يتصارع البنك المركزي الأوروبي مع كيفية الخروج من سياسة الاستيعاب الفائق، والتي غلبت على جُل فترة رئاسة ماريو دراغي للبنك الكبير.
وفي محاولة تحديد المسار بعيدا عن هذا المنحدر، من المفيد الاعتبار بدروس الماضي. أي منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي على وجه التحديد. وذلك عندما اتخذ البنك المركزي الأوروبي أولى خطواته المؤقتة من التيسير الكمي، فيما بدا حينها أنه من الخطوات التراجعية الكبيرة، وكان برنامج شراء السندات الضخم يهدف إلى الإبقاء على أسعار الفائدة عند أدنى معدلاتها.
وفي ذلك الوقت، كان المسؤولون عازفين عن وصف هذه الخطوة بالعائق. وربما كانوا أكثر راحة بشأن التسميات في هذه المرة، مع اعتبار الانتعاش الذي شهده اقتصاد منطقة اليورو.
وكان تراجع دراغي عن الظهور المقرر الشهر المقبل في منتدى جاكسون هول لبنك الاحتياطي الفيدرالي – وهو المنتدى المصرفي للبنوك المركزية الدولية والذي يشبه منتدى دافوس الاقتصادي – قد أثار التكهنات بأنه سوف يكشف عن المخرج هناك.
وفي واقع الأمر، يبدو أن اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل من الأمور المؤكدة. وهو اليوم الذي يضع فيه صانعو السياسات التوقعات الجديدة بشأن التضخم والنمو، وتقديم المبررات حول المسار الذي سوف يتخيّره المسؤولون في خاتمة المطاف. وهناك اجتماع هذا الأسبوع من شأنه تمهيد الأجواء للاجتماع الكبير المرتقب.
ولكن لا ينبغي أن ننتظر نهاية مفاجئة لبرنامج شراء السندات، ولا ينبغي أن نفكر حتى في زيادة أسعار الفائدة القياسية لدى البنك المركزي الأوروبي. ومن غير المتوقع حدوث أي تغيير في أسعار الفائدة حتى عام 2018، وفقا لتوقعات أغلب خبراء الاقتصاد.
ورغم استمرار ارتفاع معدلات التضخم، فإنه لم يبلغ حتى الآن هدف البنك المركزي الأوروبي بأدنى من نقطتين مئويتين منذ عام 2003. ومن الصحيح، أن البنك المركزي الأوروبي ليس البنك الوحيد الذي يصارع من أجل الإبقاء على أدنى معدلات للتضخم. (تذكروا عندما كانت هذه المشكلة من أفضل المشكلات التي يتعين التعامل معها!) أما بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، على سبيل المقارنة، فقد بلغ هدف النقطتين المئويتين على أدنى تقدير في فبراير (شباط) الماضي، على الرغم من التراجع الذي تحقق فيما بعد.
ولذلك، ومن ناحية مصطلحات التضخم المعروفة، سوف يبدأ البنك المركزي الأوروبي المحادثات في رواق آخر غير رواق بنك الاحتياطي الفيدرالي، إما لدى البنك المركزي الكندي أو لدى بنك إنجلترا. ولقد رفع المصرفان الأولان من أسعار الفائدة، وقد يتحرك المصرفان الآخران على نفس المسار في أقرب وقت ممكن من الشهر المقبل.
وكما أشار السيد دراغي الشهر الماضي، في محادثات البنك المركزي الأوروبي في مدينة سينترا البرتغالية، فإن قوى التضخم تتسارع وقوى الانتعاش قد بدأت المسير. ولقد ارتفعت الثقة الاقتصادية، وتسارعت وتيرة النمو خلال ثلاثة فصول متتالية، مع ارتفاع مسجل وملحوظ في الإنفاق والاستثمار.
غير أنه لم يقل إن الاتجاهات الانكماشية قد أزيلت بالكلية. فمن شأن المنهج البطيء في التحرك أن يحقق النجاح الأكيد في نهاية المطاف. وبعيدا عن التوقعات الخاطئة، لا بد أن يفعل البنك المركزي الأوروبي شيئا ما، فإن البرنامج الحالي البالغة قيمته 60 مليار يورو (69 مليار دولار) شهريا من شراء السندات، من المقرر أن ينتهي تماما بحلول ديسمبر المقبل.
ولذلك من المرجح الإعلان خلال الشهور المقبلة عن تخفيضات في كمية السندات المشتراة، من أجل المحافظة على معدلات الفائدة المنخفضة. وسوف يكون هذا الإجراء من التدابير التحفيزية، ولكن عند حدها الأدنى. والمنهج واضح للغاية، فالأمر برمته يدور حول المعدل الرسمي للتحرك واتخاذ القرارات.
وتعتبر التصريحات الأخيرة من محافظ البنك المركزي الفرنسي مفيدة للغاية، ليس فقط لأنه يعتبر من المنافسين لخلافة السيد دراغي على رئاسة البنك المركزي الأوروبي، الذي يبلغ حاليا عامه الثامن في ذلك المنصب المهم والرفيع. وفي مقابلة شخصية على تلفزيون «بلومبيرغ»، أشار محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دو غالهاو، مرتين إلى «التكيف مع السياسة الصارمة في الخريف المقبل».
والتفسير اليسير لذلك يفيد بأن البنك المركزي الأوروبي سوف يبدأ تنفيذ برنامج التخفيض. ولقد بدا أن المسؤولين قد شرعوا في تنفيذ ذلك بالفعل في ديسمبر عندما انتقلت مشتريات السندات من 80 مليارا إلى 60 مليار يورو على أساس شهري.
ولا يوافق الجميع على ذلك بحال. فلقد أعرب محافظ البنك المركزي الهولندي عن قلقه بصراحة من أخطاء السياسات المصرفية. فمن شأن شراء السندات أن يستمر ولفترة طويلة، ويخلق أزمة من خلال ضخ كثير من الأموال في النظام المصرفي. واستخدم محافظ البنك المركزي الألماني مصطلحات مثل «تطبيع السياسة النقدية»، وهو يرمز في المعتاد إلى إنهاء التسهيلات الكمية بسرعة أعلى مما يريدها السيد دراغي والانتقال إلى مهمة رفع أسعار الفائدة.
وبعيدا عن الأزمة، تميل البنوك المركزية إلى القيام بالأشياء بصورة تدريجية. وهذا هو السبب في أن المنهج التدريجي يبدو من الخيارات السهلة. وفي الأثناء ذاتها، يمر الوقت سريعا نحو ديسمبر، عندما تنتهي سلطة شراء السندات في البنك المركزي الأوروبي.
وبعد عطلة الصيف التي كانت أشبه بالوقت المناسب للحصول على موافقة الجميع، فإن دراغي سوف يأمل في أن تعافي المنطقة اقتصاديا لا يتكيف مع صرامة السياسات المعمول بها في الاتجاه الخاطئ، قبل أن يتمكن من ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
8:56 دقيقه
TT
«المركزي» الأوروبي... التغيير قادم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
