د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

أزمة قطر مع العالم

سأكون صريحة جدا وأنا أكتب في هذا الموضوع: رأيته في الوهلة الأولى أزمة خليجية في المقام الأول، ولكن بالاطلاع على البيانات وبالتمعن في مضامين تصريحات الدول التي قررت مقاطعة دولة قطر، وفرض مجموعة من العقوبات القوية والقاسية اقتصادياً، أدركت أن الأزمة ليست خليجية وليست عربية بحكم انضمام مصر وليبيا وموريتانيا، بل هي في الطريق إلى أن تصبح أزمة قطر مع العالم وغالبية دول العالم، وذلك لسبب قوي جدا يتمثل في أن التهمة الموجهة لدولة قطر هي دعم الإرهاب والتنظيمات المحسوبة على التنظيمات المتطرفة الإرهابية مثل «داعش» وغيرها.
وأغلب الظن أن العالم اليوم في حرب شرسة ومتعبة ومخيفة وقاتلة مع الإرهاب والإرهابيين، وأي شخص أو مجموعة تثبت ضده تهمة الإرهاب فإنه اختار نهايته، فما بالنا بدولة تتحرك دوليا على نطاق واسع وصاحبة استثمارات وطموحات لا تحد.
ولقد رأينا كيف بدأ عدد الدول المقاطعة لقطر دبلوماسيا واقتصاديا يتزايد مقارنة بتاريخ إعلان الدول الخمس الأولى عن مقاطعتها. ذلك الإعلان الذي مثل حدثا مفاجئا وقويا باعتبار أنه لم يعتمد التدرج ولم تكتف المملكة العربية السعودية مثلا بالمقاطعة الدبلوماسية فقط، بل ركزت على المقاطعة المالية الاقتصادية التجارية وغلق حدودها بالكامل.
إذن نحن أمام أزمة ولدت كبيرة، ونعتقد أن تقوية جرعة العقوبات هي مسألة لا تخلو من أسباب وأهداف. ذلك أن هذا التصعيد النوعي ضد قطر يكشف عن وجود أسباب قوية جدا، وأن الأمر يتجاوز إلقاء التهم. بمعنى آخر فإن الواضح أن السبب المعلن والمتمثل في دعم التنظيمات الإرهابية واستضافة رموزه في الدوحة، وتوفير أشكال الدعم كافة، الظاهر أن الدول التي قررت المقاطعة والتوحد في الموقف قد تضررت بالفعل، الشيء الذي استوجب رد فعل قويا يضاهي حجم الأذى الحاصل والمتوقع.
في الحقيقة السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تسمح دولة عرفت بطموحها الجارف بأن تسقط في مشكلة لها علاقة بالإرهاب؟ أليس الطموح يجعل صاحبه حذرا من أجل تحقيق طموحه؟
هل إن قطر، كما يذهب إلى ذلك كثير من التحاليل الفكرية والسياسية، دولة تبحث عن الظهور وأداء دور بلفت النظر عن مضمون ذلك الدور، سواء أكان سلبيا أم إيجابيا أم أن الحقيقة أكثر عمقا؟
هل نحن أمام سياسة تعبر عن تصورات آيديولوجية ثقافية قطرية تتقاطع مع الآيديولوجيات المتطرفة، أم أن قطر توظف هذه التنظيمات حسب ما تراه يخدم مصلحتها؟
ولكن المشكل المحير والذي يجعل الحديث عن قطر وسياساتها يتوشح الغموض في كل الحالات، هو أن دعم الإرهاب والإرهابيين هو ضد مصلحة قطر بالأساس، ويهدد مصالحها وعلاقاتها، وهي التي تدرك ماذا يعني اليوم أن تتهم دولة بدعم الإرهاب. ولا نظن يفوتها أن أوروبا أكثر من أي وقت مضى عازمة على دحر الإرهابيين، بعد أن بلغها حريق الإرهاب واكتوت به.
أيضا نلاحظ بقدر ما تبدو دولة قطر نشطة وحاضرة، وحريصة على الحضور في الأشياء الصغيرة والكبيرة والمهمة والأقل أهمية فإنها دولة لا تتكلم. دولة لا تقدم خطابا حول ما تقوم به، وهو ما جعل منها دولة غامضة ليس من السهل اتهامها وإثبات ذلك عليها. وحتى في هذه الأزمة الأولى من نوعها في تاريخ قطر السياسي، فإن خطابها لا يواجه ولا يرد صراحة بدليل أنها، باستثناء قناة «الجزيرة»، لم تراهن على الإعلام في إيصال صوتها وسياساتها، رغم أن الدولة الطموحة التي تتوق إلى دور كبير لا تستطيع إهمال المسألة الإعلامية، ومع الأسف قناة «الجزيرة» حاليا ليست في أحسن حالاتها من حيث المصداقية ونسب المشاهدة.
ولكن رغم الغموض المشار إليه فإن الشيء الوحيد الواضح وضوح الشمس في قطر، هو طموح هذه الدولة في أن تكون الأولى والأقوى تأثيرا. ويبدو لنا أن إمكانية تدارك قطر والتحلي بالحكمة سيكون بفعل طموحها والتهديدات التي باتت تعرفها والمرشحة بقوة إلى التزايد.
لقد اعتمدت الدول المقاطعة لقطر أسلوب الإرباك واستهداف المنطقة الحساسة: المال والتجارة والاقتصاد. وهو الأسلوب الوحيد القادر على دفع قطر لمراجعة سياساتها، خصوصا أن الصمود أمام مأزق ارتباط صورتها بالإرهاب سيكلفها رمزيا وماليا الشيء الكثير.
المشكلة الآن: كيف يمكن لقطر الدفاع عن نفسها والدفاع عن دعمها لتصورات تقوم على التكفير والإرهاب؟ ثم هل إن التنظيمات التي تتمتع بالدعم ستقبل بسهولة قطع الدعم أم أن قطر حسبت حسابا لسيناريو خط الرجوع عن دعم الإرهاب طاعون هذا العصر؟