دنيس روس
TT

ترمب يرفع سقف المخاطر أمام روسيا وإيران

جاء قرار الرئيس دونالد ترمب بإطلاق قرابة 60 صاروخ «توماهوك» ضد قاعدة الشعيرات الجوية، التي انطلقت منها قوات جوية سوريا لإسقاط أسلحة كيمائية على مدينة خان شيخون في الأسبوع الماضي، سريعاً وحاسماً. ولا شك في أن بشاعة الهجوم الذي تعرضت له المدينة أثر به. والواضح أن التحرك الأميركي سعى لبعث رسائل إلى نظام بشار الأسد وحلفائه، وكذلك المجتمع الدولي: لن تفلت مسألة الإقدام على استخدام أسلحة كيميائية دون عقاب.
المؤكد أن هذه الضربة الأميركية، التي صممت وهدفت إلى إحداث أضرار كبيرة بقاعدة جوية سورية، تحمل كذلك رسالة إلى الإيرانيين والكوريين الشماليين، مفادها أنه من الأفضل لهم أخذ تصريحات هذه الإدارة على محمل الجد. واللافت أن هذه الضربة وقعت في وقت كان الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الحامي الأول لكوريا الشمالية، في فلوريدا لمقابلة ترمب.
وفي الوقت الذي سيلحظ خصومنا بالتأكيد أن رد فعل الولايات المتحدة لن يقتصر على إطلاق الخطابات والتصريحات عند تجاوز الخطوط الحمراء، أو عدم الانتباه إلى التحذيرات الأميركية، فإن أصدقاءنا داخل الشرق الأوسط سيخالجهم قطعاً شعور كبير بالارتياح إزاء هذه الضربة.
في الواقع، سواء كان ذلك عن حق أم لا، فقد تولدت بداخلهم قناعة أثناء إدارة أوباما بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة ومسؤولياتها هناك. وساورهم الخوف من أن ينظر الرئيس إلى إيران بصفتها جزءاً من الحل للمشكلات القائمة بالمنطقة، وليس بصفتها مصدراً لها. ومن المعتقد كذلك أن هؤلاء الحلفاء الإقليميين سيتعاملون الآن مع تصريحات الإدارة بجدية أكبر بكثير، وربما يبدو استجابة أكبر للمطالب الأميركية.
بالنسبة للأصدقاء والأعداء على حد سواء، سيترك هذا الإجراء تأثيراً واضحاً، وبخاصة إذا ما بدا ناجحاً وترك تأثيراً ملموساً على السلوك السوري والإيراني والروسي. وقريباً سيتضح ما إذا الأسد سيختار اختبار الولايات المتحدة عبر شن هجوم آخر بالأسلحة الكيميائية. حال إقدامه على ذلك، فإنه يخاطر بخسارة المزيد من قواته الجوية، والميزة الكبرى التي توفرها له في مواجهة الجماعات المسلحة.
بطبيعة الحال، بمقدور الأسد اتخاذ قرار بالامتناع عن استخدام أسلحة كيميائية، وبدلاً عن ذلك زيادة معدل استخدامه البراميل المتفجرة في محاولة لإرهاب السكان داخل محافظة إدلب. وربما يتحرك في هذا الاتجاه بناءً على اعتقاده بأن ذلك لن يستثير رد فعل، في الوقت الذي ربما يتيح له السيطرة على مساحة أكبر داخل محافظة لا تزال الجماعات المسلحة المعارضة تتمركز بها.
من ناحية أخرى، نجد أن قوات النظام البرية ممتدة على مساحة شاسعة، وتعتمد مسألة سيطرتها على أراضٍ جديدة على الميليشيات الشيعية التي دفعت بها إيران إلى داخل سوريا من مناطق بعيدة مثل أفغانستان. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل الإيرانيون على استعداد لتعزيز جهودها داخل سوريا رداً على التحرك الأميركي؟
المعروف أن إيران بذلت بالفعل جهوداً مضنية للإبقاء على الأسد في السلطة، لكن هل لديها استعداد لبذل المزيد؟ وبخاصة أن الأسد كان استخدامه الأسلحة الكيميائية هو الذي استفز هذا التحول في الموقف الأميركي ـ الذي جاء في غضون أيام من إعلان وزير الخارجية ريكس دبليو. تيلرسون أن مستقبل الأسد «سيحدده الشعب السوري». إلا أن الإبقاء على الأسد في السلطة أمر، ومحاولة معاونته على استعادة «كل شبر» ـ حسب تعبيره ـ من الأراضي السورية أمر آخر.
من جانبها، أمام إيران خيارات إضافية إذا ما رغبت في أن تتكبد الولايات المتحدة ثمن توجيه مثل هذه الضربة؛ ذلك أنه بمقدورها استغلال عملائها من الميليشيات الشيعية في مهاجمة قوات أميركية في سوريا أو العراق. إلا أنه قبل الإقدام على ذلك، من المحتمل أن يتوقف قادة إيران للتفكير فيما إذا كانوا يرغبون حقاً في تقويض أو إضعاف الجهود الأميركية ضد تنظيم داعش، العدو الذي يشكل تهديداً مباشراً للكل. وماذا عن الروس؟ هل يمكن أن ينشروا مزيداً من القوات إلى سوريا لزيادة تكاليف أي تصعيد من الجانب الأميركي، أم أنهم سيقررون أن الوقت قد حان كي يوضحوا للأسد أنهم لم يعودوا يوفرون له الحماية؟ في الواقع، يبدو من رد الفعل الأول للجانب الروسي المتمثل في تنديدهم بالضربة، وادعائهم بأن الأسلحة الكيميائية جرى استخدامها من قبل الجماعات المعارضة المسلحة، وليس النظام السوري، وتجميدهم الترتيبات الرامية للحيلولة دون حدوث صدام مع الطائرات الأميركية، أنهم اختاروا مضاعفة رهانهم على الأسد، أو ربما يتركز اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر على عدم السماح بأن يبدو الاستخدام الأميركي للقوة حاسماً.
الملاحظ أن بوتين حقق بالفعل الكثير مما يرغب فيه داخل سوريا: تأمين النظام والحصول على قاعدة جوية وتوسيع منشأة بحرية ومشاركته بصفته حكماً في أي نتيجة للصراع هناك. والآن، حان الوقت للبحث عن وسيلة لتعزيز هذه المكاسب، وليس رفع تكاليف المشاركة الروسية في سوريا.
في الواقع، لا يزال من المبكر للغاية القول بما إذا كانت أي من هذه العناصر ستعمد نحو اختبار الإدارة، لكن ينبغي للرئيس ترمب والإدارة عدم التزام موقف سلبي والانتظار لما سيحدث لاحقاً، وإنما ينبغي لهما التأكيد عبر رسائل غير معلنة إلى الروس والإيرانيين والسوريين بأن عليهم تجنب اختبار الجانب الأميركي واللعب بالنار. بالنسبة لروسيا على وجه التحديد ينبغي أن تأتي الرسالة على النحو التالي: حركة المعارضة المسلحة ضد الأسد لن تتلاشى؛ لذا إذا كنتم ترغبون في ألا تجدوا أنفسكم محصورين داخل سوريا في وقت ربما تتصاعد فيه كلفة ذلك، فإننا على استعداد للعمل معكم على تنفيذ المبادئ الواردة في عملية جنيف للسلام.
عادة ما تتطلب الدبلوماسية دعماً من جانب عنصر قمعي، وربما توفر الضربة العسكرية الأخيرة للروس الحافز الذي كانوا مفتقرين إليه للشروع في تنفيذ المبادئ التي يدعمها قرارا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 2254 و2268: وقف أعمال القتال، وإنهاء الحصار وضمان الدخول دون أي إعاقة للمساعدات الإنسانية، وتدشين مرحلة انتقال سياسي على مدار 18 شهراً. من المحتمل أن تكون الضربة الأميركية قد بدلت الديناميكيات القائمة داخل سوريا وخلقت إمكانية جديدة. بيد أنه للأسف في إطار صراع تمخض عن كارثة إنسانية، فإن الضربة ربما تكون مجرد خطوة أخرى في إطار حرب لن تنتهي إلا بوصول جميع الأطراف حالة الإنهاك.
مع ذلك، تظل الحقيقة أن الولايات المتحدة بعثت برسالة قوية مفادها أن ثمة ثمناً يترتب على استخدام الأسلحة الكيميائية ـ وهي رسالة كان من الضروري إرسالها.
* خدمة «نيويورك تايمز»