نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إسرائيل تستبق

منذ بدأ الحديث عن صفقة تاريخية يعد لها الرئيس ترمب، بدأت إسرائيل في تنفيذ خطة استباقية تتعامل مع احتمال نجاح ترمب، في تقديم مبادرة وفرضها على جميع الأطراف، أو لو انسحب أو تريث في أول الطريق أو منتصفها، فهي تعمل على صنع الحقائق فوق الأرض ولا تنتظر المفاجآت.
أولاً... القدس، اكتشفت الحكومة الإسرائيلية أن إجراءات خمسين سنة من الضم والتوحيد، لم تنتج في المحصلة مدينة موحدة؛ فاليهود أقلية في الجزء التاريخي من المدينة وهو الأهم، أما خارج الأسوار فالكثافة السكانية الفلسطينية وإن قلت بفعل الإجراءات الإسرائيلية الصارمة، إلا أنها لا تزال كافية لإلغاء وحدة المدينة وانصياع السكان للسيطرة الإسرائيلية المفترض أن تكون كاملة على «العاصمة»، ولأن محاولات إخراج القدس من التفاوض باءت جميعاً بالفشل، فإن الخريطة الأميركية التي تسربت بين يدي زيارة ترمب لإسرائيل، والتي تبين الحدود كما كانت في الرابع من يونيو (حزيران) 1967 أيقظت مخاوف جدية حول مستقبل وحدة القدس، والقبول الدولي والأميركي أولاً لوضعها الإسرائيلي.
بدء الاستباق الإسرائيلي برسالة رمزية ذات دلالة سياسية جدية، حين عقد مجلس الوزراء اجتماعاً داخل نفق يقود إلى حائط «المبكى» البراق، وإقرار خطط تنموية للتجمعات السكانية الفلسطينية في المدينة، تحت عنوان تقليص الفوارق بين سكان «العاصمة»، إضافة إلى دعم المدارس التي تعتمد المنهاج الإسرائيلي، بحيث تتفوق في إمكاناتها وجاذبيتها للطلبة والمدرسين، على المدارس التي لا تزال تعتمد المنهاج الفلسطيني.
وأشياء كثيرة يجري تداول خطط بشأنها، مثل التخلص من بعض الأحياء العربية، وإلحاقها ولو بالأمر الواقع بمناطق السلطة الوطنية؛ وذلك لضمان أغلبية سكانية يهودية في منطقة القدس، واضعين في الاعتبار أن التجمعات التي يجري التفكير في التخلص منها لا تتمتع بأي مزايا تنموية؛ فهي أقرب إلى الـ«NO Mans Land» يشبّهها بعض الإسرائيليين بالورم العالق على الجسد اليهودي ينبغي إزالته.
الإجراءات الإسرائيلية في القدس، ولكي لا تكون خطرة على مستقبل المدينة فلا بد من أن تقوم الولايات المتحدة بوصفها صاحبة المبادرة التاريخية للتسوية النهائية، بلجم الاندفاعة الإسرائيلية لترتيب وضع المدينة قبل التفاوض عليه، حدث شيء كهذا في زمن إدارة أوباما.
المنطق السياسي الذي ينبغي أن يتحلى به الوسيط الأميركي لكي يكون موضوعياً ومقبولاً، يحتم اعتماد مبدأ في القانون الدولي، وهو ألا حق للمحتل ولا شرعية لإجراءاته فيما يحتل.
الاستباق الثاني والذي يبدأ العمل عليه بلا هوادة، هو إقرار قانون الدولة القومية اليهودية، لكي يضطر العالم والفلسطينيون إلى التعاطي مع هذا الأمر المختلف عليه إسرائيلياً والمقلق دولياً والمرفوض عربيا وفلسطينياً. أن إقرار الكنيست لهذا القانون يعني قبول الجميع لوصف إسرائيل لنفسها، وهذا سيؤثر على مسألة الاعتراف بها كشرط للتسوية أو كنتيجة لها.
الاستباق الثالث، التسهيلات الاقتصادية. لا ترغب إسرائيل في أن تكون التسهيلات المطلوبة جزءاً من الصفقة الشاملة التي قد يطرحها ترمب ويفرضها، وقد جرى حديث طويل عن هذا الأمر في مرحلة الاستطلاع، فإسرائيل تفضل التحكم المطلق في هذا الأمر من خلال مبادرات تقدم عليها، وليس من خلال اتفاقيات يمكن أن تفرض، فلا يمر يومٌ إلا وتعلن عن عزمها على تقديم مغريات اقتصادية للفلسطينيين من جانب واحد، لتباع هذه البضاعة للدول الضاغطة بهذا الاتجاه، أما الفلسطينيون فقد لا يحصلون على أكثر من الوعد، وبعض النتف الصغيرة. الذي يخدم الإسرائيليين في هذا الاتجاه هو طول أمد فترة الاستطلاع، التي تستغلها إسرائيل بالحد الأقصى، وسيخدمها كذلك لو كانت المبادرة الأميركية المرتقبة، حشداً من العناوين التي يحتاج كل عنوان منها إلى سنوات من التفاوض مثلما حدث مع أوسلو، ويخدم إسرائيل كذلك الوضع الفلسطيني المشتت والمتشرذم والمنقسم أفقياً وعمودياً، إدارياً وجغرافياً.
وحتى الآن ورغم تسارع القرارات الإسرائيلية الاستباقية فلا يظهر ما يوقفها أو يحد من تسارعها على الأقل.