د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

الضربة الأميركية... قراءة إيرانية

الإرهاب، خدمة للإرهاب، القتال إلى جانب الإرهاب، إيران الضحية الوحيدة في العصر الحديث التي استخدمت ضدها الأسلحة الكيماوية.
عبارات تختزل قراءة النظام الإيراني للضربة الأميركية التي وُجِّهت إلى النظام السوري في مطار الشعيرات، بعد استخدام هذا الأخير السلاح الكيماوي ضد المدنيين في خان شيخون.
نسير مع القارئ لقراءة أبعاد المنظور الإيراني لتلك الضربة والسيناريوهات المتوقعة لاحقاً.
يأتي النظام السوري بوصفه من أهم الوسائل التي تعطي للنظام الإيراني مساحة من النفوذ في العمق العربي، واعتباره مرتكزاً رئيسياً لما يطلق عليه «محور المقاومة»، وهو ما يدفع لما نراه من استماتة النظام الإيراني للحفاظ على بقاء هذا النظام على رأس السلطة.
تأتي الضربة الأميركية بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدتها المعارضة السورية، وفقدانها لكثير من الفعالية على الأرض بعد التدخل الروسي في سوريا، وتحقيق انتصارات للنظام السوري في حلب ومناطق أخرى، بدعم من روسيا وإيران و«حزب الله». لذلك أصبح للنظام السوري في المحادثات التي عُقدت في آستانة ولاحقاً في جنيف، اليد الطولى دافعاً باتجاه فرض مزيد من الشروط في ظل ضعف المعارضة.
وعلى المستوى الميداني، ورغم الضمانات الروسية لوقف إطلاق النار، فإن النظام السوري حاول، مدعوماً من النظام الإيراني، الاستمرار في تضييق الخناق على المعارضة السورية، والدفع باتجاه القضاء عليها تماماً، وبالتالي ضمان بقاء الأسد في سدة الحكم.
مفهوم المعارضة السورية لدى النظام الإيراني، هي تلك التنظيمات الإرهابية دون استثناء، بحيث لا فرق بينها وبين «داعش» وجبهة النصرة. هذا الأمر ينسحب على منظور النظام الإيراني للدعم القادم من مختلف الدول للمعارضة السورية، باعتبار ذلك دعماً للمنظمات الإرهابية.
جاءت الضربة الأميركية ضد النظام السوري في وقت تشهد المعارضة السورية فيه صعوبات وضعفاً، سواء في المستوى الميداني أو السياسي. وهذا ما دفع بالنظام السوري والإيراني إلى ممارسة مزيد من الضغوطات تجاهها. وبالتالي فإن هذه الضربة قد دفعت لأن يكون للمعارضة أمل من جديد في ترتيب صفوفها ميدانياً سعياً لتدعيم موقفها.
نتيجة لتلك الضربة وتبعاتها التي لا تخدم الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، فقد شهدت الساحة السياسية للنظام الإيراني انتقادات كبيرة للضربة الأميركية، جاءت سواء من وزارة الخارجية أو منابر الجمعة، وغيرها، ومنها:
1- وزير الخارجية الإيراني: لم يمض عقدان على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) حتى عادت أميركا للقتال في صف «القاعدة» و«داعش» في اليمن وسوريا.
2- المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: القصف الصاروخي على الشعيرات سيعزز قوة الجماعات الإرهابية ويُعقد الأوضاع في سوريا.
3- نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان: الهجوم الصاروخي سيؤدي فقط إلى سعادة أعداء بشار الأسد، أي الدول العربية وإسرائيل.
4- إمام جمعة طهران: أميركا نفذت الهجوم الصاروخي على سوريا، وارتفع صوتها بعد استخدام الأسلحة الكيماوية التي سلمتها بنفسها للجماعات الإرهابية.
5- الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني: العدوان الصاروخي الأميركي على سوريا موجه بالكامل، ويصب في مصلحة الإرهابيين، وسيؤدي إلى مزيد من تعقيد المعادلات السياسية والأمنية في سوريا.
يتساءل القارئ عن السيناريوهات المتوقعة للنظام الإيراني لتبعات تلك الضربة؟
يمكن تتبع موقف النظام الإيراني لتبعات تلك الضربة في:
أولاً: انتقاده المستمر لتلك الضربة، واعتبار ذلك جزءاً من خطة لدعم الإرهابيين في سوريا.
ثانياً: تكثيفه للانتقادات في الإعلام الإيراني، وتسليط الضوء على كل انتقاد تجاه تلك الضربة، سواء من دول أو مؤسسات أو غيرها.
ثالثاً: تكثيف وتحرك دبلوماسي لممارسة الضغوط السياسية، بالتعاون مع روسيا والصين وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لتحييد ووقف تطور تلك الضربة.
رابعاً: على المستوى الميداني، ممارسة مزيد من الضغوط على المعارضة بهدف منع استغلالها لتلك الضربة وربما مضاعفة تلك الضغوط.
تطورات الموقف الإيراني لا شك أنها ستظل مرهونة بالموقف الأميركي، والذي يبدو أن ما قام به هو ردة فعل وتسجيل موقف سياسي، ولا يرتقي لمزيد من التصعيد ضد بشار الأسد عسكرياً، في ظل تعقيدات المشهد السوري ووجود لاعب رئيس متمثل في روسيا، وهو ما أشار له وزير الخارجية الأميركي بالقول إن هزيمة «داعش» لا تزال هي الأولوية في سوريا.