مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

عام جديد من الإحصاءات... ولكن لا حلول

يصادف اليوم يوم اللاجئ العالمي، وهو يوم أقرته الأمم المتحدة لتسليط الضوء على معاناة اللاجئين والنازحين، والحاجة لحل الأزمات التي تدفع المرء لترك مدينته أو بلاده، عادة من دون خط رجعة منظور. ويعود هذا اليوم مجدداً، لتعلن المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن هذا العام شهد زيادة عدد اللاجئين والنازحين بـ300 ألف لاجئ، ليصل عددهم إلى 65.6 مليون نازح. 22.5 مليون من هؤلاء لاجئون، بينما 40.3 نازحون داخل بلادهم و2.8 مليون إضافيين طالبو لجوء ولم يمنحوا اللجوء بعد. وهذا أعلى عدد للنازحين واللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
عام جديد من الإحصاءات المروعة ولكن من دون حلول تعيد المتضررين لبلادهم. هذا العام شهد زيادة النزوح داخل العراق مع المعارك الدامية المستمرة، وتزداد أعداد اللاجئين من جنوب السودان الذي يعاني شعبه من ويلات الحرب، على الرغم من وعود دولية بالاستقرار بعد «الاستقلال». ويحتل جنوب السودان اليوم مرتبة «أزمة اللاجئين الأسرع تفاقما»، بعد أن كانت سوريا تتصدر المشهد المؤلم.
ولا توجد مؤشرات تطمئن بأن هذه الأعداد والنسب ستتراجع قبل حلول اليوم العالمي للاجئين لعام 2018، فنرى أزمات المنطقة تتفاقم بدلا من أن تحل.
على سبيل المثال، بعد 24 ساعة من الإعلان عن هدنة في مدينة درعا، أطلقت إيران صاروخاً في قلب دير الزور، وبعدها بساعات أسقطت الولايات المتحدة طائرة تابعة للنظام السوري. وبعيداً عن التحليلات السياسية حول هذه التحركات العسكرية، وما تريد تحقيقه كل دولة على الأراضي السورية التي ما زال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يدعي أنها «ذات سيادة»، فإن هذه القنابل تقع فوق رؤوس أناس عادة ما يكون الخيار أمامهم إما الموت أم الفرار. وهذه التطورات من بين جملة انتهاكات، داخلية وخارجية، تجعل السوريين يشكلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم اليوم.
من الصعب تحديد نتائج التغييرات الديموغرافية التي تطرأ على المنطقة. ولكن من اللافت أن نحو نصف اللاجئين والنازحين هم من الأطفال. وإحدى أكبر الأزمات التي ستواجهنا في العالم العربي نسبة الأطفال الذين ولدوا وهم في مخيمات من دون حماية أو اهتمام دولهم، لتبقى نسبة عالية منهم من دون بطاقة هوية رسمية. بعد 6 سنوات من الحرب في سوريا، يستضيف لبنان أعلى نسبة من اللاجئين، مقارنة بسكان البلاد - 1 من كل 6 - وفي الأردن 1 من كل 11 مقيماً في الأردن يعتبر لاجئاً. وبالطبع هناك قرابة 5 ملايين لاجئ فلسطيني، لم تحل قضيتهم منذ 7 عقود، منتشرون حول العالم مع بقاء حلم العودة موجوداً. ومن المفارقات في المنظمات الدولية، المفوضية السامية للاجئين لا ترعى مصالحهم، بل خصصت لهم وكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأنروا»، التي لم يكن في الحسبان أن تبقى 70 عاما تعمل من دون حلول في الأفق.
وبعدما كان الفلسطينيون يرددون: «كل الناس لهم وطن يعيشون فيه، إلا نحن لنا وطن يعيش فينا»، أخذ الملايين من العرب يرددون الكلمات نفسها.
وتقول المفوضية السامية للاجئين إنها تحيي يوم اللاجئ العالمي لتذكر العالم بـ«من ليس له صوت» ولتسلط الضوء على ضرورة معالجة أوضاعهم، وبينما السياسة المفضلة للمفوضية هي حل الأزمات وتسهيل عودة اللاجئين إلى ديارهم، فإن المفوضية تقر بأن الفترة المتوسطة التي يعيشها اللاجئ خارج بلاده عادة تطول 17 عاماً.
يوم اللاجئ العالمي يشكل مناسبة لشد الانتباه إلى الأزمة الإنسانية التي تجسدها معاناة اللاجئين، وتسليط الضوء على أهمية احترام القانون الدولي الذي من المفترض أن يحمي أضعف الناس. ففي نهاية عام 2000، قررت الأمم المتحدة اعتبار 20 يونيو (حزيران) اليوم العالمي للاجئين، ليكون العام الأول لإحياء هذه المناسبة عام 2001، تزامناً مع مرور 50 عاماً من إقرار اتفاقية جنيف الدولية، ولكن بعد 16 عاماً، اتفاقية جنيف نفسها مهددة، مع رفض بعض الدول احترام نصها الذي يفرض على الدول احترام حق اللجوء وعدم سد الحدود في وجه من يطلب اللجوء والحماية.
وإذا كان ليوم اللاجئ العالمي ضرورة فهي تكمن في تذكير الدول بواجباتهم تجاه مواطنيهم، وتجاه المستضعفين من أي دولة أخرى. وفي وقت تزداد الضغوط على القانون الدولي الإنساني بسبب الحروب، وعدم اكتراث دول قوية للقانون الدولي من دون محاسبة حقيقية، يعتبر يوم اللاجئ العالمي فرصة لتذكير الساسة والمحاربين بنتائج قراراتهم وأفعالهم. ولكنه أيضا فرصة للمقتدرين والإعلاميين والمدنيين على إظهار تضامنهم مع اللاجئين، ومع كل شخص اضطرته الظروف إلى ترك داره.