ليونيد بيرشيدسكي
TT

كيف تصل الأسلحة للإرهابيين؟

لا يمثل تساهُل قانون حمل السلاح الأميركي مشكلة محلية فقط. فقد أظهرت دراسة حديثة عن مبيعات الأسلحة عبر الإنترنت أن الولايات المتحدة تعد مصدراً للأسلحة غير المشروعة في أوروبا. فبعد نشر تقارير أفادت بأن مستخدمَي الأسلحة التي استخدمت في حوادث إطلاق النار في ميونيخ عام 2016 وفي اعتداء باريس الإرهابي عام 2015، قد ابتاعاها من خلال الجانب الخفي في الإنترنت، المعروف بالجانب المظلم. وقد حصلت شركة «راند كوروبريشن» على مقابل مادي نظير قيامها بأول دراسة عن تجارة الأسلحة غير المشروعة، وقام بالدراسة فريق يقوده جيكامو بريسي باولو الذي أجرى في السابق دراسات لصالح الأمم المتحدة عن تهريب الأسلحة الخفيفة. وقضى الفريق البحثي أسبوع في سبتمبر (أيلول) 2016 يراقب أنشطة 52 بائع أسلحة في 15 سوقاً عبر الإنترنت. جاءت النتائج مربكة، فرغم أن مبيعات الأسلحة كانت صغيرة بالمقارنة بتجارة المخدرات، فقد كان «مجالها أوسع ونوعياتها أفضل وأكثر تطوراً من تلك الموجودة في المتاجر». وبحسب الأبحاث، فقد بيعت أسلحة وقطع غيار وذخيرة ومتفجرات بقيمة 80 ألف دولار في الأسواق الإلكترونية التي راقبوها في شهر واحد فقط، وأغلب العائدات كانت من مبيعات المسدسات. ويبلغ متوسط سعر مسدس طراز غلوك 1189 دولاراً أميركياً، وهو ما يعني أن مئات قطع الأسلحة تباع بصورة غير قانونية كل عام. الأهم من كل هذا هو وجهة تلك الأسلحة، فالبائعون يتركزون بصفة أساسية في الولايات المتحدة نظراً لضخامة سوق الأسلحة المشروعة بها، ناهيك من تطور أسواق الإنترنت. ورغم صعوبة تحديد وجهة بيع الأسلحة، فقد خلص الباحثون إلى أن «أوروبا هي المشترى الرئيسي». يبدو ذلك معقولا جزئيا نظرا للأرباح التي يجنيها البائعون باستهدافهم للمشترين عبر دول الأطلسي؛ ففي الولايات المتحدة يبلغ سعر مسدس طراز غلوك عند بائع التجزئة 459 دولارا، مما يعني أن الربح يتخطى مائة في المائة، مما يجعل من عملية الشحن والبيع في أوروبا أمرا يستحق المغامرة (حتى وإن ثبت أن الأسلحة المستخدمة في حادثتي ميونيخ وبرلين وصلت للجناة من خلال بائعين أوروبيين).
لسوق الإنترنت المظلم كثير من الفوائد للمشترين الأوروبيين، إذ إن احتمال التعرض للنصب أو الاحتجاز في عملية غش يعتبر كبيرا، لكن شراء سلاح في الشارع لا يقل خطورة أيضا. فأسواق الإنترنت أسهل في الحصول على أسلحة بطريقة غير قانونية مقارنة بالبحث عن تجار في أرض الواقع. وأغلب عمليات البحث عبر الإنترنت تنتهي بالعثور على البائع، ويرجع ذلك لسهولة تحديد موقعه، وإن كان الباعة غير موثوق بهم في أغلب الأحيان. في أوروبا، وفي ضوء قوانين حمل السلاح الصارمة، يمكن أن تصبح الصفقات التي تتم في الشارع أخطر مع اضطرارك لالتقاط طرد أو جهاز كومبيوتر بعد أن يجري إخفاء السلاح بداخلة أو تضطر إلى الحصول عليه مجزأ وعلى مراحل لتقوم بتجميعه لاحقا.
يؤيد الأوروبيون الإجراءات الصارمة للحد من حمل السلاح، ورغم أن تقليص عدد الأسلحة لا يعنى تراجع الجرائم، فقد أظهر عدد من الدراسات صلة وثيقة بين الاثنين. فالدول الأوروبية التي تحظر على مواطنيها حمل السلاح تفتخر بأن مستوى الجريمة أقل من الولايات المتحدة.
ويبين تقرير «راند» كيف أن القوانين الأوروبية يمكن التحايل عليها في حال بيعت الأسلحة بطريقة قانونية في أي دولة بها إنترنت وخدمة بريدية جيدة. فأي إنسان يملك حاسوبا وشيئا من العزيمة بمقدوره المشاركة في تجارة الأسلحة العالمية، ويعنى هذا أن تخفيف القيود على الأسلحة في الولايات المتحدة، تحديدا القوانين التي تحدد عدد القطع المسموح لكل شخص حيازتها في دولة ما في وقت محدد، يمكن أن تحد من تدفق الأسلحة على دول ذات سوق سوداء عطشى يجني فيها التجار مبالغ طائلة.
ولسوء الحظ، فحتى الولايات الأميركية التي تحد من مبيعات الأسلحة مثل كاليفورنيا، ونيوجيرسي، وميريلاند، تسمح بشراء سلاح واحد كل شهر، وهو معدل يفوق احتياجات أي شخص لحماية نفسه، ويكفي لتأمين دخل في حال رغب مشتري السلاح في شحنه لبيعه في أوروبا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»