زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الفراعنة في موسيقى الغرب

كيف استطاع الشاب المصري نور الدين التميمي المقيم في بلغاريا أن يجمع 60 عملاً موسيقياً وأوبرالياً فرعونياً في موسيقى الغرب؟ أمر بلا شك احتاج مجهوداً كبيراً وبحثاً مضنياً لتوثيق هذه الأعمال الموسيقية في كتاب من تأليفه؛ أعتقد أنه سيحتل مكاناً يليق به في مكتبتنا العربية.
هذه الأعمال الموسيقية هي دليل على عشق الغرب للحضارة المصرية القديمة وتفاعلهم مع قصص الفراعنة العظام أمثال تحتمس الثالث وحتشبسوت وأخناتون ورمسيس الثاني وكليوباترا.
اكتشفت من كتاب نور الدين التميمي أن هناك الكثير من الأعمال الموسيقية الفرعونية التي ألفها مشاهير المؤلفين الموسيقيين الغربيين والتي للأسف لا نعرف عنها شيئاً! مثل مقطوعة المارش المصري التي وضعها الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس مؤلف الدانوب الأزرق عام 1864؛ وقد خرج هذا العمل العظيم قبل افتتاح قناة السويس بأربع سنوات. وفى مقطوعة المارش نجد الموسيقار يشير إلى بناء الأهرامات ويظهر المصريون وهم يضعون الأحجار فوق الهرم سعداء فرحين ينشدون الأغاني الحماسية؛ الأمر الذي ينفي ما يشاع من بناء الأهرامات بالسخرة.
وهناك أوبريت ألفه الإسباني ثنستي ليو يحكي لنا عن محاكمة فرعون... وقصة ماريا وقد ألفه عام 1832، والقصة بالطبع خيالية تحكي عن فتاة الليل ماريا ورجل الدين الذي استطاع إقناعها بترك حياة الرذيلة لتقضي حياتها ناسكة متعبدة لله في وادي النطرون. ويأتي العظيم موتسارت ليحدثنا من خلال موسيقاه عن أحد أعظم الملوك الفراعنة المحاربين تحتمس الثالث؛ وقد ألف مقطوعته في عام 1773؛ وفيها يظهر موتسارت براعة الجيش المصري وكيف استطاع هذا القائد العظيم أن يقدم لنا دروساً في العسكرية المصرية، وفى الوقت نفسه يظهر أن هذا الملك كان سياسياً بارعاً وقاد الحملات العسكرية بنفسه؛ وكيف حقق انتصاراته وفتوحاته في الشرق الأدنى القديم؟ وقد أصبحت أوبرا موتسارت من أشهر أوبرات العالم وعرضت في كثير من البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا والنمسا.
وكتب الإنجليزي ألبرت كتلبي قصيدة سيمفونية عن أرض مصر الغامضة؛ صور فيها الحضارة الفرعونية وعظمتها وتغنى بجمال المسلات المصرية. وقطعة موسيقية أخرى ألفها الموسيقار كلودي جودفيل عام 1530 تتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر. وهنا حاول الموسيقار إظهار اليهود كمضطهدين وتنكيل فرعون بهم واستغلالهم في نقل الأحجار.
والجميل في الموضوع أنه أظهر أن الفراعنة كانوا أصحاب العبقرية. أيضاً هناك الكونشيرتو رقم 5 المعروف باسم المصري من تأليف الموسيقار كاميلي سان هو، وهو فرنسي الأصل وعاش في أسوان وتحدثنا مقطوعة المصري عن الملك أحمس الأول وعائلته وقصة طرد الهكسوس من مصر.
ويظهر الملك أحمس وهو يركب عجلته الحربية ويطارد الهكسوس ليحرر بلاده. وهناك أيضاً مقطوعة طقوس الربيع التي ألفها الموسيقار إيمور سترافنسكي عام 1909 وتم عزفها أمام الخديو عباس حلمي الثاني.
هذه أمثلة من كثير من الأعمال الموسيقية المتأثرة بالحضارة المصرية القديمة والتي للأسف الشديد لا نعرف منها سوى أوبرا عايدة... هل من وسيلة لإقناع دار الأوبرا المصرية بإعادة إحياء هذه الأعمال؟ أعلم أن الفنانة إيناس عبد الدايم مديرة دار الأوبرا لن تتأخر في بحث هذا الموضوع.