مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

سبحان مغير الأحوال

برنامجي في رمضان لا يختلف كثيراً عن برنامجي في الأشهر الأخرى، لأنني أعشق الصباح وأحب النهار كثيراً، ولا أشاهد التلفزيون إلاّ بالليل، والساعات التي أقضيها في مكتبي أكثر من الساعات التي أقضيها نائماً في غرفة نومي.
وبما أن ساعات النهار طويلة في هذه الأيام، فقد عكفت على قراءة صور لمطبوعات قديمة كانت تصدر في الهند قبل الحرب العالمية الأولى، وكلها تقريباً كانت تحكي عن أحوال منطقة الخليج، ومما جاء في إحداها أنها تحدثت عن علاقة مشايخ إمارات الخليج (بابن سعود) وقالت:
ممن اتفق مع ابن السعود أهل الشارقة وشيوخهم صقر بن غانم، وشيخ أم القوين وهو راشد بن معلي، وشيخ رأس الخيمة وهو سلطان، أما صاحب البريمي فلا يزال على عهده، أي أنه محافظ على ولاء ابن السعود منذ نحو مائة سنة تقريباً.
وجاء في خبر آخر تحت عنوان: (اتحاد أمراء العرب)، جاء فيه بالحرف الواحد:
«نما إلينا أن الأمير ابن السعود اتفق اتفاقاً جديداً مع أمراء (أم القوين) و(رأس الخيمة) و(دبي) و(البريمي)، وهذا الاتفاق يؤكد ما كان قد عقد سابقاً، والغاية منه المحافظة على بلادهم وبقائها في أيديهم - انتهى
وأنشأوا كذلك منارة لتسهيل سير المراكب ليلاً، كما أنهم أحضروا إلى جزيرة (أبي موسى) الأدوات اللازمة لاستخراج (المغرّة).
وكيف أن تلك الإمارات أو المشيخات كان رزقها أو دخلها كله معتمداً على صيد (اللؤلؤ)، وفي عام (1907)، كانت إحصائيات المراكب في تلك المشيخات هي كالتالي: الكويت (1000) مركب، البحرين (3000)، قطر (2000)، نجد (300)، دبي (800)، الشارقة (500)، أم القوين (150)، أبوظبي (400)، جزيرة دفا (100) – أي المجموع هو (8250) مركباً -، ولو فرضنا أن معدل الغواصين في المتوسط هو نحو (20) في كل مركب، يكون المجموع هو: (165) ألف غواص، يمضون بالبحر عدة أشهر يصارعون فيها الأمواج، ليجلبوا اللؤلؤ ليبيعوه وبثمنه يطعمون عوائلهم وأطفالهم، وأكثر ما يشترونه هو التمر الذي يجلبونه من غابات النخيلة المزدهرة في (البصرة). وفي ذلك الوقت مدت سكك الحديد في العراق، واستخرج النفط، واستحدثت الكهرباء، وفتحت المدارس والمستشفيات.
وبعكس ما كانت عليه العراق من رخاء، أصيبت إمارات الخليج بصدمة في ذلك الوقت عندما كسدت أسواق اللؤلؤ في ديار الإفرنج - حسبما ذكرت إحدى المطبوعات - مما انعكس على أوضاعهم، فحصلت عندهم بعض المجاعات.
ونحن الآن في أوائل القرن الواحد والعشرين، فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال، عندما انتكس من انتكس، وارتفع من ارتفع.