مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الجاهل عدو نفسه

أنا عائد لتوي من (دبي)، وقد يعتبر البعض أن شهادتي بها مجروحة، لهذا سوف أتركها على جنب، غير أنه لفت نظري تقريران لموقعين عالميين أكدا أن دبي تعد أكثر المدن حيوية، وهي أسرع المدن نمواً في العالم، وتحتضن أكثر الأعراق تنوعاً.
وذكر تقرير نشره موقع (غلوبال إنتغريشن) أن دبي باتت أكثر المدن حيوية، بمواصلتها إبهار العالم بآخر المستجدات في خط أفقها السماوي، واقتصادها، وتنوع سكانها العرقي.
وقال (كيفن هول)، معد التقرير: إن دبي لا تملك ثروة نفطية تذكر، فاستراتيجيتها قامت على انفتاحها على العالم، وبناء بنية تحتية جذابة – انتهى.
ولفتت نظري أيضاً مقابلة صحافيه مع مهندس هذه النهضة الخلاقة، الشيخ محمد بن راشد، عندما سأله صحافي قائلاً:
أريد أن أسألك عن إشاعة سمعنا بها من زمان، ما قصة سعي دبي لبناء عاصمة جديدة في ليبيا، أيام القذافي، تضم مركزاً مالياً، وأيضاً بنية تحتية؟ ولماذا توقف المشروع؟!
وأجابه الشيخ محمد، قائلاً ما معناه: لقد اتصل بي حقاً القذافي، وقال لي: يا محمد، أنا أريد أن أعمل في ليبيا مدينة مثل دبي، وبالطبع لا أنا ولا إخواني نقدر نقول: (لا) لأي دولة عربية تطلب منا شيئاً، وفعلاً أرسلنا وفداً متخصصاً، وعرضوا رؤيتهم ومشاريعهم على القذافي في خيمته.
غير أننا تفاجأنا بـ(الفساد) المستشري، فإذا كان المشروع سيكلف (100) على سبيل المثال، حطوه بـ(1000) - يعني (مائة للمقاول) و(تسعمائة) للمسؤولين، فوجدنا أن العملية برمتها ما تخارج، لهذا انسحبنا بشرف – انتهى.
بقيت في نفسي كلمة لا بد أن أشير لها - أي لا بد أن (أبق البحصة) وايش ما يكون يكون، وأقول:
إن (الوباء) الذي عصف بالدول التي تعتبر نفسها عريقة هو أولاً وأخيراً (حكم العسكر) الانقلابيين الذين لم ينتصروا في أي يوم من الأيام، لا في حروبهم العبثية، ولا في عطائهم الحضاري. ففي بدايات القرن العشرين - على سبيل المثال - في سوريا والعراق ومصر والسودان، كانت هناك المدارس والجامعات والسيارات والطائرات والقطارات والإذاعات والصحف والمستشفيات والسينمات والمسارح، وأهم من ذلك كله كانت هناك الأحزاب والحياة البرلمانية، في حين أنه لم تكن هناك (لمبة) كهربائية واحدة تضيء في دول الخليج.
كل هذه المعطيات أو المكاسب لم تعرفها دول الخليج التي كانوا يسمونها (البدوية)، حتى (البترول)؛ وهو البترول، اكتشف واستغل في تلك الدول العريقة، قبل الدول البدوية بستة عقود.
ولو أنني أردت أن أستطرد بالكلام لما كفتني كل صفحات هذه الجريدة، ولكن (خير الكلام ما قل ودل).
وصدق من قال: (الجاهل عدو نفسه).