د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

زيارة ترمب للسعودية... أول ركزة

بعد فترة من التزام البيت الأبيض، غادر الرئيس الأميركي أراضي الولايات المتحدة في أولى زياراته الخارجية، متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية. مكث ترمب فترة أطول من أقرانه الرؤساء السابقين من دون أي زيارات خارجية، مكتفياً باستضافة رؤساء ومبعوثي الدول في البيت الأبيض. خلال هذه المدة، قام الرئيس ترمب بتحديد أولويات فترته الرئاسية من خلال النظر في علاقاته مع الدول، والنظر في سياسته الداخلية، وكيفية الوفاء بوعوده الانتخابية التي وعد فيها الناخب الأميركي بإعطاء أهمية أكبر للمواطن الأميركي. خلال تلك الفترة قامت المملكة العربية السعودية ممثلة بولي ولي العهد بزيارة الرئيس الأميركي. تركز هذا اللقاء على تحديد نقاط الالتقاء بين السياسية الأميركية للرئيس ترمب، وبالسياسة الاقتصادية الجديدة للمملكة التي يقودها الأمير محمد بن سلمان رئيس المجلس الاقتصادي.
على الجانب الأميركي، فإن توجه الرئيس ترمب يتركز على الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة بشكل أقل على الاستثمارات الأميركية خارج أميركا. واتضح ذلك التوجه جلياً خلال لقاء الرئيس الأميركي بنظيره الصيني بداية هذا العام. فالاستثمارات الأميركية في الصين تزداد يوماً بعد يوماً، فعلى سبيل المثال فإن مقاهي «ستاربكس» الأميركية تزداد بالصين بمعدل فرع واحد يومياً، هذا التوسع الأميركي في الصين وفّر أكثر من 1.6 مليون وظيفة للصينيين في الشركات الأميركية. في نظر ترمب، فإن الصين هي المستفيد الأكبر من الاستثمارات الأميركية في الصين؛ ذلك بأنه يرى أن الفائدة الأولى هي توفير فرص العمل للمواطنين الأميركيين، وهو ما جعله يعد بمشروعات تبلغ قيمتها تريليون دولار إبان حملته الانتخابية. وتتركز هذه المشروعات على تأسيس البنية التحتية والصناعة والتقنية. هذه المشروعات هي التحدي الأكبر في فترة ترمب الرئاسية على الصعيد الداخلي. ترمب الذي وصف نفسه أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية بأنه شخص وطني، يعي تماماً أن نجاح هذه المشروعات يعني توفير فرص عمل كثيرة للمواطنين الأميركيين، إلا أنه يدرك أن الصعوبة تكمن في تمويل هذه المشروعات، وقد صرح سابقاً بأن 20% من التمويل سيكون من أموال دافعي الضرائب، والباقي سيكون من ممولين آخرين.
أما على الجانب السعودي، فإن التوجه الواضح للحكومة السعودية هو تقليل الاعتماد على النفط بصفته مصدراً أساسياً للدخل القومي، وقد أعلنت السعودية أكثر من برنامج حكومي يهدف إلى تعديد مصادر الدخل للمملكة. وتشكل الاستثمارات الخارجية جزءاً رئيسياً في تعدد مصادر الدخل للكثير من الدول. فعلى سبيل المثال، تنسب هذه الاستثمارات في الكويت وتونس إلى صندوق الأجيال القادمة، وتشكل مصدراً مهماً لدخل الدولة. وفي المملكة، قامت الحكومة مؤخراً بشراء حصص من شركات أجنبية، مثل شركة «أوبر» لهذا الهدف. والآن، وبعد زيارة ترمب تعلن المملكة أيضاً عن استثمارات في الولايات المتحدة تستهدف قطاع البنية التحتية والصناعة والتقنية بقيمة 40 مليار دولار. وتتميز هذه الاستثمارات بأنها طويلة المدى، وبانخفاض معدل الخطر فيها، بحسب تصريح وزير الطاقة الدكتور خالد الفالح. المملكة أيضاً قامت بالتوقيع مع كبريات الشركات الأميركية أمثال «جنرال إلكتريك»، وهي بذلك تفي بما وعدته مسبقاً بالعمل على نقل الصناعة والتقنية من دول العالم إلى المملكة. نقل التقنية يوفر فرص العمل للمواطنين، إلا أنه أيضاً يعطي المملكة قوة على النطاق الصناعي، وهو ما سعت له المملكة منذ عشرات السنين. والواضح، أن هذه الاستثمارات هي أحد المحاور الرئيسية التي تمت مناقشتها خلال زيارة ولي ولي العهد السابقة للرئيس الأميركي.
زيارة الرئيس الأميركي للمملكة بعد فترة من المكوث في البيت الأبيض واختياره المملكة، وضح أن العلاقات السعودية - الأميركية هي علاقات أعمق من آبار النفط، وأقوى من الأسلحة. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لتحجيم هذه الزيارة على هذين الموضوعين، فالواضح أن الزيارة السعودية السابقة للبيت الأبيض، قد نجحت في إيجاد نقاط التقاء بين السياسية الأميركية القادمة والرؤية الاقتصادية للمملكة، وتكمن نقاط الالتقاء هذه على المشروعات الاقتصادية تحديداً، فالمملكة رأت في مشروعات البنية التحتية الأميركية فرصة للاستثمار الآمن طويل المدى، وعلى الجانب المقابل فقد نجحت - كما وعدت - في الخطوة الأولى في نقل التقنية من شركات ضخمة بشكل فعلي، وذلك من خلال إنشاء مصانع محلية برؤوس أموال أجنبية تقوم بتوظيف المواطن السعودي. أما الرئيس الأميركي، فقد نجح من أول زيارة له، في الوفاء بأول وعوده، وذلك بجلب رؤوس أموال تمول المشروعات التي وعد فيها أثناء حملته الانتخابية.