيضاً على الخط، عبر مشاورات تهدف للتوصل إلى مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية، تتضمن تشكيل «حكومة موحّدة». ويُذكر أن هذه الأحزاب «ذات الرصيد الشعبي المحدود» - وفق مراقبين - تعتقد أنها ستقدّم «بديلاً لمبادرة الأمم المتحدة». ويبدو أن الشكوك المحلية لا تزال قائمة رغم تأكيدات متكرّرة من البعثة عن أن لجنتها لن تكون بديلاً عن تحرّكات مجلس النواب و«مجلس الدولة»، بل ستعمل، وفق مسؤول الملف السياسي والعمل الميداني بالبعثة عمر المخفي، على مقترحات حول قانون الانتخابات، وتحديد مصير المجلس الرئاسي، والحكومة.

في هذا السياق، لم تستبعد مصادر مقربة من البعثة الأممية خيارات دولية ضد المُعرقلين هذه المرة متمثلة في العقوبات. وربما تكون هذه التدابير العقابية المتوقعة «أكثر حسماً وصرامة» من عقوبات سابقة على فرضها الاتحاد الأوروبي على رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح و«المؤتمر الوطني الليبي العام السابق» نوري أبو سهمين في عام 2016 لاتهامهما بـ«عرقلة» حكومة «الوفاق الوطني» المنبثقة عن «اتفاق الصخيرات». وفي تصوّر آخر لسيناريوهات المسار الأممي، لا تغيب فرضية «منح فسحة من الوقت» أمام المبعوثة الأممية الجديدة هانا تيتيه، للتعرّف على الملف الليبي، وتكوين فكرة خاصة بها تساعدها على إطلاق مبادرة جديدة مبنية على توافقات دولية وإقليمية. ويشار هنا إلى أن المبعوث الأميركي إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، أكد خلال لقائه تيتيه منتصف الأسبوع الماضي، دعم واشنطن لمهمة البعثة الأممية، بينما بقي التساؤل قائماً حول فرص حضورها جلسة دورية لمجلس الأمن الدولي الشهر الحالي لمناقشة الأوضاع المعقدة في ليبيا.

موقف المجتمع الدولي

أما عن موقف المجتمع الدولي، ورغم ما يظهر من تأييد واشنطن والاتحاد الأوروبي لمهمة اللجنة الاستشارية بصفتها خطوة أولية على مسار المبادرة الأممية الناشئة، فإن تقديرات بحثية غربية تذهب إلى «حاجة الأمم المتحدة الماسة إلى دعم دولي واسع النطاق». في هذا السياق، فإن مُخرجات اللجنة الاستشارية الدولية تحتاج «إما إلى الاتفاق عليها بين القادة الليبيين أو فرضها عليهم»، حسب تيم إيتون الباحث المتخصّص في الشؤون الليبية بمركز «تشاتام هاوس» البريطاني، الذي استبعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إمكانية «قبول قادة ليبيا أي حلول من دون وساطة دولية قوية». إذ يرى إيتون أن التوافق على حلول للأزمة قد يحتاج إلى «إقرار واتفاق بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في حين أن الانقسام والفساد في ليبيا سيقودان إلى كارثة».