سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

ثورة كاشفة

لا تزال تداعيات ثورة المصريين على حكم الإخوان، في 30 يونيو (حزيران) الماضي، تتتالى يوما بعد يوم، ولا تزال هذه التداعيات تكشف، يوما بعد آخر، عن أسباب كثيرة من أجلها ثار المصريون، وهو الأمر الذي يجعل أي متابع لها، يتساءل بينه وبين نفسه بالضرورة، عن السبب الأخطر بينها. هل ثاروا لأنهم اكتشفوا - مثلا - أن الإخوان أصلح للمعارضة، منهم للحكم، وأنهم ظلوا يجاهدون في سبيل الوصول إلى السلطة، لأكثر من 80 عاما، فلما وصلوا إليها كانوا أعجز الناس عن النهوض بمسؤولياتها؟! قد يكون هذا من بين الأسباب، بل هو من بينها فعلا، إن لم يكن في مقدمتها، لأن كل مصري طوال العام الذي حكم فيه مرسي، كان يسأل نفسه في غيظ، ثم في إحباط، عما إذا كان لعجز الإخوان في السلطة، من نهاية؟! لقد تصور الذين مالوا إلى المرشح الإخواني في سباق الرئاسة، في مواجهة الفريق أحمد شفيق، أن الجماعة الإخوانية سوف يكون لديها الحد الأدنى من الدراية بشؤون الحكم، وأنهم سوف يؤدون بشكل ما، وأنهم سوف يتعلمون من أخطائهم، وأنهم سوف يراجعون أنفسهم، وأنهم.. وأنهم.. فإذا بنا، منذ بدء العام إلى نهايته، أمام مجموعة من الهواة، الذين جاءوا ليحكموا وفق نظرية التجربة والخطأ، وهي بطبيعتها تجعل صاحبها يتصرف على أساس أن يخطئ في أمر ما، فيجرب غيره، فإذا أخطأ فيه هو الآخر، راح يجرب الأمر الثالث، وهكذا.. وهكذا.. مستفيدا من السابق للاحق. غير أن حتى هذه النظرية، ثبت أن الإخوان هواة أيضا فيها، لأنها، كنظرية، لا يمكن أن تكون صحيحة، لدى من يعمل بها، إلا إذا كان يأخذ من خطئه، لصوابه، وهو ما لم يحدث، طوال الـ12شهرا، فأصبحنا، كمصريين، نخرج من حفرة، لنسقط في بئر، ونتخلص من خطأ، لنقع في خطيئة! هذا السبب، إذن، كان في مقدمة الأسباب التي من أجلها، اندفع المصريون إلى الشوارع والميادين، يوم 30 يونيو، وصمموا على أن لا يعودوا إلى بيوتهم، إلا إذا غادر مرسي كرسي الحكم، وإلا إذا غادرت الجماعة، الحكم، إلى غير رجعة، بعد أن اتضح أنها ضلت سبيلها إليه، غير أنه، كسبب، ليس الأخطر، كما سوف نرى عند نهاية هذه السطور! فهل كان اندفاع الإخوان، نحو أخونة الدولة، هو ذلك السبب الأخطر؟!.. الإجابة هذه المرة سوف تكون بـ«لا» أيضا، لأنه إذا كان صحيحا، أن الأخونة قد انطلقت في طريقها وكأنها قطار راح يدهس من يتصادف أن يكون واقفا في طريقه، فقد كان محكوما عليها بالفشل، مهما طال مسارها، لأنها ضد الطبيعة المصرية، وهو ما لم تنتبه إليه جماعة مرسي، مع شديد الأسف، وربما يكون عدم انتباهها من حسن حظنا طبعا، لأن عدم الانتباه هذا، قد أدى بشكل من الأشكال، إلى أن يتبين لكل مصري محب لوطنه، أن هؤلاء الذين جاءوا للحكم، لا يدركون معنى وطن، ولذلك، فقد كانوا يتعاملون معه، بعبثية مدهشة!. كان كثيرون بيننا، يتابعون عملية الأخونة الخائبة، ولسان حالهم يقول: ماذا يفعل هؤلاء الإخوان التعساء؟! وكيف يتصورون أن ما يفعلونه، مع ما بينه وبين طبائع المصريين من تناقض حاد، يمكن أن يمر، تحت أي ظرف؟! إذا لم يكن هذا السبب، ولا ذاك، يمثلان معا، أو كل واحد منهما على حدة، أخطر الأسباب التي لأجلها ثار الملايين الثلاثون، على حكم الجماعة، فما هو، يا رب، ذلك السبب؟! هل يمكن، للمرة الثالثة، أن يكون سلوكهم، كجماعة حاكمة، في سيناء هو السبب الأقوى للثورة؟!.. يجوز طبعا، لأن ما يتضح لنا، ساعة بعد ساعة، مما ارتكبوه في حق ذلك الجزء الغالي من الدولة المصرية، يكفي وحده، لتفجير ثورة في العالم، لو كان هذا العالم صاحب ضمير حي حقا.. وإلا.. فما قولك في رئيس دولة مسؤول، أو المفروض فيه أنه مسؤول، مثل مرسي، يقوم بالإفراج عن مُدانين في جرائم كبرى، بعفو رئاسي منه، ثم يدفع بهم، إلى سيناء، ويقف في الوقت نفسه، في وجه أجهزة الدولة المعنية، إذا ما فكرت في مواجهة هذا العبث، ومقاومته؟! وما قولك، في رئيس دولة مسؤول، أو المفروض أنه مسؤول، مثل مرسي، يجري تحت بصره خطف سبعة جنود من أفراد الجيش المصري، في سيناء، وتهتز مصر كلها، للحادث، وتحتشد طلبا لجنودها المختطفين، فإذا بالرئيس يطلب من وزير دفاعه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، علنا، أن يحافظ وهو يحرر الجنود السبعة، على حياة الخاطفين، بقدر حفاظه على حياة المختطفين!!.. لقد تمنيت، لو وضعت مائة علامة تعجب، عند آخر هذه الجملة الأخيرة، ليلتفت القارئ الكريم، إلى أن هذه ربما تكون هي المرة الأولى التي يطلب فيها رئيس مسؤول، من وزير الدفاع، طلبا من هذا النوع، إذ لا يعني هذا الطلب، شيئا، سوى أن بين الرئيس المسؤول، وبين الخاطفين، الذين هم إرهابيون، ما لا نعرفه في حينه، وسوف نعرفه لاحقا بإذن الله. بقي أن أقول، إنه إذا لم يكن أي من هذه الأسباب الثلاثة، يصلح لأن يكون السبب الذي نبحث عنه، منذ بدء هذه السطور، فأستطيع الآن أن أقول، إن السبب إياه يتلخص في أننا، كمصريين، نكتشف في اللحظة الحالية، ومن خلال ردود فعل مجنونة في دولة مثل تركيا، أو عاصمة مثل واشنطن، على إزاحة الإخوان، أنهم كانوا يحكموننا لحساب تلك الدولة، وهذه العاصمة، وليس لحساب كل مواطن مسكين انخدع فيهم.. فيا لها من خدعة كبرى، عاشها وطن كامل، بامتداد عام كان علينا من أتعس الأعوام، ولم يكن أمام الوطن الغالي، إلا أن ينتفض حفاظا على ما تبقى فيه!