ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

ما الذي تفكر فيه روسيا؟

عندما يتحدث المسؤولون والمحللون الروس هنا عن التحقيقات الأميركية في حملة القرصنة الإلكترونية المزعومة التي شنوها عام 2016، هناك نقطتان رئيسيتان تبرزان على السطح: يتفاخرون بأن بلادهم ينظر لها باعتبارها تهديدا كبيرا، وأنهم مذهولون من أن الولايات المتحدة منشغلة بهذه الفضيحة.
هذا هو الخط الرسمي، لكن هذا ما أكده أيضا الكثير من منتقدي النظام ممن أجريت معهم مقابلات شخصية الأسبوع الحالي. فالناس لا تستطيع التوقف عن التفكير في التغيير المفاجئ في حظوظ كل طرف: فروسيا عادت قوة عالمية بعد عقود من الذل، والولايات المتحدة التي ما زالت القوة المهيمنة حتى الآن، باتت مشوشة، وتبدو في تقهقر في أعين الروس.
وبحسب رواية الكرملين، فها هو رئيس المجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاع، سيرغي كرغانوف، يصف رد فعله إزاء التحقيقات بقوله: «هو خليط من الاشمئزاز والتعاطف. اشمئزاز لأن 99 في المائة من هذا مجرد أكاذيب أو تلفيق، وربما 100 في المائة. وبالنسبة للتعاطف، فهي صورة متهورة عندما تقوم ديمقراطية عظيمة بقتل نفسها بارتكاب انتحار جماعي». وهناك نغمة مفضوحة من التشفي هنا، حتى عندما يتحدث المسؤولون عن رد فعل الولايات المتحدة المبالغ فيه. وصرح كرغانوف، الذي يعمل أيضا مستشارا غير رسمي في الكرملين بالإضافة إلى إدارته لمركز أبحاث، بقوله «كنت سأفتخر وسأسعد كثيرا لو أن سلطات بلادي استخدمت بعض قراصنة الإنترنت لاختراق نظامكم، وأظهرت أنكم تعيشون في قصر من الكريستال، ولا يحق لكم التدخل في شؤون الآخرين».
وفي ذات السياق، قال أندرو كولسنكوف، محلل مستقل وزميل مركز كرنيغي بموسكو، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فائز في كلتا الحالتين، «فإن تطفلنا على انتخاباتكم، فسنكون أظهرنا قوتنا، وإن لم نفعل، فنحن أتقياء». هناك تقييم آخر بنفس المعني القائل بأن بوتين خرج فائزا في الحالتين، والتقييم هنا خرج عن أندرو سولديتوف، أحد أفضل صحافيي التحقيقات بموسكو وهو أيضا صاحب الكثير من تقارير السبق عن المخابرات الروسية، حيث قال: «ماذا جنت روسيا من القرصنة لصالح سياستها الخارجية؟ تقريبا لا شيء، باستثناء أن روسيا تبدو قوية»، بحسب ما قاله لي، مضيفا: «هذا هو السبب في أن بوتين يتمتع بشعبية كبيرة، فهو يمنح الناس الإحساس بكيانهم. لقد عدنا دولة عظمى مرة أخرى».
ما فوجئ به الروس هو كيف أن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة انقسم سريعا منذ انتخاب دونالد ترمب. فالمسؤولون الروس اشمأزوا من هيلاري كلينتون وفضلوا ترمب، لكن من غير المرجح، حتى في كواليس الكرملين المظلمة، أن يتخيل مستشارو بوتين أن يكون الرئيس ترمب مشوشا أو أن يكون رد الفعل تجاهه متقلبا. فقد نشأ الروس على الخوف من الولايات المتحدة ولم يتخيلوا أنها بتلك الهشاشة.
وفي ذات السياق قال أندرينك ميغرانيان، مسؤول حكومي روسي سابق درس العلوم السياسية في الولايات المتحدة في السابق: «نعتقد أن واشنطن قد جُنت، فالرواية الأميركية كانت دوما عن الاكتفاء الذاتي، والآن نشعر بأنها ضعيفة». ويرى الناس انتخاب ترمب كـ«تحول نموذجي» بالنسبة لأميركي أكثر استقطابا ومرونة مما اعتقدت طبقة النخبة. والآن، من وجهة نظره، حان الوقت لرد الجميل.
ربما تتوقع أن يشعر الروس بالخجل من محاولتهم التدخل في نتائج الانتخابات الأميركية والأوروبية، لكن الحقيقة هي العكس، «فأنت تؤكد لنا أن بوتين بالغ القوة لدرجة أنه يستطيع أن يفعل ما يحلو له، يستطيع تغيير نتائج الانتخابات ويستطيع تغيير أوروبا، يستطيع فهل أي شيء».
الإعلام الرسمي هنا كثير السخرية من كل ما يجرى الكشف عنه كل يوم في الإعلام الأميركي وفي الكونغرس. وعندما قال السيناتور جون ماكين (الحزب الجمهورية عن ولاية أريزونا) مؤخرا إن روسيا أخطر من «داعش»، رد عليه موقع إخباري روسي قائلا: «هل من أحد ليعطي هذا الرجل دواء مسكنا». وعندما راجت قصة عن مشكلات مستشار البيت الأبيض جيرد كوشنر، نشر نفس الموقع التعليق التالي: «هؤلاء الروس مرة أخرى!»، يعتقدون أن ما يقولونه مضحك.
ووصف كرغانوف ترمب بالشجاع بشكل لا يصدق في تحديه للسياسة الأميركية التقليدية، بما في ذلك نداؤه لتحسين العلاقات مع روسيا.
أفضل ما قدمه ترمب لروسيا هو هزيمته لكلينتون التي جسدت الشخصية العنيفة المؤيدة للديمقراطية التي تميل للتدخل السياسي والتي كانت روسيا تنظر لها كتهديد مميت. وقال كرغانوف: «كنا ننظر لهم بوصفهم خطرا بنسبة 100 في المائة»، مضيفا: «كانت نصيحتي للحكومة لو أن كلينتون فازت هي أن تضع روسيا قوتها النووية على أهبة الاستعداد، ليعلموا بحجمنا».
ينظم بوتين احتفالا بقوة روسيا الجديدة الأسبوع الحالي خلال «منتدى سانت بيترسبرغ الدولي» القريب الشبه من منتدى دافوس. لن يكون استعراضا للنصر في الأساس، لكن ربما يكون كذلك فعلا. لكن بالنسبة لبوتين وحلفائه، فالنظام المتبجح المسمى «النظام الليبرالي العالمي» آخذ في التفكك، نحن لم نحب هذا النظام وتخلينا عنه، بحسب كرغانوف.
* خدمة: «واشنطن بوست»