حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قطر مخترقة!

لست مستغرباً أبداً من الضجة التي أثارتها تصريحات أمير قطر تميم بحق السعودية ومصر والإمارات والبحرين وغزله الصريح لإيران ودفاعه عن منظمة الإخوان المسلمين الإرهابية. فمنذ انقلاب الأمير السابق على والده واستيلائه على الحكم، أخذت قطر خطاً عدائياً في سياساتها. وتحديداً كانت الدول المستهدفة هي السعودية ومصر والإمارات والبحرين والأردن والمغرب.
وأطلقت قطر هذا الخط السياسي العدائي عبر منبرها المريب المعروف بالجزيرة، وكانت تستضيف فيه عناصر المعارضة والتطرف، وكانت منصة لشرائط زعماء تنظيم الإرهاب وهم يقومون بعمليات إرهابية في دول الجوار القطري. وتبنت عبر منبرها الإعلامي الترويج لفتاوى مريبة كالعمليات الانتحارية التي يدفع ثمنها العالم كله اليوم ويتساقط بسبب ذلك الآلاف من الأبرياء، قسمت صفوف الفلسطينيين وأزكت الخط المتطرف بسياساتها وتوجهاتها.
اختلقت خلافات «حدودية» مع البحرين والسعودية سقط فيها قتلى وجرحى ولم تتوارَ عن دعم «المعارضين» للسعودية والبحرين في السر والعلانية، وعملت الشيء نفسه مع المغرب والأردن والإمارات. وساندت الحوثيين لتقوية خط تقاربها مع إيران (وهي سياسة لم تتوقف عنها)، وفتحت السوق القطرية لرؤوس الأموال الإيرانية حتى كانت الخرائط التي وزعت على القبائل اليمنية تظهر فيها حدوداً جديدة لليمن «تضم» عسير وتصل إلى الطائف، وعرفت الجهات الأمنية السعودية أن خلف ذلك الأمر كانت قطر. استمرت قطر في مواقفها المريبة ضد السعودية، حتى جاءت الأحداث في مصر واختار الشعب أمره ورفض حكم جماعة الإخوان المسلمين الذي جاءت به قطر، وأعلنت قطر تصعيد موقفها ضد مصر والسعودية والإمارات واتهمتهم بتأييد «الانقلاب»، والمضحك أن نظاماً جاء بانقلاب ينتقد حصول انقلاب بحسب تفسيره، وعند اتهامه بأنه يتبنى خطاً معادياً لمصر يرد يقول إنه يدافع عن الديمقراطية، هذا كلام مقبول لو جاء من حزب العمال البريطاني أو أحد الأحزاب السويدية، ولكن من قطر؟! فهو هزلي وكوميدي ومضحك.
تذكرت لقائي الأول بوزير الخارجية الأسبق حمد الجاسم المثير للجدل، حينما قابلته على طاولة مستديرة في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس بسويسرا، وكان معنا رئيس البنك المركزي البولندي وعضو الحزب الشيوعي الروسي. وسألته: لماذا تقوم قطر بسياساتها المثيرة للجدل وتسير عكس السير؟ فقال لي: أنا شخصياً معجب بالسياسة الفرنسية، هي جزء من السياسة الغربية، ولكنها تدفعها إلى مناطق جديدة بعدم الانصياع الكامل. نحن لسنا بحجم السعودية ومصر، ونريد أن نكون مختلفين ولنا شخصية، ولذلك ننفتح على إسرائيل وإيران وأميركا والإخوان المسلمين ونفتح منابرنا لكل الأصوات الحرة في العالم.
لم أقتنع بكلامه وتذكرت أن التاريخ مدرسة نتعلم منه للكيانات الذين يستدرجون للعب أدوار أكبر من حجمهم. لبنان في السبعينات اقتنع أنه منصة لإصلاح العالم العربي فاستضاف كل أصوات المعارضة حتى غرق في حرب أهلية لا يزال يدفع ثمنها لليوم، والكويت وقعت ضحية أصوات القومجية واليسار، وابتلعها صدام حسين في ليلة غدر، وكانت الصدمة التي تدفع المنطقة فاتورتها لليوم.
وقطر ستكون الوجهة التالية لهذا الدرس القاسي. المسألة ليست بحاجة سوى لمنطق وعقل ليرى أن سياسة قطر منذ انقلاب الأمير السابق على والده، بنيت على الغدر والخروج عن الإجماع وخلق القلاقل في العالم العربي. القطريون أنفسهم يخجلون من مواقف بلدهم، أتذكر حديثاً جرى في جدة في عشاء حضرته، وكان ضمن الحضور رئيس بنك قطري حالي كان يترأس جهازاً إدارياً خلال فترة حكم الأمير السابق، وقال: نحن نرى أن مصر ودولاً أخرى في المنطقة تستحق أنظمة حكم أفضل، فقاطعته وقلت له: عفواً. من أنتم؟