إميل أمين
كاتب مصري
TT

عاصفة في الكونغرس

يوماً تلو الآخر تنكشف الحقائق... حبل الأكاذيب قصير، كما أن التحايل والتسويف والهروب إلى الأمام جميعها لا تفيد... هل هذا هو حال ومآل قطر؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك سيما إذا تأملنا جلياً وسوياً ما جرى من عاصفة في الكونغرس الأيام القليلة الماضية وبعد الاتهامات الرسمية من قبل رئيسة اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الكونغرس الأميركي إليانا روس لتينن لمسؤول قطري لم تحدد هويته بتقديم دعم مادي إلى القيادي في تنظيم «القاعدة» خالد شيخ محمد، الذي يعتبر العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) الشهيرة.
اتهام السيدة لتينن في واقع الأمر ليس بالجديد أو المفاجئ لسكان الخليج العربي ولا بقية دول الشرق الأوسط، إذ في جعبتهم ما هو أكثر من ذلك بكثير، فطريق الإرهاب القطري تجاوز مانهاتن إلى الكثير من العوالم والعواصم العربية، وإنما المثير والخطير هو التحول الحادث في الولايات المتحدة جهة قطر على الصعيدين الرسمي الحكومي الذي بات يقر ويعترف بأن دعم قطر للإرهاب حقيقة واقعية وأن الدول الأربع التي رأت حفاظاً على أمنها القومي مقاطعة قطر على حق.
أما الرأي العام الشعبي فقد تحول ولا شك موقعه وموضعه من الأزمة القطرية وبخاصة بعد اطلاعه على الجديد من تفاصيل علاقة قطر بالإرهاب المعولم.
والشاهد أن المواقف الرسمية الأميركية لا تنطلق من فراغ بل من تقارير رسمية مثل تقرير وزارة الخارجية عن الإرهاب حول العالم لعام 2015 والذي جاء فيه بالنص إن «الكيانات والأفراد داخل قطر لا يزالون يشكلون مصدراً للدعم المالي للجماعات الإرهابية المتطرفة العنيفة ولا سيما الجماعات الإقليمية التابعة لتنظيم (القاعدة) مثل جبهة النصرة».
عاصفة الكونغرس تعكس في واقع الأمر عدة حقائق على درجة عالية من الأهمية؛ أولاها أن الدول الأربع هي دول حليفة موثوقة من قبل واشنطن، وهذا ما أشارت إليه السيدة لتينن بنفسها... «لا يوجد عذر لإيواء الإرهابيين والجماعات الداعمة لهم التي تسعى إلى الإضرار بحلفائنا».
تصريحات المسؤولة الأميركية تميط اللثام عن مسألة كارثية تتصل ببعض الإدارات الأميركية السابقة التي تماهت مع إرهاب قطر... «لا ينبغي أن تواصل قطر هذه السياسة الطائشة بسبب أخطاء الماضي التي ارتكبتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة».
لم تكتف سيدة الكونغرس بالحديث عن الماضي، بل تناولت المستقبل ذاك الذي لا تزال فيه واشنطن مرتبطة بقطر عبر القاعدة العسكرية تلك التي تفقد حضورها يوماً تلو الآخر في عيون الأميركيين أنفسهم، فبعد تصريحات ترمب عن إمكانية وجود عشر دول على استعداد لاستضافتها تجيء السيدة لتينن لتحذر قطر من أنه لا يجب السماح باستخدام القاعدة الجوية الأميركية كوسيلة لتبرير ذلك النوع من السلوك وانعدام الاستجابة، وأنه إن لم تغير الدوحة سلوكها الراهن، وإذا لم تفعل ذلك فإنها تخاطر بفقدان تعاون الأميركيين معها.
ما يجري في واشنطن ولا شك يقطع الطريق على قطر التي تحاول استمالة الأميركيين إلى صفها بكل السبل، ويزداد المشهد القطري تأزماً عندما يقدم بعض المسؤولين الأميركيين شهادات مكتوبة للكونغرس مثلما فعل جوناثان شانزر نائب رئيس البحوث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والتي قال فيها إن قطر دعمت الجماعات الإرهابية، معتبراً أن هذا الدعم يبعث على القلق مع وجود قاعدة أميركية في قطر، ويصف هذا التناقض بأنه مجنون.
لا ينطلي تلاعب قطر على الأميركيين من كبار الكتّاب والمسؤولين الأمنيين السابقين وفي المقدمة منهم ريتشارد كلارك رئيس لجنة مكافحة الإرهاب السابق والمسؤول عن تقرير 11 سبتمبر، فقد أشار من قبل إلى قصة احتضان قطر لخالد شيخ محمد، موضحاً الحماية التي وفرها له مسؤول قطري سابق.
أما مايكل موريل النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ففي حواره الأخير مع قناة «بي بي إس» الأميركية يتهم قطر مباشرة بتمويل واستضافة مكاتب لمنظمات تعتبرها واشنطن إرهابية مثل حماس وطالبان.
أما «كينيث تيمرمان» الكاتب المرموق في صحيفة «ذي هيل» المعنية بأخبار الكونغرس، فيشير في مقال له إلى أن قطر موّلت تنظيم «القاعدة» بشكل رسمي ومباشر منذ عام 1998. وذلك عبر سفارتها في لندن، ويضيف في مقاله المعنون «الولايات المتحدة والشركاء العرب» أنه يجب على الطرفين الاستمرار في القضاء على العلاقات الإرهابية لقطر.
في مواجهة عاصفة الكونغرس والكثير من العواصف التي تتوقع الدوحة أن تهب عليها من داخل الولايات المتحدة، تدفع الحكومة القطرية مبلغ 1.7 مليون دولار شهريا لجماعات الضغط وشركات الدعاية لتحسين صورتها في أعين المسؤولين الرسميين ولدى عموم الأميركيين، والعهدة هنا على الراوي مجلة «بوليتيكو» الأميركية الشهيرة.
يفوت قطر أن الولاءات لا يمكن شراؤها بملايين الدولارات المشبوهة، والصداقات كذلك لا تعقد على جثث ودماء الأبرياء حول العالم، حتى في بلد الديمقراطية فيه معروضة على الأرصفة لمن يدفع أكثر.
قطر... هل تبين الرشد من الغي؟