كومال سري كومار
TT

ما يحدث في واشنطن مهم للأسواق

مع القرار الأخير لمجلس الشيوخ الذي يقضي بعدم تنفيذ حتى ما يطلق عليه إبطال خطة الرعاية الصحية التي دعمها أوباما، تقف إدارة ترمب على مفترق طرق. لا يزال الرئيس دونالد ترمب وبعض مستشاريه البارزين عازمين على إلغاء نظام الرعاية الصحية بشكله الحالي. على الجانب الآخر، يفضل عدة أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب التركيز على خفض الضرائب على الشركات والأفراد في محاولة لتعزيز النمو.
رغم أن إصلاح الرعاية الصحية وتحقيق نمو لإجمالي الناتج المحلي سنويا قدره 3 في المائة أو يزيد كانا من وعود ترمب الانتخابية المهمة، فسيكون للهدف الذي تسعى وراءه الإدارة بالأساس آثار كبيرة على المستثمرين، حيث سيؤدي التركيز تحديداً على الرعاية الصحية باعتبارها أولوية إلى إحباط المستثمرين في الأسهم.
تأمل كل الأطراف المشاركة في السوق المالية في الاستفادة من إلغاء اللوائح التنظيمية المجحفة والمقيدة، وخفض الضرائب على الشركات، ووضع خطط للإنفاق على البنية التحتية. على المستوى الواقعي لا يمكن للكونغرس الأميركي التعامل مع هاتين المسألتين الكبريين في الوقت ذاته.
في ظل التباين الحاد في الآراء حتى بين الجمهوريين بشأن قضايا منها تغطية نظام التأمين الصحي للمرضى، الذين يعانون من أمراض أصيبوا بها قبل تاريخ التغطية، واستمرار الدفع للمؤمن لهم من أجل دعم المشاركين محدودي الدخل، من غير المرجح الوصول إلى حل سريع للجدل بشأن الرعاية الصحية. كذلك على كبار المسؤولين مثل ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأميركي، إقناع الكونغرس بزيادة سقف الدين الفيدرالي، حيث من المتوقع، بحسب تقديرات «بلومبيرغ إنتيليجنس»، أن تنفد أموال الحكومة الأميركية في 3 أكتوبر (تشرين الأول)، وسيكون التخلف عن سداد دين وزارة الخزانة، أو تعطل الحكومة عن العمل، من نتائج عدم إقرار قانون خاص بالدين في الوقت المناسب.
تعني مثل تلك الضغوط المتصارعة أنه في حال بقاء مسألة الرعاية الصحية على جدول أعمال الكونغرس، قد لا يتم الإصلاح الضريبي، أو خفض اللوائح التنظيمية قبل عام 2018 على الأقل. إلى جانب ذلك، أسفرت المحاولات الدؤوبة الكثيرة المبذولة في اتجاه نظام الرعاية الصحية عن مشاحنات بين أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، وتدهور العلاقات بين مجلس الشيوخ وترمب. في حال محاولة ترمب، ومجلس الشيوخ، مرة أخرى إلغاء نظام الرعاية الصحية الحالي والفشل في ذلك، من المرجح أن تتلقى ثقة المستثمرين في تمرير وإقرار إصلاحات صديقة للسوق ضربة أخرى، مما يؤثر سلباً على سوق الأسهم.
مع ذلك لم تتجل مخاوف المستثمرين بعد في أسواق الأسهم، حيث ساعدت الزيادة الصحية في أرباح الشركات الأميركية خلال الربع الثاني من العام في دفع الأسواق نحو أرقام قياسية جديدة، مما جعل بعض المحللين يرون أن الجمود السياسي في واشنطن لم يؤثر بشكل ملحوظ على الأسواق المالية، بل ذهب البعض إلى القول إن امتناع الحكومة عن اتخاذ أي خطوة سيكون تطوراً إيجابياً، لأنه يعني قدراً أقل من التدخل في آلية السوق.
لا يوجد أساس يدعم مثل هذا الشعور بالاطمئنان والأريحية، بل كان توقع قيود أقل على أنشطة المصارف عنصراً مهماً في تفسير ارتفاع القيم في القطاع المالي حتى هذه اللحظة من العام الحالي. وأسفر تصريح ترمب بأنه سوف ينفق نحو تريليون دولار على مشروعات في البنية التحتية عن ارتفاع قيمة أسهم شركات مثل «كاتربيلار إنكوربوريشن» و«إيكوم»، بمجرد إعلان نتائج الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني). ولا تزال أسهم الشركتين تحافظ على ارتفاعها عن مستواها خلال الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية. أيضاً سوف يكون عدم اتخاذ إجراء على تلك الأصعدة مؤشراً يدل على حاجة أسواق الأسهم إلى تغيير المستويات المبالغ فيها. على سبيل المثال، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» في التداول بأرباح على الأسهم أكبر بمقدار 21 مرة عن الأشهر الاثنىي عشر الماضية، وأرباح أكبر بمقدار 30 مرة بحسب الأرقام المعدلة الخاصة بالنسبة بين الأسعار والأرباح لروبرت شيلر، الأستاذ في جامعة ييل.
يمكن القول ببساطة إن أرباح الشركات تحتاج إلى مزايا الضرائب المفضلة، والسياسات التنظيمية حتى تستمر في الزيادة. على سبيل المثال، سوف ينجح معدل الضريبة على الشركات البالغ 15 في المائة، الذي يفضله ترمب، وهو أقل من أعلى معدل معمول به حالياً والبالغ 35 في المائة، في حال إقراره، في تشجيع الشركات الأميركية على إعادة حصة أكبر من الأموال، التي تزيد على تريليوني دولار، والتي تحتفظ بها في الخارج، تهرباً من الضرائب المرتفعة في الولايات المتحدة. سوف يتم توظيف جزء من تلك المبالغ لدفع الأرباح المرتفعة على الأسهم المستحقة لحاملي الأسهم، لكن من المرجح أن يتم استخدام جزء كبير منها في زيادة الإنتاج وتعيين عاملين.
ما الخيارات المتاحة أمام المستثمرين؟ سوف تظل الأسهم جاذبة في حال تم دعمها من خلال إجراءات تحفيزية وعد بها ترمب منذ مدة طويلة. على الجانب الآخر، في حال استمرار تركيز النقاشات السياسية على نظام الرعاية الصحية، ربما يقرر المستثمرون الحد من المخاطرة بأسهمهم، واكتشاف أن الذهب يلمع ويتألق أكثر مما كان خلال الأسابيع الماضية، ويبحثون عن الأمان في سندات الخزانة الأميركية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»