محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

هوليوود والعرب

قبل سنتين من قيام المؤلف جاك شاهين بوضع كتابه «Reel Bad Arabs» (أشرار السينما العرب)، في سنة 2002، وضعت كتاباً مشابهاً في اهتمامه، بعنوان «هوليوود والعرب»، صدر عن مهرجان البحرين للسينما العربية الذي أقيم سنة 2000.
لكن الكتابين يختلفان في 3 أمور جوهرية رئيسية:
* كتاب جاك شاهين وجد معظم الأفلام الأميركية التي رصدها معادية لشخصية العربي. أما كتابي، فوجد نسبة لا بأس بها من الأفلام التي لا تعاديها، أو التي تقدّمها كما هي، من دون حسنات أو سيئات.
* كتاب جاك شاهين كان سياسي النبرة، مع قليل من الاكتراث للتقييم الفني، بينما جاء كتابي على العكس تماماً، كوني ناقداً سينمائياً يلم بالسياسة، وليس العكس.
* كتابي احتوى على نحو 200 فيلم، بعضها ليس موجوداً في كتابه. كتابه احتوى على عدد أكبر من الأفلام، لكن بعض الأفلام الواردة عندي لم ترد فيه.
الحقيقة أن الكثير من الأفلام غير الأميركية أيضاً قامت - في كثير من الأحيان - بتشويه متعمّد لشخصية العربي في أعمالها السينمائية. ليلة أمس مثلاً، كنت أشاهد فيلماً صٌنع كمسلسل أسبوعي سنة 1942، عنوانه «جواهر نيوكا». وفي الحلقة الثانية منه، يرد حوار يتحدث عن العرب، قائلاً: «أنا أعرفهم. هؤلاء يبيعون أمهاتهم مقابل ألف ليرة للواحدة».
هي إهانة بلا ريب، لكن إذ أسعى الآن لإصدار طبعة جديدة تضم نحو 400 فيلم على ضفتي المعاملة الغربية للشخصية العربية، أكتشف أنه بات أصعب اليوم الدفاع عن المنطق والمبدأ المناهض للعنصرية، وللغايات الواقفة وراء التشويه الذي نال من شخصية العربي (المسلم دائماً)، مما كان عليه الأمر في السابق.
طبعاً الجهل لا دفاع عنه، وكثير من الأفلام المعادية كانت في الأساس جاهلة، وصانعوها هم أنفسهم الذين صنعوا أفلاماً نمطت شعوباً أخرى حول العالم، حسبما جرت رياح السياسة في كثير من الأحيان (الصينيون أخيار في مرحلة احتلال اليابان لهم، أشرار لاحقاً، والروس أصدقاء لفترة الجهد المشترك خلال الحرب العالمية الثانية، ثم خطر على الإنسانية جمعاء بعد ذلك).
لكن العربي، ولو أن مسارات الأفلام التي احتوته جاءت بدورها لتلبي رياحاً سياسية، خصوصاً في الخمسينات حتى التسعينات، فإن المعادي منها لم يمتلك السبب السياسي الوجيه لمثل هذه المعاداة. وبحسبة شبه دقيقة، نجد أن عدد الأفلام التي عاملتنا كأنماط دونية لا يبتعد كثيراً عن عدد الأفلام التي عاملت الهنود الحمر المعاملة ذاتها.
الصعوبة التي ذكرت هي أنه من بعد عام 2001، وما تلاه وصولاً لما يحدث اليوم من إرهاب عالمي، بات من المجهد تقديم الصورة الإيجابية بحد ذاتها. صار لزاماً القول إن هذه الصورة السلبية توازيها صورة إيجابية، وذلك لأن الصورة الإيجابية نعرفها نحن فيما بيننا، لكن العالم يعاني من تلك السلبية، وتلك تمحي ما قد يرد في أي صورة أخرى.
ما أهمية أن يكون فيلم مثل «جريمة كاملة»، حيث رجل التحري الأميركي عربي الأصل، يتمتع بذكاء كبير، أو أن يأتي فيلم «قبلة الليل الطويلة» ليحذر من احتمال إلباس العرب تهمة إرهابية هم أبرياء منها، ما دام أن هناك عشرات الأمثلة الحية المناوئة لذلك؟ التشويه السابق كان متجنياً. الحالي لا يحتاج إلى أفلام تتحدث فيه؛ يكفيه الواقع الحالي ليجعل الدفاع عن الحقيقة بحاجة إلى مبرر أقوى منها.