سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

قطر ما زالت تطعم الوحش

عاد تيلرسون وزير الخارجية الأميركي بخفي حنين من دون أن يفلح في إقناع قطر بمطالب الدول الأربع.
بعد مغادرته نستطيع أن نقول إن الوساطة انتهت بلا توقيع أي تعهدات أو اتفاقيات بين قطر والتحالف الرباعي، بحجة أن قطر لا تقبل التخلي عن سيادتها، وتعتبر مطالب التحالف الرباعي مسألة تمس السيادة القطرية، ولكنها بالمقابل قبلت أن تتخلى عن سيادتها للولايات المتحدة ولألمانيا لتكونا هما الرقيبين على التعهد القطري «بوقف» تمويل الإرهاب، وذلك ما أكد عليه بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني الذي رحب بقبول قطر بالتعهد للولايات المتحدة «بالتوقف» عن تمويل الإرهاب، لا «بعدم» تمويل الإرهاب، فالتوقف يعني أن التمويل كان موجوداً وقطر تعهدت بإنهائه، وهذا إقرار آخر يضاف للكثير من الإقرارات السابقة.
على أرض الواقع فيما يتعلق بالدور القطري في مناطق الصراع التي تنشط فيها التنظيمات المسلحة كداعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة، تم تقييد التنظيمات المسلحة التي تدعمها قطر بشكل كبير في العراق وسوريا، خاصة بعد التفاهمات الأميركية الروسية على مناطق النفوذ وتقاسمها، وقبول تركيا بالاتفاق «الاستثنائي» الأخير وتذمر إيراني لتقليص مناطق نفوذها، وجاء التقييد بثماره بالتقدم الذي صاحبه انسحاب تلك التنظيمات!!
هذا ما كان يهم تيلرسون بالدرجة الأولى، هو اتفاق يقيد قطر ويوقف تمويلها لتلك التنظيمات النشطة في العراق وسوريا، لكنه اتفاق لا يقيدها في دعم تنظيمات أخرى تنشط في مناطق أخرى تبدو الولايات المتحدة غير معنية بتحقيق الأمن فيها! ولا يقيدها عن التمويل إن بدلت تلك التنظيمات عنوانها، وانتقلت لمناطق أخرى كمصر والمملكة العربية السعودية وليبيا وتونس واليمن، ولقطر فيها دور الممول والحاضن الفكري لإذكاء الصراع.
ولا يهمها إن خرجت التنظيمات التي تدعمها قطر عن السيناريو المرسوم لها وبدأت تمد يدها لأوروبا والولايات المتحدة ولبعض الدول الآسيوية، وهنا لا يبدو تيلرسون مقتنعا بأن لقطر يداً في تلك التنظيمات التي ضربت تلك المناطق.
والأهم أن من تعهدت قطر بالتوقف عن تمويلهم يعيدون الآن وبعلم تيلرسون التموضع بأسماء جديدة وبحلة جديدة تهرباً من الملاحقة، فقطر إذن ما زالت تطعم الوحش حتى بعد تعهدها بتجويعه!
الخلاصة... التحالف الرباعي يريد أن ينهي المشروع برمته ويوقف تمدده، بملاحقة جميع الحواضن الإرهابية وعلى رأسها تلك المحمية من قطر، إنما تيلرسون يريد أن يبقي المشروع ويهذب «الوحش» لا القضاء عليه لمنع وصوله لهم، ولإتمام صفقة الآستانة.
في حين أن دور قطر ما زال قائما في بقية المناطق النشطة، فحاضنة الإخوان تعمل على إنهاك الجيش المصري وإنهاك المملكة العربية السعودية شرقا وجنوبا، حتى لو لم يسقطا، إنما إشغالهما وإنهاكهما واستنزافهما يحقق ذات الغرض، وأي دولة تعتقد أنها خارج نطاق المشروع فهي واهمة، إنما تؤجل إلى حين.
اعتقد تيلرسون أن نفوذه ودالته على الدول الخليجية كفيلان بقبولهم الأمر الواقع الذي تريد أن تفرضه عليها، لهذا توقع تيلرسون أن يقبل التحالف الرباعي بتهذيب الوحش فقط لا القضاء عليه، ولهذه الأسباب فوجئ تيلرسون بعكس ذلك وبما قاله أنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية الإماراتي: «نحن لن نقبل بالحلول الترقيعية بعد الآن»، وما ذلك إلا لعلم الرباعي بأن التنظيمات التي تدعمها قطر والقوى الناعمة التي تمولها قطر، جميعها بدلت جلودها وما زالت نشطة وتعمل على أرضها.
التحالف الرباعي اليوم أقوى مما مضى بعد أن كشف اللعبة وعلم من هم اللاعبون والأطراف الرئيسية فيه، ولديه الرؤية واضحة، ويعرف جيدا أنه صاحب الأرض وأنه يملك زمام الأمور فيها، وما حققته الانتفاضة الرباعية ضد المشروع خلال الشهر الواحد فقط يهدم ما كان مخططاً لها على مدى العشرين عاما الماضية، فإن تعرف عدوك جيداً فإنك ستعرف كيف تتعامل معه.
التحالف الرباعي عليه الآن أن يوقف منابع الاستنزاف بأسرع وقت في مناطق الصراع، حتى وإن لم تنته نهاية صفرية كما ينبغي، إنما لوقف النزف (سوريا واليمن والعراق)، يكفي تحييد خطرها وإبعاده إلى حين، ويبقي على المقاطعة لقطر في ذات الوقت لاستنزاف الممول والداعم والحاضن، وهو أجدى بكثير، فليس هناك من يملك سيولة التمويل كقطر، ولن يوجد البديل إن جفّ ضرعها أو أنهكت، إلى أن تفيق لرشدها، وتقتنع أن سقوط من حولها يعني سقوطها هي.