حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

من يحكم قطر؟

مع تداعيات الأحداث نتاج الأزمة السياسية بين عدد من الدول العربية ونظام الانقلاب في قطر، بدأ السؤال الأكبر يبرز على الساحة، وهو: مَن الذي يحكم قطر فعليّاً؟
فمع «تنازُل» حاكم الانقلاب حمد بن خليفة عن حكم قطر، وذلك لصالح ابنه تميم الذي جاء هو الآخر وبطريقة مثيرة للجدل لمنصب ولاية العهد قبل ذلك، بقي تنازل الأب غامضاً جدّاً، والأسباب التي قدمت لقاء هذا «التنازل» في أحسنها غريبة، وفي أسوئها مضحكة ومدعاة للتعجب والتساؤل.
ومع وصول تميم رسمياً إلى منصب الأمير بدأت ملامح العهد الجديد والخلاص الشكلي من الحرس القديم لوالده، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأسبق المثير للجدل حمد بن جاسم، وتنصيب وجوه «جديدة» محسوبة عليه.
إلا أن الواقع كان غير ذلك، فقائد الانقلاب حمد بن خليفة كان ولا يزال هو الذي يسيِّر الأمور، ويبقي اتجاهات البوصلة السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وهي مسائل استمرت كما هي عليه، بل إن الدعم للجماعات الإرهابية المسلحة في مصر وليبيا وسوريا واليمن وجهات أخرى زاد بشكل واضح جداً.
وفي الأيام الأخيرة بدأ الارتباك واضحاً على المنظومة الانقلابية الحاكمة في قطر؛ خطاب لأميرها تميم قُطِع بَثُّه فجأة دون أي تفسير لاحق بعد ذلك، وكذلك الأمر حصل مع وزير الخارجية الأسبق حمد بن جاسم الذي أعلن عن حديث منتظَرٍ له على الجزيرة، وألغي الحديث فجأة دون أي تفسير ولا تبرير، وطبعاً لا يمكن إغفال التصريحات الأولية التي خرجت على لسان تميم، ثم تراجع عنها وقيل عنها إنها بوادر الاختلاف الحاد في الرأي بين الأب زعيم الانقلاب وحاشيته وتميم ووجوهه الجديدة.
الأمير الحالي تميم مكبلة يداه من قبل الأمير الأب، خصوصاً في الشأن المالي، فكما هو معروف، فإن أي صرف مالي من قبل البنك المركزي القطري يتخطى حاجز المليار ريال قطري يجب أن يكون موافَقاً عليه بإمضاء الأمير الأب شخصيّاً، وكل مَن يتعامل مع البنك المركزي القطري يعرف ذلك جيِّداً. والمناصب الكبرى كوزارة الدفاع والداخلية والخارجية ورئاسة مجلس الوزراء يجب أن تحظى بموافقة الأمير الأب، كذلك سفراء قطر في واشنطن وموسكو ولندن وباريس وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
تميم يتعرض لضغوطات حادة من الدائرة الخاصة بوالده وبوالدته تُفرَض فيها سياسات يتبناها حتى تحول نهج حكمه إلى مسخ، ونسخة من الحكم الجبروتي لوالده. لم يستطع تميم أن يكسب أي معركة لصالحه سواء على صعيد الساحة الدبلوماسية أو السياسية، بل زاد من عدد الدول التي عادتها الدوحة، وفجَّرَت الخصومة معها بأساليبها التي باتت محفوظة ومعروفة، ونفيها من قبلها لم يعد مفيداً ولا مقنعاً.
الحاشية المحيطة بدائرة تميم ووالده من إخوان مسلمين وثورجية قومجية عرب، ومستشارين مريبين من دوائر صناعة القرار في الغرب، كوَّنَت مجتمِعةً وسائل ضغط هائلة على نظام الانقلاب في قطر، وأقنعته بأنه صانع للتغيير في الشرق الأوسط فألبسته رداء أكبر بكثير من حجمه وقياسه، وصَدَّق النظام الانقلابي نفسه، وظن أنه بالفعل كذلك، وبات يتصرف على هذا الأساس، ولكن لأنه «غير مقنع»، وأنه لا يطبِّق ما يدعيه ويطلبه من غيره على نفسه انكشف أمره وافتضح، ليتبين أنه في الحقيقة ما هو إلا «أداة» في أيادي الغير.
ولذلك يبقى السؤال المحوري قائماً: «من يحكم قطر؟».