د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

الأبعاد السياسية لزيارة خادم الحرمين لدول آسيا

زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عدة دول في آسيا، أغلبها دول إسلامية، شملت ماليزيا وإندونيسيا وجمهورية بروناي واليابان والصين، ليس الهدف الأساسي منها فقط عقد اتفاقيات استثمارية وتجارية واقتصادية، ولكن الأهم من ذلك كله أن لها دلالات سياسية بعيدة المدى، حيث جاءت هذه الزيارة لإيصال رسالة غير مباشرة للدول المارقة، خصوصاً إيران، التي تهدف إلى تقليص الدور السعودي في المنطقة، وتعمل على تأجيج الوضع الأمني في السعودية، وتدرك أن السعودية لها ثقلها وعمقها الآسيوي الإسلامي، الذي يمثل جزءاً كبيراً في أكبر قارة في العالم. ولتدرك إيران أن علاقة المملكة بهذه الدول الإسلامية وغير الإسلامية في آسيا ليست مجرد علاقات عادية، إنما هي علاقات تمثل فيها المملكة السعودية دور القيادة في العالم الإسلامي، إذ إن للمملكة عمقَها الاستراتيجي في آسيا، فالجانب السياسي مهم جداً لهذه الزيارة، وتوقيت الزيارة مهمّ جداً، وفي الوقت ذاته فيها رسائل موجهة إلى الولايات المتحدة والغرب عموماً عن خطورة الوضع في المنطقة، ودور إيران في تأجيج الصراع فيها، وفي هذا تهديد للمصالح الحيوية الأميركية على المدى القريب والبعيد.
لذا جاءت زيارة ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لواشنطن متزامنة مع زيارة خادم الحرمين الشريفين، لإيصال الرسالة نفسها لأميركا عن حقيقة الوضع، وأن السعودية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في العالم الإسلامي خصوصاً في محاربة الإرهاب، وأنها ترغب في تعزيز العلاقات مع أميركا، وأنها دولة لديها قرارها وخياراتها، وتدعو إلى الاحترام المتبادل بين الدول، وأن السعودية من أكثر الدول التي عانت من الإرهاب وحاربت الإرهاب بكل الوسائل، وبالمقابل جاءت هذه الزيارة لتؤكد حقيقة باتت تعرفها أميركا مِن أن الذي يُصدِّر الإرهاب هي دولة إيران، وصرح بذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه؛ بأن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وبناءً على هذه المعطيات لا بد لأميركا أن تدرك ما يجري في المنطقة على حقيقته، وأن تدرك أن إيران هي التي تقف وراء كل الحروب والنزاعات الإقليمية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط من قريب أو بعيد، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين، وجاء الوقت الذي تفعل فيه أميركا دورها في المنطقة وتضع حداً للسياسة التوسعية الإيرانية.
ومثلما تقود أميركا دولَ التحالف الدولي في حرب ضد إرهاب «داعش»، في العراق وسوريا، كذلك المملكة العربية السعودية تقود التحالف العربي في حرب ضد ميليشيات إرهابية متمثلة في الحوثيين الانقلابيين، الذين هم الذراع اليمنى لإيران في المنطقة، ويمكن أن تسهم مع أميركا في محاربة الجماعات الإرهابية في اليمن بما فيها «القاعدة» وميليشيات الحوثي و«داعش».
إن إدراك الأميركيين لخطورة الحوثيين وغيرهم من الجماعات الإرهابية ودعم إيران لهم مهم، وذلك بسبب أنهم إذا ما استطاعوا أن يملكوا زمام الموقف في الساحل الغربي في اليمن، فإن ذلك سوف يؤثر على طرق الملاحة عند باب المندب والممرات المائية، مثلما حدث للقوات البحرية الأميركية من تعرُّض مدمِّرة تابعة لها للاستهداف بصواريخ من جهة اليمن، أكثر من مرة.
إن حياد أميركا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لم يكن حياداً إيجابياً من التدخل الإيراني والروسي في المنطقة، إنما كان حياداً سلبياً، وعلى أميركا أن تدرك أن الأحداث في الشرق الأوسط تسابقها، وأن يكون حيادها إيجابياً من كل ما يجري من أحداث، وعليها أن تقف مع حلفائها.
جاء الوقت الذي تستخدم فيه دول العالم الإسلامي سياسة الحزم والقوة، وإيصال رسالة لإيران بأنها تمادَت في جرِّ الدول الإسلامية إلى مشكلات وتدخلت في شؤون كثير منها، تحت غطاء ديني طائفي، وهو نشر المذهب الشيعي، بيد أن هذا الغطاء بدأ ينكشف لكثير من الدول الإسلامية، وتنكشف أهدافها بأنها تريد التوسع وإقامة إمبراطورية، خصوصاً بعد تمكُّنِها من العراق وسوريا وغيرهما.
لقد قدمت السعودية الكثير لدول العالم الإسلامي في الأزمات وغير الأزمات وتقوم بخدمة عظيمة في كل سنة، وهي خدمة حجاج بيت الله، وتُهيِّئ سُبُل الراحة لهم وتستقبل الملايين من المسلمين ليكون الحج مؤتمراً عظيماً للمسلمين من كل أنحاء العالم، وجاء الوقت الذي تقف فيه الدول الإسلامية مع السعودية لمواصلة دورها القيادي، خصوصاً أنها تخوض حرباً في اليمن ضد الحوثيين، الذين تمدُّهم إيران، فهل تصحو دول العالم الإسلامي لما يحدث؟ لقد حان الوقت لردّ الجميل للمملكة العربية السعودية وتقوية العلاقات بين الدول الإسلامية، ويكون لمنظمة العالم الإسلامي دور في هذا الشأن لترجمة مبادئ الإسلام في الواقع الذي يحث على الوحدة والتماسك بين المسلمين، وأنه هو دين التسامح والاحترام مع كل الدول؛ فهل تعي الدول الإسلامية هذه الحقيقة وتتكاتف مع الدور السعودي الرائد في مواجهة من يريد بالإسلام الشر؟